لا ينكر أي محايد أن إيران كانت علي قدر كبير من الحنكة والتمكن (في جنيف) وهي تتقدم بالمفاوضات أمام 6 دول من الوزن الثقيل (أعضاء مجلس الأمن الدائمين وألمانيا)، رغم العداء الغربي، وإسرائيل وغيرها، ورغم أن هذه المفاوضات لم تسفر عن التوصل لأي اتفاق (حتي الآن).

وليس لدي أدني شك في إن الغرب سوف يقبل (عندما تستأنف المفاوضات quot; بدءا quot; من 20 نوفمبر الجاري) : quot; حق إيران quot; في تخصيب اليورانيوم علي أراضيها وامتلاك طاقة نووية quot; سلمية quot; طبقًا لمعاهدة حظر الانتشار النووي، وأن الاختلاف (الذي سيلتهم عشر جولات أو أكثر) سيدور تقريبا حول: تخفيض نسبة التخصيب وتقليص مخزونات اليورانيوم المخصب فضلا عن طاقة المنشآت النووية وتوفير إمكانية مراقبتها
دعك ndash; عزيزي القارئ - من التصريحات الجوفاء لوزير الخارجية الأمريكى quot; جون كيرى quot; التي أطلقها اليوم في برنامج quot; قابل الصحافة quot; على شبكة quot;إن.بي.سيquot; : من إن الولايات المتحدة quot; ليست عمياء، أو من الغباء quot; فيما يتعلق بالمفاوضاتت النووية مع إيران، وإلتزام إدارة أوباما تجاه إسرائيل، وسط توتر العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الحليفين. وأيضا لا تأخذ ألاعيب وزير خارجية فرنسا quot;فابيوسquot; مأخذ الجد، الذي سعي جاهدا ndash; ومايزال ndash; لعرقلتها (بالاتفاق وإبرام الصفقات مع بعض دول الخليج وإسرائيل) حتي لا تصل هذه المفاوضات إلى توافق نهائى
في تصوري إن الولايات المتحدة (لم تعد ترضي أحدا) عازمة بكل قوة على إنجاز quot; الصفقة quot; والاتفاق حول الملف النووي الإيراني، والتقارب مع روسيا وإيران (التي أصبحت على بعد خطوة صغيرة من امتلاك سلاح نووي بالفعل) وسوريا، ولو علي حساب (غضب) الحلفاء التقليديين : السعودية وإسرائيل و(الإمارات).
هل هو quot; العمي الاستراتيجي الأمريكي quot; كما قالت quot; آنا بالاسيو quot; وزيرة خارجية إسبانيا والنائب السابق لرئيس البنك الدولي، التي طرحت سؤالا مهما حول مدى (شرعية التنصت) على المحادثات بين الحلفاء عبر ضفتي الأطلنطي، والمعني الجديد في عهد إدارة الرئيس أوباما لمصطلح (الدولة الحليفة)!.
هل الأزمات الدبلوماسية الأخيرة التي ابتليت بها الولايات المتحدة(في الشرق والغرب علي السواء)، تعكس مشكلة أكثر جوهرية، كما تقول quot; بلاسيو quot; : وهي غياب الرؤية الاستراتيجية العالمية الذي حرم الولايات المتحدة (منذ فترة) من أي نقطة إجماع محتملة يتوحد حولها الديمقراطيون والجمهوريون، كما كان الحال في مرحلة الحرب البادرة مع الاتحاد السوفييتي السابق أو حتي بعد نهايتها في التسعينيات من القرن العشرين وبداية الحروب (العبثية) ضد الإرهاب في أعقاب 11 سبتمبر 2001 ؟
(ربما) يمثل (سعي إدارة أوباما) لإنجاز quot; صفقة quot; مع إيران حول (ملفها النووي) وليس العكس، أول quot; تحول استراتيجي جديد quot; للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط والعالم (لتصحيح) الأخطاء السابقة، وأشير هنا بالتحديد إلي مقال quot; بينيت رامبيرغ quot; اليوم ndash; الخبير في الشئون السياسية والعسكرية وعمل ضمن فريق إدارة الرئيس quot; بوش الإبن quot; - حول (معضلة إيران النووية) والمنشور علي موقع quot; سيندكت بروجكت quot;، يقول : quot; السماح لإيران بالاحتفاظ ببعض القدرة على تخصيب اليورانيوم المنخفض الدرجة سيكون تنازلاً معقولا ــ وسوف يسمح هذا أيضاً لقادة البلاد بحفظ ماء الوجه ــ ولكن شريطة أن يرتبط هذا بإفصاح تام من جانب إيران عن جميع الأنشطة النووية للهيئة الدولية للطاقة الذرية فضلاً عن توقفها المؤكد عن محاولات اكتساب أي قدرة تساهم في التسليح النووي. ونظراً للمخاطر التي ينطوي عليها الأمر، فإن أي اتفاق دولي مع إيران لابد أن يكون مصحوباً بعقوبات مؤكدة علي الغش أو الخداع، بما في ذلك العمل العسكريquot;.
إيران (روحاني) لا تريد أن تسير علي نهج quot; كوريا الشمالية quot; وتضحي بعزلتها الدولية والرخاء الاقتصادي إلي الأبد من أجل اكتساب القدرة النووية كما يقول quot; رامبيرغ quot;، وفي نفس الوقت لا يريد حكامها أن يلقوا مصير quot; القذافي quot; الذي سقط عام 2011 بسبب تخليه عن quot; الرادع النووي quot; عام 2003 وتسليم أسلحة الدمار الشامل، وهنا بالتحديد وجدت الولايات المتحدة (الفرصة سانحة) لإنجاز quot; الصفقة quot; خاصة وأن قادة إيران اليوم أمام quot; اختيار quot; لا يمكن تفاديه أو تأجيله أكثر من ذلك.