بين فرح بالنصر المفترض وخيبة الانكسار المفترضة؟، تبعت إتفاق طهران مع الغرب انطلقت جوقة من التصريحات والتوصيفات التي تميزت بلغة متوترة غاب عنها التفحص الدقيق لحيثيّات الإتفاق وأبعاده وغابت معها الكثير من الأسئلة الحاضرة بقوة المعنى والضرورة، فإلى أي درجة تتمتع إيران بتماسك داخلي يتيح لها إدراج تغييرات سياسية quot;ثوريةquot; في سياق سياستها الراقدة منذ عقود على سخونة شعار محاربة الشيطان الأكبر ؟ وما هي قدرة البني الدستورية والنظامية على تكييف هذا المتغير في أطرها المغلقة؟، وإلى أي درجة تستطيع إيران الكئيبة إدراج كل هذا الفرح بالنصر في سياق المزاج الإيراني المكتئب؟.
لا يكفي لقراءة حدث بمثل هذه الضخامة والأثر الركون إلى السياق التقليدي في التحليل السياسي، وهو السياق الذي استندت إليه معظم التحليلات بمعنى النظر للحدث من الخارج والوقوف عند تفاعلاته في الإطارين الإقليمي والدولي، وهو ما ينتج عنه إغفال الاستحقاقات التي يتوجب على إيران دفعها، ذلك أن طهران ستكون أمام مهمة الاستجابة لمثل هذا المتغير وهذا يتطلب بناء مجالات تستطيع من خلالها تنفيذ السياسات الجديدة، ذلك أن أي تغيير مهم باتجاه التقارب مع الغرب عملية ليست سهلة فهي تتطلب تفكيك الأيديولوجيا السائدة وتتطلب بالمقابل تفكيك كل البنى التي تأسست في ظل ذلك المناخ ولتطبيق مستتبعاته، مقابل السماح أيضاً لتعبيرات جديدة تساعدها على إدراج هذا المتغير في الوعي الجمعي وتكريسه في الواقع السياسي، لا شك أن الاتفاق سيولّد ديناميكية سياسية واجتماعية جديدة في إيران تضع البلاد أمام لحظة انفتاح لن يستطيع النظام التحكم بها ولا بمستتبعاتها.
والحال فإنه مثلما تنازلت إيران للخارج ستضطر للتنازل للداخل وذلك في سبيل إقامة توازن معقول بين سياساتها الداخلية والخارجية، والمعروف أن التنازلات للداخل يبقى تأثيرها أكبر وأخطر على الأنظمة السياسية وخاصة ذات الطبيعة الاستبدادية الثيوقراطية.
أيضاً لابد من الانتباه لظاهرة العولمة الاقتصادية وأثرها في هذا التغيير الإيراني، حيث يدرك سدنة النظام الإيراني أن لا إمكانية لتطوير اقتصاد بلدهم دون الخضوع لمتطلبات الاقتصاد العالمي كالاندماج ضمن مؤسساته والياته وفتح الأسواق أمام منتجاته وما يستتبع ذلك من تغيير في الأنماط الاستهلاكية والحياتية في مجتمع اخترقته هذه الصيغة حتى وهو في ظل الحصار والتعتيم الشديدين.
إستباعا لذلك، أو نتيجة له، فإن الصفقة ستدفع إيران للاندماج بالنظام الإقليمي، اقتصاديا وأمنياً، وهذا سيفرض عليها تعديل سياساتها والتعامل مع القضايا الإقليمية بوصفها طرفا وشريكا وهو غير ما تأسست عليه سياساتها السابقة.
يشابه الواقع الإيراني اليوم الواقع السوفيتي عشية تطبيق الغلاسنوست( إصلاح الهياكل الداخلية والعلاقات الخارجية)، حيث مجتمع فسيفسائي لا زال بعيد عن حالة الاندماج، العلاقات متوترة بين مكوناته، واقتصاده معطل وقوته العسكرية متضخمة وأيديولوجيته فقدت بريقها بعد أن صارت مصدراً للتمييز والاضطهاد ، وفوق ذلك تتميز الحالة الإيرانية بوجود قوى ناشطة وحيوية ولديها خبرة في الاعتراض السياسي سواء من داخل النظام أو من خارجه ولم تزل ذاكرة الثورة الخضراء طرية في وجدانها.
إيران على سكة التغيير، ويكفي أنها تنجز تفاهمها مع الغرب في وقت بدأت تلوح في أفق البلاد quot; انتفاضة الجياع والمحرومينquot; بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يحرمها هوامش المناورة والخيارات المفتوحة يضاف لذلك إقامتها في موقع الاتهام إقليمياً ودولياً نظراً لسلوكها السياسي السابق وهو الأمر الذي سيكلفها الكثير حتى تثبت عكسه، ثم من قال أن النظم والكيانات السياسية تستطيع الخروج سالمة بعد أن تلفحها نار المتغيرات؟، ألم يصف البرلمان الإيراني الاتفاق بمثابة تجريع السم لإيران؟.