مركز المسبار للدراسات والبحوث في quot;دبيquot; دولة الإمارات العربية المتحدة، من أهم المراكز (المستقلة) المتخصصة في دراسة الحركات الإسلامية المعاصرة والظاهرة الثقافية عموما ببعديها الفكري والاجتماعي ndash; السياسي سواء في العالم العربي أو الشرق الأوسط الكبير. يرأس المركز حاليا - الذي يضم مجموعة مختارة من الباحثين والخبراء - المايسترو الكبير quot;تركي الدخيلquot;.
quot;الأقباط بعد 25 ينايرquot; هو أحدث اصدارات المركز ويحمل رقم (68)، وأحد تجليات مشروع أكبر عن الإسلاميين والديمقراطية الذي بدأ بالاصدار رقم (65) وشرفت بالمشاركة فيه أيضا ببحث حول quot; الديموقراطية في ظل العولمة quot;، إلي جانب مجموعة من الدراسات لباحثين متخصصين كتبت قبل الاضطرابات التي عاشتها المنطقة العربية منذ أوائل عام 2011 بأسابيع، ودراسات أخري كتبت أثناء الأحداث التي عرفت بالربيع العربي، لذلك كان أشبه بالتمهيد الضروري لكتاب آخر بعنوان quot; الديمقراطية عند الإسلاميين quot; بعد الثورات التي اجتاحت العالم العربي، مما وفر رصدًا وافيًا للديموقراطية في فكر الإسلاميين قبل الثورات وبعدها.
وعالج الإصدار رقم (67) والمعنون quot;الأقليات الدينية والإثنية بعد الربيع العربيquot; خاصة في الدّول التي تحكمها الآن أحزاب إسلاميّة، وهي: إيران، وتركيا، والسودان، والعراق، والمغرب، وتونس، وليبيا. وهي دراسة بيّنت تاريخ الأقليات في المنطقة، وانعكاسات وصول الإسلاميين إلى السلطة أو ممارساتهم، بين الشعارات والواقع، ولم يتناول هذا الكتاب مصر إلا بشكل عرضي، لأنه خصص إصدار شهر أغسطس الماضي 2012، لتناول quot; الأقباط quot; علي اعتبار أنهم الأكثر عددًا بين مسيحيي العالم العربي، فمصر من معاقل المسيحية في العالم.
تشرح دراسات هذا الكتاب الجديد أحوال المسيحية في مصر، والدور الاجتماعي، وتاريخ الهوية، وأزمة المواطنة، والصراعات مع الدولة من جهة، ومع تيارات الإسلام السياسي من ناحية ثانية، ويركز في قسمه الأكبر على quot; الأقباط quot; بعد أحداث الثورة المصرية في 2011، وكيف تفاعلوا معها، وكيف تعاملت معهم تيارات الإسلام السياسي بشقيه؛ الإخوان، والتيار السلفي، كما تناول دور الإعلام في الفتنة الطائفية، لجهة تأجيجها أو إخمادها.
شارك في هذا الكتاب quot;الوثيقةquot; مجموعة متميزة من الأساتذة والدكاترة: علي ليلة وفيفيان فؤاد وأندريه زكي وأشرف عبدالقادر ومحمد يسري ووائل لطفي ويسري العزباوي وسنية البهات وماهر فرغلي وهاني لبيب وكاتب هذه السطور، وأشرف عليه الدكتور محمد حلمي عبدالوهاب الذي انعكست بصماته واضحة في روح الكتاب وتوازنه حيث نجح في تقديم وجهات نظر متعددة ومتباينة جديرة بالاحترام.
لقد أكدت في خاتمة دراستي في هذا الإصدار والمعنونة ب ـquot;مخاوف الأقباط من حقبة الإخوان في مصرquot; أن مشاكل الأقباط المزمنة هي مشاكل الدولة المدنية في مصر التي أسسها محمد علي باشا قبل أكثر من قرنين من الزمان 1805، وقضايا الأقباط هي نفسها قضايا المصريين جميعا: الحريات وحقوق الإنسان وسيادة القانون والمواطنة الديمقراطية في الألفية الثالثة. وهي لا تختلف كثيرا عن مشاكل الجنوبيين في السودان والأشوريين والكلدان والسريان والمارون والأرمن والأكراد والبربر وغيرهم في كل من العراق وتركيا وإيران وسوريا ولبنان والمغرب، حيث بات الشرق الأوسط مهددا نتيجة اختلال طبقاته الجيولوجية الحضارية وهو ما ينذر بكوارث إنسانية قادمة.
نحن أمام سيناريوهات ثلاث محتملة بالنسبة لمشكلة التنوع العرقي والديني والثقافي في هذه المنطقة من العالم، تتمثل في: تغيير الجغرافيا بالتقسيم أو تعديل الحدود، وإما بتغيير البشر بالانصهار القسري أو الإبادة أو الهجرة، وإما تغيير المؤسسات بجعلها أكثر ديمقراطية اعتمادا على فكرة quot; المواطنة quot; الديمقراطية الليبرالية.
لكن يبدو أن التحول الديمقراطي (غير الليبرالي) الذي جاء به (ما سمي) بالربيع العربي أو بالأحري (الإنقلاب الإسلامي) في الشرق الأوسط، سوف يلغي quot; الديمقراطية quot; بسلاح quot; الديمقراطية quot;، مثلما فعل quot; هتلر quot; حين وصل عن طريق الديمقراطية في ألمانيا النازية وquot; موسوليني quot; في إيطاليا الفاشية، وكل فصائل الإسلام السياسي وأطيافه في معظم دول آسيا وأفريقيا.
صعود الإخوان المسلمون إلي الحكم سيحول مصر إلي مسرح للفتن الطائفية، ومن ثم سوف تنطلق الدعوة لحماية الأقباط وهو ما يفتح الباب للتدخل الأجنبي عسكريا بحجة حماية الأقليات، وعندئذ ستنطلق دعوات لتقسيم مصر من أجل إقامة دولة للأقباط وأخري للبدو وثالثة للنوبيين، ولا يستبعد ضياع quot; سيناء quot; كجزء من التقسيم إرضاء لبعض دول الجوار.
فقد أعلن مرشح الإخوان المسلمين للرئاسة: أن عاصمة الخلافة الإسلامية ستكون quot; القدس quot; وليس القاهرة. فالإخوان تنظيم يتفرع عنه تنظيمات بأسماء مختلفة كالتنظيم السري والتنظيم الأممي، وحماس في غزة وquot; القاعدة quot; وأشباهها، هدفها الأول تفكيك quot; الدولة القومية quot; التي لا يعترفون بحدودها. وهذا التفكيك مرحلة تكتيكية ضرورية كبداية لإنشاء quot; الخلافة الإسلامية العالمية quot; علي أنقاض الدول القومية، وأيد quot; أيمن الظواهري quot; زعيم تنظيم القاعدة مرشح الإخوان المسلمين من أجل تحقيق هذا الهدف.
وسيذكر التاريخ دائما للأقباط أنهم حموا الدولة المدنية ودفعوا أثمانا باهظة حتي لا تتفتت مصر أو تذوب هويتها. وبإعتبارهم الكتلة المدنية الأكبر التي لا يمكن أن تغير مواقفها أو خياراتها، وهم النواة الصلبة التي يمكن أن تلتف حولها القوي المدنية الأخري في المنطقة، كالليبراليين واليساريين والمسلمين المعتدلين واللادينيين وغيرهم، ممن عانوا من الفاشية الدينية، حتي لا يسيطر علي الشرق الأوسط فيصل واحد أو جماعة دينية واحدة، وتتوازن مكونات المنطقة الثقافية التاريخية وتمثل فيها كل الاتجاهات والتيارات علي اختلافها تمثيلا مناسبا، والأهم من ذلك حتي لا تغرق في دوامة الصراعات الدموية والحروب الطائفية والدينية التي لن ينجو منها أحد في الشرق أو في الغرب، في الشمال أو الجنوب.
ملحوظة: كتاب الأقباط علي اليوتيوب
أضغط هنا

[email protected]