quot; فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ quot; (الأانعام 119)
هذه الآية هي الأساس الفقهي الذي إعتمد الفقهاء المسلمون لتمرير القاعدة الشرعية quot;الضرورات تبيح المحظوراتquot;، وأنا هنا لن أتحدث عن أمور فقهية، ولكن في أمور السياسة.
رحبت بقرار حكومة الرئيس المصري محمد مرسي بالتوقيع على إتفاقية مع البنك الدولي لإقتراض قرض كبير، لأنه بدون مثل تلك القروض لن تستطع الدول المتخلفة أن تنمو إقتصاديا، وطبعا مثل أي قرار مهم في عالم السياسة هناك معارض ومؤيد، والفريق المؤيد معظمهم أخوانجية وإسلاميين يؤيدون أي قرار للرئيس مرسي حتى لو قرر أنه quot;ريان يا فجلquot; والفريق المعارض معظمهم يعارضون أي شئ يقرره أو يقوله مرسي حتى لو قال أن الشمس تشرق من الشرق وتغرب في الغرب، أما الفريق الموضوعي فهو قلة قليلة لا تتعدى النصف بالمائة وأنا أحاول أن أكون من فئة الموضوعيين إقتداء بإستاذي نجيب محفوظ والذي لم يكن إستاذ الواقعية فقط ولكنه كان إستاذ الموضوعية، والحقيقة أن موضوعيته هي التي قادته لواقعيته وليس العكس.
وأنا عاملت الرئيس مرسي منذ إعلان فوزه بالإنتخابات معاملة الرئيس التي يستحقها، ولكنه أيضا عليه أن يتحمل النقد الذي سيواجهه، ولقد وجه أحد الصحفيين سؤالا للرئيس أوباما هذا الأسبوع عما إذا كان إنزعج من الهجوم المرير عليه أثناء إنعقاد مؤتمر الحزب الجمهوري، فضحك وقال :quot;لو كنت قد إنزعجت لبحثت عن وظيفة أخرىquot;!!
والرئيس مرسي إنزعج من النقد بعد أسبوعين فقط من توليه للسلطة وحظر من غضب الحليم، وفعلا أنطلق غضب الحليم لإغلاق بعض القنوات التليفزيونية ومحاكمة بعض الإعلاميين، وفي نفس الوقت لم تفعل الحكومة شيئا للدفاع عن الفنانة إلهام شاهين التي طعنت في شرفها على الملأ.
نعود لموضوع المقال، رغم تأييدي لقرار توقيع قرض البنك الدولي، إلا أنني لم أتمالك أن أتساءل مع غيري، لماذا يكون هذا القرض ربويا لحكومة الجنزوري ويكون حلالا بلالا لحكومة الأخوان، وعلى الفور إنبرى ترزية الفتاوي لإستخدام كل ترسانة أسلحتهم من النصوص المقدسة لتحليل نفس ما أعتبروه ربا وحراما من شهور قليلة، وكانت أقوى حجة لديهم هي فتوى: quot;الضرورات تبيح المحظوراتquot;، وهذا كلام جميل ومعناه أن الأخوان أقتنعوا أن المصلحة تأتي قبل شعار الإسلام هو الحل، وأنا شخصيا أفضل شعار الأخوان الجديد الغير معلن :quot;الضرورات تبيح المحظوراتquot; لأن معناه أنهم أصبحوا رجال سياسة كما ينبغي وأقلعوا عن مجرد أنهم أئمة مساجد، ومعنى الشعار الجديد مايأتي:
أولا: سيوضع موضوع الجهاد على الرف مؤقتا وسيتم إحترام معاهدة الصلح مع إسرائيل، وسيتم الإستغناء عن شعار الأخوان الأساسي :quot;وأعدوا لهم ما إستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكمquot; على أساس أن الصلح خير وأن (وهذا هو الأهم) quot;الضرورات تبيح المحظوراتquot;.
ثانيا: سيتم إستمرار العلاقة الإسترتيجية مع أمريكا (الشيطان الأكبر)، ولا مانع من إستمرار قطع العلاقات مع الجمهورية quot;الإسلاميةquot; الإيرانية على أساس أن quot;الضرورات تبيح المحظوراتquot;.
ثالثا: لن تتدخل الحكومة في مأكل ومشرب ولبس السياح إن أتوا إلي مصر، والتغاضي عن الصيحات السابقة على أن من يأتي إلي بلادنا يجب أن يحترم عاداتنا وتقاليدنا وأكلنا وشربنا، وأننا لن نفتح quot;بلادنا للدعارةquot; من أجل حفنة دولارات، وكل هذا كلام جميل إن حدث لتفادي خسارة ملايين الوظائف في مجال السياحة التى تعاني أكبر معاناة منذ 25 يناير، وأنا أحيي قرار مثل هذا على أساس أن quot;الضرورات تبيح المحظوراتquot;.
رابعا: سيتم العودة إلي خصخصة بعض شركات القطاع العام لما في هذا فائدة لإقتصاد مصر، وعودة لسياسة الرئيس quot;المخلوعquot; وسياسة العهد البائد بل ولا مانع من الإستعانة ببعض رموز العهد البائد، برضه على أساس أن quot;الضرورات تبيح المحظوراتquot;.
خامسا: يجب تحسين علاقات مصر بأي شكل مع إثيوبيا المسيحية جدا وجنوب السودان المسيحية والمنفصلة حديثا عن شمال السودان المسلم، وكذلك مع باقي دول حوض النيل الغير مسلمة لأن حياة مصر في إستمرار مياه النيل، وبرضه على أساس أن quot;الضرورات تبيح المحظوراتquot;.
سادسا: يجب التغاضي مؤقتا عن الدعاوي والهتافات التى إنتشرت أيام الحملة الإنتخابية :quot; على القدس رايحبين شهداء بالملايينquot; ليس لعدم توفر الملايين لا سمح الله (الملايين على قفا من يشيل) ولكن لأن quot;الضرورات تبيح المحظوراتquot;.
سابعا: لا مانع من أن يلحس خيرت الشاطر أي كلام عن برنامج الأخوان عن النهضة و لامانع أيضا من أن ننسى أن الأخوان قالوا أنهم سيحضرون إستثمارات بمائتي مليار دولار إلي مصر لأن كلنا نعرف أن كلام الإنتخابات كثير ومثل الزبدة وغالبا ما يكون بالليل يطلع عليه النهار يسيح ولم لا quot;فالضرورات تبيح المحظوراتquot;.
والموضوع قد يطول ولكني أتوقع أن يكون لدى الرئيس مرسي وحكومته ومستشاريه من العقل الذي يجعلهم يختارون الأصلح لمصر، حتى لو أدى هذا إلي تأجيل شعار الإسلام هو الحل إلي حين (والذي لم نعد نسمعه) والإستمرار في إستخدام الفتوى العاقلة : quot;الضرورات تبيح المحظوراتquot;.
[email protected]
التعليقات