&كل ماض للإنسان هو جزء من حياته وخبرته سواء كان يخصه أو يخص غيره، فمن الماضى نتعلم لحاضرنا ومستقبلنا، نتعلم أخطاءنا وأخطاء غيرنا، ونتعلم محاسننا ونؤكد عليها، نسترجع ما فات لنتعلم لما نعيشه ولما هو قادم، ولكن حين تتوقف أمة عند ماضيها ولا تريد أن تتزحزح فهذه أمة فى مأزق جد خطير لأنها أمة لن تتطور وتفتح اّفاقا جديدة للمستقبل.

ودعنى أطبق هذا الأمر على مصر المحروسة بكل طوائفها السياسية والدينية والإقتصادية والفنية والإعلامية وغيرها من مناحى الحياة.. لماذا نحن أمة مأزومة بنفسها بعيدا حتى عن أى تأثيرات خارجية، ذلك أننا أمة تأكل خلاياها النوستالجيا أو الحنين الى الماضى، فأزمة خطابنا الدينى ونخبته ترجع الى الحنين الى الماضى دون تمحيص أو محاولة لنقده أو حتى مسايرته لمتطلبات الحياة الحالية، مما يحول الفتاوى والحديث باسم الدين فى عيون وعقول الأغلبية الى حالة تخلف فهل فتاوى إرضاع الكبير وما على شاكلتها إلا نموذج لنوستالجيا فاسدة فى عقول أصحابها تتمنى أن تعود بنا وبالبشرية الى زمن الناقة والخيمة التى كان يحلم أصحابها بالطائرة والسيارة.

وهنا أنا لا أتحدث عن صلب الدين والعقيدة ولكنى أتحدث عن هؤلاء الذين يرون فى زمن الخلافة أعظم حياة دون أن يحددوا لنا أى زمن للخلافة يقصدونه، فالصديق والفاروق كانا خليفتين ويزيد بن معاوية كان خليفة أيضا، إذن فحلم العودة لزمن الخلافة يجتنبه كثير من اللخبطة ونوستالجيا غير مدركة.

إن متابعة المشهد العام الذى يسيطر عليه محدودو الفكر والكفاءة منذ سنوات ومازالوا،، تشير الى جزء كبير من أزمتنا لأنهم لا يسمحوا لأحد ذى موهبة ولو أكثر قليلا بتخطيهم، وهؤلاء هم من يجرونا من ماض الى ماض أبعد، ومن نوستالجيا فاشلة الى نوستالجيا أكبر فشلا، وفى مجال أمور الدين كما أشرت مثال حى ولكن فى السياسة أيضا نحن محكومون بالنوستالجيا، فهؤلاء الذين يتصدرون المشهد السياسى راحوا بشكل متعمد وحثيث لكى يسوقوا للشعب السيسى رئيسا باعتباره جمال عبد الناصر الألفية الجديدة، وراح عموم الناس وراءهم فى الطريق بل كان الخلاف بين مؤيدى السيسى ومؤيدى حمدين منافسه الوحيد هو حول من هو أقرب فيهما الى عبد الناصر وتم تسويق صور للسيسى صغيرا يصافح ناصر، أما حمدين فحدث ولا حرج، وكان من بين مراحل المعركة غير المتكافئة لمن ستنحاز ما تبقى من أسرة ناصر! وتم تسويق هذه الصورة عن السيسى بقصد ودون قصد، بدون قصد كنوع من الهروب من لحظة حالية مأزومة لماض نتصور أننا كنا نرفع فيه رأسنا، أما عن القصد فذلك لأن الناصريين وأتباعهم وكل حالم بالسلطة راّها لحظة مواتية لكى يحتل مكانا فى السلطة الجديدة او وسيلة ليؤكد أن يكون القادم ليجلس على كرسى الحكم مرتبطا بشكل ما بهذا الحالم بمكان فى القصر فكان ترويج نوستالجيا ناصر هو السبيل.. وتماما كما فعل الإخوان فالناصريون أو من يسيرون على نهجهم سواء إيمانا أو تسليك حال الان هم الذين يحاولون الإمساك بتلابيب البلاد فى كل شأن، فكأننا تخلصنا من فصيل يرى فى نفسه التميز وأنهم وحدهم مبشرون بالجنة لفصيل اخر، رغم أن بلادنا وأزمتها لا تحتاج فصائل بقدر ما تحتاج كفاءات بغض النظر عن توجهها.

ناصر كان نتاج عصره كما كانت الخلافة نتاج عصرها ولكل منهم خطايا فى تجربته فهم بشر ونحن وكل معطيات عصرنا وظروفنا لا يمكن أن ننتج ناصر اّخر ولا نريد خلفاء اّخرين نحن فقط بحاجة لكفاءات تلائم عصرنا وهمنا.

النوستالجيا لدى البعض تدفعنا دفعا للوراء، فهل اسم مثل الجنزورى فى الإقتصاد مع كامل احترامى له ممكن أن نطرحه الان للبحث فى مشاكلنا الإقتصادية إلا من باب النوستالجيا الفاسدة..

وحتى الأجيال الجديدة التى من المفترض أنها تكون منفتحة على القادم غير مجرورة لماض يجرونها جرا وتندفع دفعا للنوستالجيا فى غير موضعها فصور جيفارا موضة لأنهم سوقوه ثوريا ولم يسألوا أنفسهم أن جيفارا لم يحكم، وبالتالى فهو ثورة بلا حكم أى تجربة غير مكتملة، ولكنها النوستالجيا التى تضم فى طابورها نخب المراحل الإنتقالية والجديدة هى التى تدفع الأغلبية للماضى دون تمحيص أو نقد ولكن بجهالة مفرطة أو شر مقيم.

لكى نتخلص من جزء من أزمتنا لابد أولا أن ننقى عقولنا من سلفية التفكير السياسى والدينى والفنى حتى نستطيع التقدم بخفة للأمام دون أن تكبلنا اّفه حارتنا.. النوستالجيا..&

&