حسنا فعل فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب حين استنكر الأحداث المأساوية التي وقعت بمدينة quot;الخصوصquot; شمال القاهرة وأودت بحياة بعض الأبرياء، قال: quot;إنّ حماية النسيج الوطنى الواحد من الفتن الطائفية والدعوات العنصرية ودعوى الجاهلية واجب دينى ووطنى، وأنّ دماء المصريين جميعًا معصومة، وأغلى من أن تراقquot;، وهو موقف وطني شريف للمسلم الوسطي المعتدل والعالم المحترم، لم يصدر عن القائمين علي حكم البلاد ربما لأن الأقباط ليسوا من أهل أو عشيرة الرئيس وجماعته!
الدفاع عن قدسية حياة الإنسان أيا كان دينه أو حتي لا ينتمي إلي أي دين ليس quot;طائفيةquot;، وإنما الصمت البارد عما يحدث للأقباط وغيرهم من المصريين من قتل وانتهاك للمحرمات والممتلكات (لمجرد انهم ينتمون لدين آخر أو فكر آخر) هو quot;جريمة عنصريةquot; بكل المقاييس.
اللافت للنظر أن (بدايات) كل حدث طائفي في ربوع مصر (غير طائفية) علي الاطلاق، لكن التصعيد بعد دقائق معدودة يصبح طائفيا حيث تفتح ميكرفونات المساجد للتحريض ضد النصاري الكفرة، ثم تأتي جحافل المتأسلمين من خارج مناطق الأحداث لنصرة إخوانهم، ويبدأ مسلسل قتل الأقباط وإحراق الكنائس والسلب والنهب لممتلكات.
يوما بعد يوم تثبت الأحداث الطائفية المتعمدة ضد الأقباط أنهم (ليسوا أقلية)، وحسبة بسيطة لنتائج هذه الحوادث وآثارها - وآخرها quot;غزوة الخصوصquot; ndash; تشير بوضوح إلي أن الأقباط (أكثرية) في عدد القتلي والجرحي والكنائس المحترقة وخطف القاصرات ونهب الممتلكات وحتي حضانات الأطفال! .. إنهم الأغلبية في quot; الهم quot; والحزن المصري بإمتياز.
كيف تنقلب معظم الحوادث الفردية بقدرة قادر إلي حوادث جماعية طائفية؟ .. كيف يتم توظيف واستغلال البعض لحالة الاحتقان والشحن الطائفي مما يؤدي إلي اشعال حريق كبير في ثوان؟ .. إن التواجد الأمني الضعيف وغض الطرف من قبل المسئولين والشحن الطائفي المستمر مع غياب تام لدولة القانون والاكتفاء بجلسات الصلح العرفية التي تساوي بين القاتل والقتيل والظالم والمظلوم، هي ndash; في تصوري - ضوء أخضر واشارة بدء لتكرار واجترار نفس الأحداث مجددا، أو قل إنها حيلة شيطانية ابتكرها أمن الدولة قبل 25 يناير 2011 لتغييب دولة القانون عن عمد، وينفذها الإخوان بالحرف والنقطة والفاصلة!
مدينة quot;الخصوصquot; تتميز بأنها أكبر تجمع للأقباط الميسورين من فئة كبار التجار والرأسماليين (الغرض تفتيت هذه الكتلة)، حيث تبدو الانتخابات البرلمانية القادمة في خلفية المشهد خاصة مع الاعتداء علي ممتلكات النائب القبطي في مجلس الشعب السابق عن الخصوص، فضلا عن ترسيخ قناعة مسمومة في داخل كل قبطي وهي: أن مصر لم تعد بلدهم .. وهي الغاية النهائية مما يحدث وسوف يحدث لجرائم (القتل علي الهوية الدينية)، بالتزامن مع تسريب خبر ملغوم ndash; قبل أيام ndash; عن فتح إسرائيل باب اللجوء السياسي ndash; الديني للأقباط فقط!
التحول الجديد والخطير في القضية القبطية هو أنها أخذت (بعدا إقليميا) مع صعود الإسلاميين للحكم في مصر، حيث أصبحت حماس وليبيا وإسرائيل وإيران حاضرة بشكل مباشر أو ضمني في معظم غزوات الجهاديين والسلفيين علي الأقباط. المتابع لمعظم حوادث قتل الأقباط خلال العامين الماضيين أنها ليست عفوية بل تمت بواسطة quot; قناصة quot; محترفين تصوب الرصاص في مقتل ( منطقة الرأس والصدر) وهو نفس (الرصاص) المستخدم في أحداث إمبابة والمقطم وماسبيرو، فيما عرف بالطرف الثالث أو المجهول.
هذا من جهة، من جهة أخري أصبح الأقباط المجال الأمثل (والأنسب) لتصفية الحسابات وتفريغ شحنات الغضب بين الإخوان المسلمين والسلفيين، التي تفاقمت في الفترة الأخيرة، بعد إعلان موقف الجماعة من إيران (والسياحة الدينية للإيرانيين في مساجد مصر) التي وصلت إلي حد تهديد الإخوان بإستخدام العنف من قبل السلفيين والجهاديين.
محاولة استرضاء السلفيين علي حساب استقرار الوطن ووحدة نسيجه، ومجاملة أمراء الجماعات الإسلامية المتطرفة المفرج عنهم من السجون حديثا لإشعال الفتن والانتقام من الأقباط واستخدام دور العبادة والفضائيات لتأجيج الشحن الطائفي هو الفخ الذي تم استدراج الإسلاميين إليه (لو علموا)، ومن يقرأ عناوين الصحف ووكلات الأنباء الغربية ndash; ولن أقول دوائر صنع القرار في الغرب - سوف يتأكد من أن العالم المتحضراليوم لا يعترف إلا بالحكم الرشيد وحقوق الأقليات وسائر الحريات، وأن الإسلاميين أهدروا بأيديهم ndash; ودون أن يتآمر عليهم أحد - أكبر فرصة أتيحت لهم، وأن الحساب بات وشيكا!
عصام عبدالله