تشهد مصر الآن هجوم quot;طيور الظلامquot; ومحاولة إستيلاءهم على كل السلطات فى مصر بدأوا بالسلطة التشريعية (وهذا من حقهم فقد إستولوا عليها من خلال صناديق الإنتخاب) وهم فى طريقهم لإستيلاءهم على سلطة رئاسة الجمهورية وبعدها سيستولون على السلطة التنفيذية بإستيلاءهم على الحكومة، وأعتقد أن السلطة القضائية فى جيبهم او ستكون فى جيبهم لا محالة أما الدستور فسيكون دستورهم، وسوف يحكمون بالحديد والنار ولكن هذه المرة سيحكمون بقوة دستورهم وتشريعاتهم وقوانينهم quot;الوضعية على مزاجهمquot; وليس هذا فقط بل سيكون وراءهم التفويض الإلهى الذى يبيعونه وباعوه بنجاح منقطع النظير للشعب المصري الذى صدق ومازال يصدق أنهم quot;ناس بتوع ربناquot;.

وكما قال أكثرهم تعقلا عبد المنعم أبو الفتوح فى مقابلة تليفزيونية عندما سألته المذيعة عما سيفعله (إذا تم إنتخابة رئيسا لمصر) فى الفن والسينما والغناء وحرية التعبير، فقال بالحرف الواحد:quot; كل شئ سيتم بموجب الدستور والقانون والقضاءquot; وهو حق يراد به باطل، لأن الدستور سيكون دستورهم والقانون قانونهم والقضاء قضاؤهم، وقد رأينا أول قانون أصدره مجلسهم الجديد وهو قانون:quot;حد الحرابةquot; لمحاربة البلطجة وقطع الطرق وهو شئ جيد ولكن القانون المصري الحالى لا أعتقد أن فيه أى مادة تتسامح مع قاطع الطريق أو السرقة بالإكراه، حتى أن بيان المجلس العسكرى والذى ألغى فيه قانون الطوارئ ذكر فيه أن قانون الطوارئ لن يستعمل إلا فى حالة البلطجة فقط، إذن فما حاجة مصر إلى قانون quot;حد الحرابةquot;، ولكن الأمر وما فيه هو إستعراض لعضلات الإسلاميين فى البرلمان وتعمد إستخدام مفردات دينية مثل :quot;حد الحرابةquot; و quot;القصاصquot; و quot;إنتقموا لحرائر مصرquot; (وكأن نساء مصر مقسمات إلى نساء حرائر ونساء جوارى) وللإسف ينجرف بعض السذج من الليبراليين بإستخدام نفس المفردات، ثم يبدون إنزعاجهم من أن مصر على وشك أن تصبح مصرستان.

والمفاجأة الكبرى فى الإنتخابات البرلمانية المصرية ليست فقط إستيلاء الإسلاميين على نسبة تكاد تبلغ %75 من المقاعد (أى ضعف ما توقعوه هم أنفسهم)، ولكن المفاجأة الحقيقية هى خيبة الليبراليين والعلمانيين وتفرق أصواتهم وعدم وجود قيادة حقيقية يتطلعون إليها، وبعد أن كانوا هم المحرك الحقيقى لتلك الثورة، فإذا بهم يسلمون تلك الثورة الرائعة على طبق من ذهب لألد خصومهم وهم لايشعرون، وبدلا من مواجهة الخصم الحقيقي وهم (طيور الظلام) تفرغوا بسذاجة وخيابة منقطعة النظير فى محاولة الإنتقام من مبارك وأعمدة حكمه وفى مهاجمة (المجلس الأعلى للقوات المسلحة) الذى حمى الثورة، ولم يجد المجلس العسكرى بدا من مد يده والتعاون مع القوى المحترمة والتى لا تهاجمه ولا تنادي بمحاكمة قادته، لذلك فإن القوى الليبرالية قد خسرت الشارع الذى أيدها فى البداية ولكنه إبتعد عنها عندما عضت اليد التى حمت الثورة، حتى وثيقة السلمي والتى كانت ستحمي الدولة المدنية وتقلص من نشاط المتطرفين إشترك الليبراليون بسذاجة منقطعة النظير مع الإخوان فى مهاجمتها حتى أسقطوها، وأسقطوا السلمي نفسه، وبعدها لم يجد الأخوان والسلفيين من يقف أمامهم وهتفوا لبن لادن فى ميدان التحرير ورفعوا أعلاما غير مصرية فى ميدان التحريرز

وتخيلوا معي لو كانت القوى الليبرالية قد وضعت يدها فى يد المجلس العسكرى من البداية؟؟ ولكن ماحدث قد حدث، وكفى بكاء على اللبن المسكوب، لكننا نذكر ذلك حتى لا يكرر الليبراليون أخطاؤهم مرة أخرى. وهاهي الآن تتاح فرصة هائلة أمام الليبراليين مرة أخرى للوقوف بجانب المجلس العسكري بعد أن قرر الأخوان فى بيانهم الأخير هذا الأسبوع أن يتغدوا بالمجلس العسكرى قبل أن يتعشي بهم حتى لايكرروا خطأهم فى 1954 عندما تغدى بهم عبد الناصر قبل أن يتعشوا به، لكن المجلس العسكري وحده لن يستطيع عمل مأدبة الغذاء تلك بدون أن يكون هناك مساندة شعبية، فهل ياتري الليبراليون على إستعداد للتعاون مع المجلس ضد quot;طيور الظلامquot; التى بدأت تهاجم الآن الجيش والمحكمة الدستورية العليا وتتهم المجلس العسكري بتزوير إنتخابات الرئاسة التى لم تبدأ بعد!!
...
وأقولها لكل من الليبراليين والإسلامويين مرة أخرى تلك هي الليبرالية والعلمانية كما أفهمهما وكما أمارسهما وأفخر بهما، وفى الإعادة إفادة، والتكرار يعلم ال......شطار:

الليبرالية تتلخص فى كلمة بسيطة :quot;أنت حر ما لم تضرquot;، نحن نؤمن بحرية الإختيار ولا أريد لأى بشر كائنا من كان يملي عليّ كيف ألبس وكيف أحلق ذقنى وكيف أنزل البحر وكيف أدخل الحمام وكيف أنام مع زوجتى إلخ هذه التفاهات التى يشغلون الناس بها ويتناسون مشاكل الناس الحقيقية مثل السكن لأطفال الشوارع ، الوظيفة للعاطل ، سرير فى المستشفى للمريض، كرسي لطالب فى مدرسة محترمة، بيئة غير ملوثة يتنفس فيها الجميع، أماكن ترفيه للأسرة البسيطة، حل مشاكل المهمشين فى المجتمع.
الليبرالية تؤمن بالتعدد ولا تؤمن بالحزب الواحد أو الرأى الواحد الذي يحول المجتمع إلى مجموعة من الغنم يقودهم أعمى
الليبرالية تعنى حرية المرأة ومساواتها بالرجل فى الأجر والحقوق والواجبات وحق تقرير مصيرها
الليبرالية تعنى حرية العقيدة وأن العلاقة بين المواطن وما يؤمن به أو ما يعبده هى علاقة روحانية ولا يصح أن يتدخل فيها البشر، والليبرالية لاتعنى الكفر كما يحاول المتطرفون إدخال هذا فى عقول البسطاء
الليبرالية تعنى المساواة بين كل أطراف المجتمع تحت قانون واحد ولا يصح التفريق بين مواطن وآخر بسبب العقيدة أو الدين أو الجنس أو اللون أو الوضع الإجتماعى
الليبرالية لا تؤمن بوجود مواطن من الدرجة الأولى ومواطن من الدرجة الثانية أو الثالثة
الليبرالية تؤمن بالإقتصاد الحر مع عدم الإخلال بالعدالة الإجتماعية ويتم هذا عن طريق فرض ضرائب تصاعدية وضرائب عقارية وضريبة مبيعات ويتم إستغلال حصيلة تلك الضرائب لتحسين أحوال المهمشين فى المجتمع لأنه بدون عدالة إجتماعية حقيقية وبرامج لرفع مستوى معيشة عامة الناس فلن يوجد سلام إجتماعى
الليبرالية تؤمن بحرية التعبير سواء بالكتابة أو الفن أو الأدب
الليبرالية تؤمن بحق المواطن فى الإعتراض السلمى والذى لا يعرقل الإنتاج
الليبرالية تؤمن بأن الشعب هو مصدر السلطات ولا يصح إستغلال هذا فى شراء أصوات المواطنين البسطاء
الليبرالية تؤمن برعاية الأطفال والعجزة والمعوقين
الليبرالية ليست عقيدة مكتوبة مثل العقائد الدينية ولها كتبها السماوية وليست مثل العقائد السياسية كالشيوعية ولها كتبها المرجعية، وإنما تؤمن الليبرالية بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان
...
أما العلمانية فهى ببساطة فصل الدين عن السياسة، فالسياسة هى فن المتغير، ولنا فى الأخوان المسلمين أسوة حسنة فكم مرة غيروا مواقفهم، ففى بداية الثورة قالوا أنهم لن يشتركوا فى المظاهرات، وعندما رأوا أنها قلبت بجد لم يشاركوا فيها وحسب ولكنهم ركبوها وأدعوا أنها ثورتهم، وفى البداية أيضا رفضوا التعاون مع المجلس العسكري، ثم تعاملوا معه حتى أصبحوا سمنا على عسل، واليوم إنقلبوا عليه مرة أخرى، فى البداية أعلنوا أنهم لن يترشحوا فى أكثر من %40 من الدوائر ثم نزلوا فى معظم دوائر القائمة، ليس هذا فقط بل نزلوا فى معظم الدوائر الفردية، أعلنوا أنهم لن ينزلوا بمرشح للرئاسة واليوم يعلنون أنهم يفكرون فى مرشح للرئاسة، وهذا كله سياسة، فالسياسة تؤمن بأن :quot;إللى تغلب به ... إلعب بهquot; ولكن الدين ثابت لذا فخلط الثابت بالمتغير إما يجعل الناس تكفر بالسياسة أو تشك فى رجال الدين الذين يعملون بالسياسة.

ومرة أخرى العلمانية لا تعادى الدين، ولكنها تؤمن أن من حق كل مواطن ممارسة شعائره الدينية داخل دور العبادة وداخل منزله، ومن حقه أن يعلم أولاده ديانتهم داخل دور العبادة وفى المدارس الدينية وفى داخل المنزل.
...
إن محاولة الإسلامويون تطفيش الناس من الليبرالية والعلمانية على أنها كفرإنما هى محاولة خطيرة لأنها ستبعد فئة هامة (ولا أقول أهم فئة) من المواطنين من ممارسة السياسة وذلك بالإرهاب الفكرى وتكفير الناس على الفاضي وتهمة إزدراء الأديان جاهزة دائما للحكم على أى ليبرالى بالحبس لمدة ستة أشهر، ومن يعرف ربما نرى قوانين حد الردة قريبا تناقش فى مجلس الشعب ليتم تطبيقها على كل ليبرالى أو علمانى يتجرأ على إنتقاد الدكتاتورية الدينية القادمة.

أننى أشفق على مصر وغيرها من بلدان ما يطلق عليه الربيع العربى فى أن يخوضوا التجربة التى مرت بها أوروبا فى القرون الوسطى عندما تحكم رجال الدين ورجال الكنيسة فى السياسة وفى مصائر الناس لأنهم إدعوا أن لديهم تفويضا إلهيا وأنهم quot;ناس بتوع ربناquot; (علما بأن آخر الرسل هو محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وإذا إدعى أى شخص أن لديه تفويض إلهى فهو بالقطع كاذب) ، فهل ننتظر مائة سنة أخرى لكي نعرف أن تسلط رجال الدين على السياسة هو طريق فاشل؟ أم أننا سنعتمد فى حل مشاكلنا على بركات الشيخ أبو إسماعيل والذي لمس بيده المباركة أمرأة مشلولة فصارت تمشى؟ فما بالكم لو لمس الشيخ أبو إسماعيل بيديه المباركتين خزينة البنك المركزى المصري لإمتلأت بالعملات الصعبة، وأهو كده دولارات ... وكده إسترليني!!
[email protected]