لافت للانتباه التقرير الصحفي حول مفهوم الحركة الإسلامية في الأردن باعتباره اسما ومفهوما واطارا سياسيا اوسع بكثير من احتكار جماعة (الإخوان المسلمين) وحدها له!. والتقرير الذي نشرته صحيفة (الرأي) الأردنية الحكومية يتزامن مع انشطارات تشهدها الجماعة التي تتسيّد موقف المعارضة في المملكة الهاشمية منذ سنوات، بعد أن كانت (الطفل المدلل) للحكم لعقود مضت بل كانت quot;مخلبهquot; ضد الحركات والأحزاب السياسية اليسارية والقومية، حتى أنه أطلق عليهم في أحدى المراحل اسم (الجيش الأبيض).

ولعل أهم انشطار تشهده جماعة الإخوان المسلمين هو بروزجماعة quot;مبادرة زمزمquot; التي عقدت إلى الآن عشرات الاجتماعات لتدشين التجربة الأكثر واقعية ndash; حسب مؤسسيها ndash; لإحداث التوازن في إطار الحياة الحزبية وإنهاء احتكار جماعة الإخوان للمشهد الحزبي على صعيد إسلامي والعمل بنهج التشاركية والانجاز وليس الاقصاء او الغاء الآخر حتى في التعامل مع جماعة الاخوان نفسها.
يذكر أن جماعة الإخوان اقتحمت العمل الحزبي منذ العام 1989 في الأردن من خلال ذراعها السياسي (حزب جبهة العمل الإسلامي) وهي حققت في الانتخابات البرلمانية ذلك العام مقاعد غير متوقعة وغير مسبوقة quot;23 من أصل 60 مقعداquot; ولكن مشاركة الجماعة في الانتخابات التالية كانت تترواح بين المقاطعة التامة أو المواربة.
وفي معارك الانتخابات الثلاث الأخيرة، قاطعتها الجماعة لتتصدر تزامنا مع هبات الربيع العربي وانتصار الاسلاميين في تونس ومصر والمغرب المشهد لمواجهة اية اصلاحات سياسية في المملكة لا تحقق لها الانتصار الكاسح في الانتخابات البرلمانية، وكان مرتكز مقاطعة الجماعة للانتخابات هي انها تجري على قاعدة quot;الصوت الواحدquot; وحتى انتخابات فبراير/ شباط 2013 تمت مقاطعتها رغم منح 30 مقعدا للقائمة الوطنية (الأحزاب السياسية).
مقاطعة الإخوان الانتخابات البرلمانية فتحت المجال واسعاً لحزب الوسط الإسلامي الذي يقال إنه quot;صنيعةquot; جهاز المخابرات لينتزع أربعة مقاعد في مجلس النواب السابع عشر، حتى أن طموح هؤلاء الأربعة أعضاء وصل إلى حد المطالبة بتشكيل الحكومة quot;البرلمانيةquot; الجديدة التي تم طي ملفها بتكليف عبدالله النسور من خارج البرلمان بتشكيل الحكومة الجديدة التي لم ولن تضم اي عضو من مجلس النواب الى حين من الزمن.
ومع بروز هذا الحزب الوسطي هناك أيضاً حزب التحرير الإسلامي وهو من أقدم الإحزاب الأردنية لكن تم حظره لعقود ومطاردة قادته وتشتيتهم منذ خمسينيات القرن الفائت، ومع تركيز الضوء على جماعة quot;مبادرة زمزمquot; فإن جماعة الإخوان المسلمين تجد نفسها محاصرة في التخلي عن حصر تمثيل الحركة الإسلامية بنفسها فقط.
يذكر أن المبادرة التي باتت تعرف بـ (وثيقة زمزم) كانت حملت هذا الاسم بعد أول اجتماع لها في فندق (زمزم) الصغير في عمّان رغم الايحاءات الدينية للإسم، في شهر فبراير/ تشرين الثاني 2012 يمشاركة 70 شخصية إخوانية ومستقلين.
ومع تعرض جماعة الاخوان المسلمين في الاردن وبلدان عربية أخرى لانتقادات واسعة بسبب صياغة خطابها السياسي استنادا للخطوط العريضة للتنظيم العالمي للاخوان المسلمين، فإن quot;وثيقة زمزمquot; اكدت في بيان تلا اجتماعها التأسيسي الأخير في العاصمة الاردنية عمان انها quot;تتبنى مسار التوفيق بين الإسلام والخط الوطني وإزالة التناقض بين العروبة والإسلام، وبين الإسلام والإنتماء القومي الأصيلquot;.
وكان القيادي السابق في جماعة الاخوان المسلمين في الاردن ارحيل الغرايبة، الذي استقال من عضوية حزب جبهة العمل الاسلامي وهو الذراع السياسية للجماعة ، قال ان المبادرة ستركز على الشأن الداخلي بدلا من الارتباط بأية جهة خارجية.
وأكد المشاركون اعتماد quot;مفهوم الإسلام الواسع، الذي يشكل الهوية الحضارية الجامعة لكل مكونات المجتمعquot;، وأوصى المجتمعون بإيصال رسائل طمأنة لكل الأطراف السياسية والاجتماعية، من أجل بناء الدولة المدنية الحديثة، ذات المرجعية القيمية الإسلاميةquot;.
وحيث تقول quot;وثيقة زمزمquot; انها ليست حركة انشقاق عن جماعة الإخوان بل مشروع تيار وطني عريض وجامع ومع تأييد شخصيات من داخل الاخوان للوثيقة، فإن المكتب التنفيذي للجماعة اصدر في وقت سابق تعميما داخليا يمنع جميع كوادر الجماعة من التعاطي مع مبادرة زمزم.
كما ترفض الجماعة quot;المبادرةquot; باعتبارها خروجا على طريقة العمل التنظيمي وتمثل سابقة في تاريخ الاخوان المسلمين في الاردن، لكن تصريحات القيادات الاخوانية لا تزال تلتزم الحذر تجاه المبادرة التي يأمل القائمون عليها بأن تصبح التيار الاقوى على الساحة السياسية الأردنية، بحسب تصريحات ادلى بها محمد المجالي، القيادي في المبادرة في فبراير/ شباط الماضي.
الاتهامات كثيرة لجماعة الإخوان، فها هو القيادي الإسلامي البارز وعضو مجلس الأعيان الدكتور بسام العموش يهاجم احتكار الجماعة التي كان انشق عنها قبل سنوات، لاسم الحركة الاسلامية، فهو يقول إن مصطلح الحركة الإسلامية يستخدمه الإخوان المسلمون في الأردن للدلالة على تنظيمهم وجماعتهم وحزبهم، لكن العلمية تأبى ذلك فالحركة الإسلامية لفظ يشمل كل من يعمل للإسلام ويدعو إليه لكن الحركات الأخرى لا تستخدمه للدلالة على نفسها بل تستخدم إسمها الذي تعرف به .
طبيعي ومع هذه الانشطارات في جماعة الإخوان المسلمين مع عدم الخوض في بيان الأسباب وهي أكثر من أن تعد أو تحصى، فإن مجمل الحركة الإسلامية في الأردن في الطريق إلى الانهيار الكامل سيما لو عرفنا أن أمام مبادرة زمزم شوطا طويلا من العمل لاستعادة ثقة الشارع بالعمل الحزبي الإسلامي ككل في الساحة الأردنية.
كما لا ننسى أن هناك حركات إسلامية أخرى تعمل بنشاط في الساحة تحت مسميات كثيرة ممثلة بالسلفيين المعتدلين منهم والمتشددين وquot;جماعة السلطةquot; فضلا عن أو جماعة الدعوة والتبليغ وجماعات أخرى ممثلة بالصوفية بمختلف مسمياتها.
ولذلك، فإنه بات من غير المعقول احتكار جماعة الإخوان لتمثيل الإسلام السياسي في اطار حركي واسع، وإذا ما عرفنا أن بقية التنظيمات الإسلامية عرضة للتهميش أو الاختراق، فإنه ممكن القول ان مشروع quot;الحركة الإسلاميةquot; السياسي ككل يواجه معضلات شتى من داخلها قبل ان تكون الأسباب خارجية أو بفعل استخباري أو مخابراتي.
كما أنه من غير المعقول توقع أن تعيد هذه الحركة تقويم تفسها وتلملم شتاتها، ما دامت جماعة الإخوان المسلمين تعتبر نفسها هي الركن الشرعي والعم الكبير للجميع، في الوقت الذي لم تحاول فيه هذه الجماعة وخصوصا في ظل تمركز القيادة بأيدي الصقور المتشددين ان تتقدم إلى الأمام بمبادرة مرنة وتلاقي الجميع عند منتصف الطريق، هذا مع عدم نسيان ارتباطها الوثيق بالتنظيم الدولي للإخوان الذي يبدو أنه أضر كثيراً يـ quot;إخوان الأردنquot; من حيث لا يدركون أو يعلمون رغم كل مبرراتهم المرفوضة لمثل هذا الارتباط الذي يثير حفيظة الأردنيين والحكم سواء بسواء.