عندما قرأت ما كتبه الأستاذ محمد صالح المسفر في تدوينته الأخيرة أنكرت أن يكون هذا الأستاذ الذي نجله ونحترمه قد كتب هذه الأفكار الغريبة وهو الشخص الذي قضى جل حياته مدافعا عن القضايا العربية.
أن يكتب الأستاذ المسفر عن شعب عربي شقيق بأنه شعب لا أصل له وأنه تجمع لقطاع الطرق والمجرمين أمر إلى جانب مجانبته للحقائق التاريخية والعلمية فهو سقوط أخلاقي لم نكن نود أن توصم به شخصة عربية في حجم الأستاذ المسفر.
إنّني لا أريد الرّدّ على هذه المناكفات الشعبوية الرخيصة التي تشبه إلى حد كبير أشعار المدح بالدنانير أو القدح لقلة العطاء في غابر التاريخ. كما لا أريد أن ألقي محاضرة في التاريخ حتى أعلم الأستاذ المسفر بأن سيبتيموس سيفروس الإمبراطور العظيم لروما لم يكن رومانيا و إنما كان ليبيا عن أم وأب ليبيين، وأن الشعب التونسي الكريم الذي خصه بالحضارة الفينيقية لم يدع في يوم من الأيام أنه احتكر ميراث الفينيقيين بل يعلم أن المدن الليبية الثلاث، وهي طرابلس وصبراتة ولبدة الليبية، كانت جواهر في تاج تلك الحضارة العريقة. كما أريد أن أذكره بأن الشعب الليبي قدم نصف سكانه شهداء على مذبح الحرية في النصف الأول من القرن الماضي إبان الغزو الإيطالي. كل ما وددت أن أقوله للدكتور المسفر أن الكراهية التي يشعر بها الليبيون تجاه الدولة القطرية نابعة من المرارة التي خلفها تدخلها العابث والمدمر لهذه الدولة في شؤونها الداخلية، وأن ماتعانيه ليبيا اليوم من انفلات أمني وفوضى سلاح كان سببه الرئيسي هيمنة الدولة القطرية على قرارات قادة ثورتها السذج الذين ائتمروا بأوامر قطر، عندما عارضت انشاء الجيش والشرطة في برقة المحررة آنذاك، وتركت ليبيا بعد التحرير بدون أي قوة قادرة على انشاء الدولة الجديدة اعتقادا من قطر بأن الجيش والأمن قد يمنعان الحزب الموالي لهم من الهيمنة على البلاد. ومن هنا يمكن أن نقرأ الشفيرة السرية في اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس بواسطة عملائهم وكيف وزع السلاح الذي أدخلوه إلى ليبيا على عملائهم وعشيرتهم الأيديولوجية.
أما قول المسفر بأن الليبين لم يحاربوا وأن من حارب القذافي هي دولة قطر والناتو فهذا أمر يتنافى مع الواقع ولغة الأرقام، فعدد شهداء ثورة ليبيا من الليبين يربو على عشرة آلاف شهيد. أما الجرحى والمعوقون فيزيدون عن خمسة وعشرين ألفا .
أما قوله إن الليبين كانوا جواسيس للناتو وأنهم كانو يتقاطرون على قطر طلبا للمال فإن المناضلين عندما كانوا يتعاونون مع الناتو من أجل اسقاط النظام فعلوا ذلك كشركاء في الحرب وهم من استخدم الناتو وقطر لتحقيق مآربهم الوطنية. أما من ذهبوا إلى قطر من أجل العطايا ولازالوا يفعلون فأتمنى أن يقنع الأستاذ المسفر دولة قطر أن تنشر أسماءهم ولكنها لن تفعل لأنها لا ترضى بنشر أسماء عملائها. وأما قوله بأن الشعب الليبي ينحدر من أصول مختلفة مما يقف حائلا على أن يكون متجانسا فهو يدل على نظرة شوفينية للأستاذ المسفر تمثل الفلسفة العنصريّة النازية في أوضح صورها. فهو لازال يعتقد في نقاء الأصول العرقية للشعوب، وهذه النظرية قد وضعت في أرفف متاحف تاريخ الأفكار ومنذ زمن بعيد، حتى خيل إلي أنني أكتب ردا على مثقف عنصري قد مات منذ قرون، وأودّ أن أذكره بأن الولايات المتحدة الأمريكية وكندا واستراليا ونيوزلاندا وهي من أعظم أمم العالم اليوم ليست سوى خليط من الأعراق حديثي التجانس وليسوا مثل الشعب الليبي الذي تمازجت فيه هذه الأجناس التي ذكرها منذ مئات السنين. بل إننا يا أستاذ المسفر نعتبر أن هذا الاختلاف العرقي والإثني الذي ذكرته هو إغناء لشعبنا وليس نقيصة تعيرنا بها .
لقد نبهت أنا شخصيا دولة قطر منذ أكثر من سنة ونصف بخطاب مفتوح لأميرها بهذا الذي يحدث اليوم ورجوته بعدم التدخل في الشأن الليبي حتى لا ينقلب الحب إلى كراهية. وكان رده علي بخطاب إذاعي من خلال قناة الجزيرة التي أتت بشخص من أولئك الذين قلت عنهم يا أستاذ المسفر بأنهم يتهافتون عليكم طلبا للعطايا. شتمني هذا الشخص وقال إنّني عميل لدولة بريطانيا وأشبعني أنا وعبد الرحمان شلقم ومحمود جبريل شتائم على مدى خمس وأربعين دقيقة.
الغريب والعجيب أنه بعد هجومك يا أستاذ المسفر على الشعب الليبي خرج علينا مفتي الديار الليبية وقال عنا إننا أقل منزلة من الكلاب لأننا عارضنا ممارسات دولة قطر في ليبيا.
لهذا السبب أقول إن من حقّ المسفر أن يصف بعض الليبين وليس الليبين كلهم بالعملاء والجواسيس والمتهافتين على المال القطري، وعلى رأسهم الشيخ الغرياني، ومن نكد الدنيا أن يرى الليبيون مفتي ديارهم يعين من الباب العالي في الدوحة ليعمل تخريبا في وطنهم ويشيع البغض والكراهية بينهم ويشبعم بالسباب واللعنات .
إن الرد على دولة قطر و مفكرها السيد المسفر يجب أن يكون من كافة الشعب الليبي ليس بإحراق خطوطهم الجوية أو استعمال العنف ضد المواطنين القطريين وإنما بتقبل التحدي وذلك بالطلب العاجل للأمم المتحدة بمساعدتهم في إنشاء الدولة الليبية وإرساء مؤسساتها حتى يسود الأمن والأمان ويتمّ تدشين التنمية المستدامة وتزدهر البلاد في ظل دولة العدالة والحرية والمساواة. بهذا فقط يستطيع الشعب الليبي أن يرد على الإهانات والشتائم والنظرة الدونية .
كلمة أخيرة أقولها للأستاذ المسفر : إنني قد أختلف معك في بعض آرائك أو أتّفق، لكنّني حزين لرؤية اسمك اللامع ممرغا في وحل العنصرية والشوفينية المقيتة. وهذه مأساة النخب العربية التي تدعي الحداثة وهي تبشر بالقدامة في أحلك صورها.