فتح الهجوم على السفارة الأميركية في تونس أبواب المواجهة بين الحكومة والجماعات المتشددة المنضوية تحت راية السلفيين الذين يعارضون بعنف أحيانا خطط تطوير الديموقراطية في البلد الذي انطلقت منه رياح التغيير في العالم العربي.


جاء الهجوم الذي وقع مؤخراً على مقر السفارة الأميركية في تونس، وما تلاه من حملة اعتقالات تقوم بها السلطات الأمنية ضد هؤلاء الإسلاميين من أصحاب الفكر المتشدد، والذين كان لهم دور في التحريض على الهياج العنيف عند مقر السفارة قبل نحو أسبوع، ليشكل اختباراً هاماً بالنسبة للديمقراطية الوليدة في البلاد عقب الثورة.

متظاهرون في تونس احتجاجاً على عرض فيلم quot;براءة المسلمينquot;

حيث إن مطاردة الرجال المطلوبين في تونس، على خلفية أحداث السفارة الأخيرة، جاءت لتثير- حسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست- تساؤلات بخصوص عزم الحكومة على كبح جماح المسلمين المحافظين ممن يعارضون بصخب، وبعنف أحياناً، خطط تطوير الديموقراطية في البلد الذي انطلقت منه شرارة الربيع العربي.

وتحولت تلك التساؤلات لمعركة واضحة بخصوص عملية الانتقال الديمقراطي في تونس الصغيرة، وجاء الهجوم الذي وقع على السفارة ليزيد الأخطار بصورة دراماتيكية.

كما إن تعامل السلطات- وفقاً للصحيفة- مع تداعيات التظاهرات العنيفة التي اندلعت كرد فعل على تريلر فيلم quot;براءة المسلمينquot; المسيء للإسلام والذي تم نشره على موقع اليوتيوب، يشكل الآن اختباراً حاسماً لبلد أشيد بتحولها بعد الثورة على نحو سلس.

وكانت الحكومة الجديدة في تونس، التي يقودها حزب النهضة الإسلامي المعتدل، قد تعهدت بإظهار توافق لنوعية الإسلام المتسامح في البلاد مع نمط الديموقراطية الغربي. غير أنها تجاهد من أجل إحداث توازن بين مصالح المسلمين الأتقياء الذين يقدسون الحريات الدينية المكتشفة حديثاً وبين التوانسة العلمانيين الذين يخافون من الإسلاميين والولايات المتحدة، التي تزود البلاد بمساعدات أساسية على الصعيد الاقتصادي.

ثم مضت الصحيفة تقول إن كثيرين في تونس أعربوا عن موافقتهم على حقيقة انهيار تلك المعادلة يوم الجمعة الماضي، حين أضرمت مجموعة من الأشخاص النيران في مبنى السفارة ومدرسة أميركية قريبة، ما جعل الولايات المتحدة تقوم بسحب معظم الدبلوماسيين وتحذر المسافرين بأن يبتعدوا عن تونس كوجهة سياسية.

وكما حدث في مصر وليبيا، حيث تحولت التظاهرات المنددة بالتريلر إلى احتجاجات عنيفة، أوضح المسؤولون والمشاركون أن الاحتجاجات التي نشبت في تونس قد اُختُطِفت من جانب المتشددين وتم استغلالها من جانب العناصر المثيرة للعنف والشغب.

قوات الامن انتشرت في محيط السفارة خشية اقتحامها

ولطالما حاول الائتلاف الحاكم في تونس، الذي يضم حزبين علمانيين، جاهداً لتفادي حدوث مواجهات أيديولوجية خلال عملية الانتقال إلى الديموقراطية.

وبينما أدى الهجوم الذي استهدف السفارة إلى مقتل أربعة توانسة وصدور رد فعل غاضب من جانب واشنطن، فقد أدان المسؤولون التونسيون كذلك ما وصفوها بأنها أفعال مجموعة أقلية وتعهدوا بعدم تكرار ذلك الإخفاق في حماية السفارة والمدرسة، وهو ما عزاه البعض لسوء التخطيط والبعض الآخر للانقسامات في قوات الأمن.

وقال هادي بن عباس وهو وكيل بوزارة الدولة التونسية للشؤون الخارجية، محملاً السلفيين مسؤولية العنف الذي وقع عند السفارة quot;كان هناك هاجساً بخصوص الحق في التظاهر والحق في أن تكون بدولة تحترم حقوق المواطنين، أياً كانت هوياتهم وأياً كانت معتقداتهم. ويمكنني القول إن هجوم السفارة كان نهاية اللعبة بالنسبة لناquot;.