دعوتموني لاكتشاف قارة اخرى
معاً. وأنكرتم عليَ رؤية الخريطة.
أوثر ان ابحر في سفينتي البسيطة
فان تلاقينا فسوف نحسن الذكرى

محمود البريكان quot;عن الحريةquot;

هل تتماشى صلاحيات الحاكم مع حريات المواطنين؟
ما زالت بقايا التجربة السياسية السابقة تلعب دورا مباشرا في عراق اليوم، وبخاصة عند كثير ممن تولوا مقاليد الامور والنفوذ الرسمي،حتى انه من المألوف ان نلاحظ رغبة غير مستورة في الاحتفاظ بالانفعال ازاء تجربة الماضي القريب الذي سبق 9/4/2003؛ هذا الانفعال الذي يغذي نزعة الانتقام المتمكن في اعماق الذين يعملون في السياسة، وهم ليسوا سياسيين بالضرورة، ومن الواضح ان استقلال السياسيين quot;النسبيquot; عن الانفعال quot;المطلقquot; غير متوفر بشكل عام، مما يعطل القدرة على بناء تجربة جديدة تأخذ على عاتقها تخليص البلاد من البقايا السلبية بوساطة الاخذ بسياسة حكم لها اهداف عليا ووسائل ملائمة، ومن الممكن القول، ان المحافظة على بقايا الماضي والتركيز عليها في حالتنا يعرقل العمل النزيه ويسمح لان تنحرف التجربة الى مجرد انتقام غريزي يتوالد على نحوٍ هستيري، اذا جاز القول، ويقابله بالتناوب شعور بالعداوة الاجتماعية التي لاتتقبل ان يكون هناك مجتمع جيد التنظيم يساعد على بناء دولة متكاملة بسلطاتها المستقلة.
وفي هذا الجو الانتقالي تنمو صلاحيات السلطة التنفيذية وقد تجهل حدود قوتها وتتجاوزها الى السلطتين التشريعية والقضائية، ومعرفة الحدود كما هو مجرب ليست ذكرى دستورية او عرفية عابرة للعلامات، بل هي رمز قوة السلطة التفيذية وتعهدها للسلطتين الاخريين بان قوتيهما مكتفيتان ومكفولتان والكل يلتئم في الدولة التي من جانبها تاتمر بالدستور، ولا مشاحة في ذلك ما دامت كل مفردات الحكم لها قابلية على الاعتدال لقطع الطريق على الانتكاسات الممكنة كثيرا.
ان معرفة الحدود والالتزام بالمعرفة في حالتنا السياسية الراهنة، هي قوة وبعكسه يكون التطير والحذر وضعف مانسميه دولة وحتى مجتمعا. وتبدو حريّة المواطنين في الجو الحالي وكأنها تثير امتعاض المسؤولين لانهم لا يريدون شيئا يحدّ من صلاحياتهم المتمادية والتي يقارنونها بمستوى حرية المواطنين، وهذا غير ممكن من الناحية العملية، فالمسؤولون عليهم بالاساس الالتزام بالواجبات القانونية (وربما امتاز هذا الالتزام بالمرونة ازاء الحقوق العامة والخاصة) في حين يزداد شعور المواطنين بحقوقهم وهم يرونها مهدورة او مهملة من طرف الواجبات غير المفهومة بالقياس الى وضوح مطاليبهم.
ان لحظة الاختيار، وهي من دون شك حرجة، تقع بين مواجهة الصلاحيات وواجبات التنفيذ من جانب مع الحقوق من الجانب الثاني، حيث يكون على المسؤول الاتصال الحساس بمصيره السياسي : امّا الى الانفراد بالسلطة او الى العمل بمبادئ الديموقراطية مهما تكاثرت الالغاز وتعثرت المرونة بالصلابة الشكلية للصلاحيات وعدم تكييف النصوص للمنطق، فالشعب ليس صفحة ملساء معلقة على جدار زماني ومكاني محايد دائما وعلى طول الخط، واذا اعتقد المسؤول انه يمارس الحكم بناءا على ارادته وحدها فسيحصل التقصير والغربة لا محالة بين صلاحياته وبين المواطنين سواءا كانوا افرادا ام كتلا بشرية وسيقوده فشل وشلل صلاحياته الى العزلة والى ان يطمره العناد بالعبث السقيم الذي لا يختلف عن عقم الديكتاتورية في النهاية. ان الشفافية في المطاليب لا تعالج برذاذ الاجراءات الصوتية بل ان هذه quot;الاجراءاتquot; ستجعل من المخالفات (كالفساد المالي والاداري.. الخ..) حيث تتملص من احكام القضاء: نوعا من الامتيازات التي يستشري اثرها في المجتمع والادارة واخلاق العمل، عدا نتائجها الوجدانية والتربوية والثقافية العامة فالزمان والمكان وسيطان جيدان للحل، بشرط الّا يستمر المسؤول في قول: نعم بلهجة من يقول: لا، والّا يقول: لا بلهجة من يقول: نعم فالسياسة الديموقراطية الحديثة حقل بشري مفتوح وليست ضيعة مغلقة، ايا كانت برتوكولاتها الشكلية، لان من ندعوهم quot;الاخرينquot; اليوم قد يتصدرون الحكم غدا فهل نقبل ان نكون نحن اخرين لا مواطنين؟.

ثمن الانتظار الابدي
هل ستبقى بقايا التجربة السياسية السابقة عقيدة مساوية لاسلوب عمل الحكومات بعد 9/4/2003؟ نضعها في البرامج والقوانين ونوسعها بالتعليمات والمؤسسات والملفات..؟ ونترك ما يعمل على التغلب على الاثار السلبية بشكل غير سلبي وبمحتوى ايجابي؟ ام انها افتعال من افتعالات ما بعد الاحتلال؟
لا بد من التذكير بان التنظيم الديموقراطي يسبق النظام الديموقراطي وبان الحكم العراقي بعد 1958 كان مصبوغا بالتراتب العسكري وبالطبيعة السرية للاحزاب مما يضيف صعوبات الى اي محاولة للاقتراب من الديموقراطية، بله الدخول فيها، والى الان لم تاخذ حداثة التواصل الحديث دورا اجتماعيا عابرا للارث المعرقل.
ان السؤال السابق على كونه سؤالا مشروعا، الا انه لا ينتظر جوابا خالدا بالمترادفات: نعم، وبلى، واجل..، فالموضوع هو: ما العمل، ومن اين نبدأ.. كم خطوة الى الامام.. وكم الى الخلف..؟
لا ريب ان الوضع المحلي متراكب وتعقيده لا تنقصه الفوضى التي لم يتجه اليها بعد تنظيم واضح. يضاف الى هذا وضع اقليمي ديني (طائفي) واقتصادي وسياسي معني بالعراق، ويرتبط كل ذلك بمصالح دولية. وفي الغالب تتحكم بالعاملين في السياسة ردود الفعل تارة والمناورات تارة، وقد يكون التصور الاستراتيجي فضلا عن استراتيجيات العمل شيئا من الخواطر المتواترة التي تنشأ عن المحاججات اللجوجة التي تسمى مجازيا حوارات، ولا باس في ذلك لو كان هناك مراكز بحث وتصنيف تستطيع استخلاص بؤر وفرضيات للحوار الذي لن يكون في نهاية المطاف الا ايصال معنى بين النخب المستقلة التي لا تتنازعها التفاصيل الخداعة.
فالاجوبة على الاسئلة: ما العمل.. الخ.. تتكفل بها مراكز الراي والعمل والراي العام والمفكرون والمبدعون، تصريحا وضمنيا، الا ان كل ذلك يبدا من تعقُّب المشكلات أوّلا وتعقُّب الحلول والمبادرات وحتى لا تكون الحلول والمبادرات، تجريبية فحسب؛ يصار دائما الى قياس المشكلات كميا مع الحلول النوعية، وكلما وجدنا تغيرا في درجات المشكلة وكميتها نلتفت اكثر من مرة الى الحلول ونتعقبها حتى لا تنقلب الى روتين يحتاج الى علاج، فكلما اهملنا ناحية (: تعقب المشكلة وتعقب الحل)، فان مضاعفات التاخير قد تكلف اكثر مما تكلفه المشكلة نفسها، اما الانتظار الابدي.. فهو بدون عائد دنيوي الا اذا اعتبرنا استهلاك الزمن ثمنا نسعى حثيثا نحوه: حيث عار الضحايا وجوع القبور على حد تعبيرمحمود البريكان.