حتى الآن، لم تنجح أي من الثورات التي شهدتها بلاد الربيع العربي في تحقيق الحد الأدنى من الآمال التي راودت من خرجوا إلى الميادين كي يطيحوا بأنظمة شاخت، وزكمت رائحة فسادها الأنوف. وبعد ما يزيد عن العامين، باتت الأنظمة الجديدة التي جاءت كي تصلح ما فسد، موضع شكوك عميقة، للدرجة التي انطلقت الدعوات عالية للثورة عليها، والعمل على الإطاحة بها.
الحالة المصرية على سبيل المثال، تشير إلى هذا، بعد أن قامت حركة شبابية بجمع نحو 15 مليونا من التوقيعات تدعو لخلع رئيس البلاد عن الحكم، وبعد أن تم تحديد نهاية الشهر الحالي موعدا لتظاهرات شعبية يكون الهدف منها الاطاحة ليس بالرئيس فقط، بل وابعاد جماعته تماما عن الحكم.
وأيا كانت النتيجة التي ستشهدها مصر بعد التظاهرات، فإن المؤكد ان الشرخ قد اتسع، بين الجماعة الحاكمة والشارع المصري، وبات عصي على أي محاولة لرتقه، وانه حتى لو أن ذلك اليوم قد مر دون أن يسفر عن نتيجة حاسمة، فإن الغضب وخيبة الأمل ستظل كامنة، مثلما سيمهد الغليان التربة لكافة الاحتمالات.
المشكلة التي تصر الجماعة على تجاهلها، هي أنها منذ أن وصلت الى سدة الحكم في مصر، قد خيبت آمال المصريين، لا نتحدث هنا عن الوعود التي أطلقت ثم تبين أنها لم تكن في واقع الأمر، غير مجرد كلمات تتدغدغ المشاعر، وتعد بالمن والسلوى، ثم بعد أن يتم اغلاق الشفاه، تتبخر في الهواء كأنها لم تكن، ولا عن احاديث متناقضة يتم المسارعة إلى تكذيبها بعد ذلك، ولا عن اللغة المتعالية التي ظهرت من المحسوبين على السلطة من رموز الجماعة، ولا الحديث أيضا عن حكاية النهضة التي باتت مصدرا لا ينضب للنكات المصرية. بل عن هذا الأداء الأقل من المتواضع الذي ظهرت عليه الجماعة، في التعامل مع كل الملفات، إلى جانب ذلك كان السعي الجامح للسيطرة على مفاصل الدولة، واقصاء كل الكفاءات التي لا تدين بالولاء للجماعة، واحلال مجموعة من الاقارب وعديمي الخبرة مكانهم، والمبرر السقيم الذي يتم طرحه، هو الرغبة في ابعاد فلول النظام السابق، وكأن كل تلك الكفاءات غير الاخوانية التي في مصر، ليست سوى فلول.
إلى جانب كل ذلك، يأتي وهن الخطاب الاخواني في الرد على اتهامات بالغة الخطورة، حول ما تردد بشأن سيناء وحلايب وقناة السويس، فهل هذا الضعف يمكن أن يحفظ الحكم من الغضب؟ وهل يمكن أن لا يستفز الشعب ذلك الشعور بالاهانة مع كل زيارة رسمية أو مشاركة في مؤتمر؟
في واقع الامر، فان أي نظرة إلى الأمور منذ وصول تلك الجماعة إلى حكم مصر، سوف تؤكد على حقائق بات الجميع يدركونها، من بينها ان الشارع الذي كان متعاطفا معها وقت أن كانت تجأر بالشكوي مما تصفه بالاضطهاد في عدد من العقود السابقة، هذا التعاطف قد تهاوى تماما، وبسرعة قياسية، ففي خلال سنة واحدة من الإمساك بمفاصل الدولة، ظهر مدى الهزال في إدارة البلاد، وبات الاخوان يخسرون في كل موقف تقريبا، فإن تكلم أحد من رموزهم، تكون النتيجة فادحة،
والان لن تكون الخسارة في مصر وحدها، فربما يمتد تأثير ذلك في بقاع عدة ولعل ما حدث في تونس وليبيا ومن قبله النتائج التي أسفرت عنها حكم شبيه في السودان من تفتيت لكيان الدولة، ثم ما يحدث حاليا في تركيا على مدي أيام، يشير الى ان شمس موجة الحكم التي تسوق لتيار على أنه الوحيد الذي يملك تفويضا باسم الدين، قد آلت فعلا الى الغروب، بعد أن تحولت الاحلام وارتفاع سقف التوقعات الى كوارث حقيقية. وبعد أن بات مطلع كل يوم يشهد مزيدا من الازمات والمشاكل.
ان أسوأ الأمور، أن تعد الناس بما لست قادرا على تحقيقه، أن ترفع سقف الأمنيات عاليا، ثم تهوي بأحلامهم نحو صخرة.. لكن الأكثر سوءا أن ترتدي عباءة التقوى، أمام شعب متدين بالفطرة، ليكتشف في النهاية أنه لم يكن سوى ضحية، مجرد جسر للوصول إلى السلطة، لا أكثر ولا أقل.
لهذا، لم يكن أحدا يتوقع أن يكون الانهيار بمثل تلك السرعة.. لكن ذلك ما حدث، وهو الأمر الذي لا يدفع بالدهشة فقط .. بقدر ما يثير الرثاء.
[email protected]