من مفكرة سفير عربي في اليابان
&

مع بدء عطلة عيد الميلاد والسنة الجديدة خرجت للتسوق في شارع "جنزا"، وهو من أشهر وأجمل الشوارع التجارية في العاصمة اليابانية طوكيو. وقد لفت نظري بناية شاهقة جميلة في وسط هذا الشارع، وهي بناية ال "يوني كلو"، بناية لأحد الفروع التجارية لمؤسسة بيع الملابس الانيقة، وبتكنولوجية متطورة، وباسعار رخيصة. والجدير بالذكر بانه قد استفادت هذه الشركة اليابانية من خبرة شركة ملابس "جاب"، فتطورت تجارتها في مجال تصميم، وصنع، وبيع الملابس الرخيصة السعر، والجيدة النوعية، وذات التكنولوجية العالية لفصول السنة المختلفة، وفي معظم انحاء العالم. وهذه هي الفلسفة التي يتبعها رجال الصناعة والتجارة في اليابان، بتوفير جميع وسائل الراحة الحياتية، للطبقة المتوسطة في المجتمع، وبأرخص الأثمان. وفي الواقع حينما تتمشى في هذا الشارع تجد كل من فيه يبدو من الطبقة المتوسطة، فالكل يلبس نفس المستوى، ويتصرف بنفس السلوك، والخلق، والادب، ليبرز أمامك واقع الطبقة اليابانية المتوسطة اقتصاديا، فلا تلاحظ الفقير المعدم، ولا الغني بغناه الفاحش. فقد طور اليابانيون نظامهم لكي تكون بلدهم بلد الطبقة المتوسطة.
&وبعدها جلست في مقهى لتناول القهوة، وكانت فرصتي لمتابعة اخبار بلادي، فتحت النقال على بريد الوتس أب، وإذا برسالة من صديق، تقول: "هناك أسباب لتقدم اليابان، ويمكن أن تحدد في عشرة أسباب. ففي ﺍﻟﻴﺎﺑﺎﻥ ﺗﺪﺭﺱ ﻣﺎﺩﺓ ﻣﻦ ﺃﻭﻟﻰ ﺍﺑﺘﺪﺍﺋﻲ ﺇﻟﻰ ﺳﺎﺩﺳﺔ ﺍﺑﺘﺪﺍﺋﻲ ﺍﺳﻤﻬﺎ ﻃﺮﻳﻖ ﺇﻟﻰ ﺍﻷ‌ﺧﻼ‌ﻕ، ﻳﺘﻌﻠﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟتلا‌ﻣﻴذ ﺍﻷ‌ﺧﻼ‌ﻕ ﻭﺍﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ولا ﻳﻮﺟﺪ ﺭﺳﻮﺏ ﻣﻦ ﺃﻭﻟﻰ ﺍﺑﺘﺪﺍﺋﻲ ﺇﻟﻰ ﺛﺎﻟﺚ ﻣﺘﻮﺳﻂ، ﻷ‌ﻥ ﺍﻟﻬﺪﻑ ﻫﻮ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ، ﻭﻏﺮﺱ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ، ﻭﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ، ﻭﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻭﺍﻟﺘﻠﻘﻴﻦ. وﺍﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴﻮﻥ، ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺃﻧﻬﻢ ﻣﻦ ﺃﻏﻨﻰ ﺷﻌﻮﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻟﻴﺲ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﺧﺪﻡ، ﻓﺎﻷ‌ﺏ ﻭﺍﻷ‌ﻡ& والاولاد هم المسئولون ﻋﻦ ﺍلبيت ونظافته. وﺍﻷ‌ﻃﻔﺎﻝ ﺍﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴﻮﻥ ﻳﻨﻈﻔﻮﻥ ﻣﺪﺍﺭﺳﻬﻢ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ ﻟﻤﺪﺓ ﺭﺑﻊ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﻴﻦ، ﻣﻤﺎ ﺃﺩﻯ ﺇﻟﻰ ﻇﻬﻮﺭ ﺟﻴﻞ ﻳﺎﺑﺎﻧﻲ جاد، وﻣﺘﻮﺍﺿﻊ، ﻭﺣﺮﻳﺺ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻈﺎفة، كما أن اﻷ‌ﻃﻔﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺱ ﻳﺄﺧﺬﻭﻥ ﻓﺮﺵ ﺃﺳﻨﺎﻧﻬﻢ ﺍﻟﻤﻌﻘﻤﺔ، ﻭﻳﻨﻈﻔﻮﻥ ﺃﺳﻨﺎﻧﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﺑﻌﺪ ﺍﻷ‌ﻛﻞ، ﻓﻴﺘﻌﻠّﻤﻮﻥ ﺍﻟﺤﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﺻﺤﺘﻬﻢ ﻣﻨﺬ ﺳﻦ ﻣﺒﻜﺮﺓ. وﻣﺪﻳﺮﻭ ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺱ ﻳﺄﻛﻠﻮﻥ ﺃﻛﻞ ﺍﻟﺘّﻼ‌ﻣﻴﺬ وﻗﺒﻠﻬﻢ ﺑﻨﺼﻒ ﺳﺎﻋﺔ ﻟﻠﺘﺄﻛﺪ ﻣﻦ ﺳﻼ‌ﻣﺘﻪ، ﻷ‌ﻧّﻬﻢ ﻳﻌﺘﺒﺮﻭﻥ ﺍﻟﺘﻼ‌ﻣﻴﺬ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﺍﻟﻴﺎﺑﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ يجب ﺣﻤﺎﻳﺘﻪ، و ﻋﺎﻣﻞ ﺍﻟﻨﻈﺎﻓﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻴﺎﺑﺎﻥ ﻳﺴﻤﻰ "ﻣﻬﻨﺪﺳﺎ ﺻﺤﻴﺎ" ﺑﺮﺍﺗﺐ 5000 ﺇﻟﻰ 8000 ﺩﻭﻻ‌ﺭ ﺃﻣﺮﻳﻜﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻬﺮ، ﻭﻳﺨﻀﻊ ﻗﺒﻞ ﺍﻧﺘﺪﺍﺑﻪ لإ‌ﺧﺘﺒﺎﺭﺍﺕ ﺧﻄﻴﺔ ﻭﺷﻔﻮﻳﺔ. و ﻳﻤﻨﻊ الحديث في ﺍﻟﺠﻮﺍﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻄﺎﺭﺍﺕ، ﻭﺍﻟﻤﻄﺎﻋﻢ، ﻭﺍﻷ‌ﻣﺎﻛﻦ ﺍﻟﻤﻐﻠﻘﺔ، ﻭﺍﻟﻤﺴﻤﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻮﺍﻝ ﻟﻮﺿﻌﻴﺔ ﺍﻟﺼﺎﻣﺖ ﻫﻲ ﻛﻠﻤﺔ: "ﺃﺧﻼ‌ﻕ. وإذا ﺫﻫﺒﺖ ﺇﻟﻰ ﻣﻄﻌﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻴﺎﺑﺎﻥ، ﺳﺘﻼ‌ﺣﻆ ﺃﻥّ ﻛﻞّ ﻭﺍﺣﺪ ﻻ‌ ﻳﺄﺧﺬ ﻣﻦ ﺍﻷ‌ﻛﻞ ﺇﻻ‌ّ ﻗﺪﺭ ﺣﺎﺟﺘﻪ، ﻭﻻ‌ ﻳﺘﺮﻙ ﺃﺣﺪ ﺃﻱّ ﺃﻛﻞ ﻓﻲ ﺻﺤﻨﻪ، وﻣﻌﺪﻝ ﺗﺄﺧﺮ ﺍﻟﻘﻄﺎﺭﺍﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻴﺎﺑﺎﻥ ﺧﻼ‌ﻝ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻫﻮ 7 ﺛﻮﺍﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻨﺔ، ﻷ‌ﻧّﻪ ﺷﻌﺐ ﻳﻌﺮﻑ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻮﻗﺖ، ﻭﻳﺤﺮﺹ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺜﻮﺍﻧﻲ ﻭﺍﻟﺪﻗﺎﺋﻖ ﺑﺪﻗﺔ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ. وفي اليابان من يأتي مُبكراً للعمل يقف بـسيارته بعيداً، و يترك المواقف القريبه للمُتأخرين حتى يلحقوا بـالعمل .وفي اليابان في مدخل العاصمه، يوجد لوحة كبيرة مكتوب عليها "ايها الانسان فكر لتبدع". ويختتم صديقنا رسالته بالقول: "كل هذه المعاني الجميلة جاء بها ديننا الحنيف، فأخذوا بها اليابانيون، ونجحوا، ونحن أهملناها، فخسرنا الكثير من خيرات الدنيا والآخرة."
&وليسمح لي القارئ العزيز بوقفة تأمل للتساؤل: ألم تنتشر الموجة الدينية في وطننا العربي بعد هزيمة عام 1967، وخاصة بعد الثورة الايرانية، لتستغل السياسة؟ ما الذي حدث لسولك وأخلاقيات مجتمعاتنا العربية مع هذه الموجة من خلط الدين بالسياسة؟& ألم تحول خطب الجمعة، إلى خطب سياسية رنانه؟ وهل يجوز الخلط بين الدين والسياسة؟ ألم تثبت التجربة الغربية خطر هذا الخلط؟ ألم تثبت التجربة اليابانية خطر هذا الخلط؟ ألم تثبت فشل التجربة الإيرانية خطر هذا الخلط؟ ألم تثبت فشل تجربة "الربيع العربي" خطر هذا الخلط؟& فلنستمع عزيزي القارئ لخطبة صلاة الجمعة لشيخ يجمع بين قيادة دينية وقيادة سياسية، قرأتها على شبكة الانترنت من التلفون النقال، يقول فيها: "والصلاة والسلام على محمد وآل محمد. الموضوع الأول: مؤشرات في ظل حكومة التعيين: حديث تتفاخر به الحكومة المعينة في السنوات الأخيرة، بأن الدين العام منخفض، ومع تواجد وفرة وثروة نفطية، وجدنا في السنوات الست الأخيرة صعود مضطرد لمؤشر الدين العام، البلاد اليوم في خطر كبير نتيجة لزيادة الدين العام، والمؤشرات الاقتصادية تنظر لهذا الارتفاع على أنه مؤشر سلبي، وان الاقتصاد لا يتحرك على الجادة الصحيحة والسليمة، ونسبة المخاطر تزداد، وبالتالي تزداد نسبة الفوائد على الدين العام. فالحديث عن زيادة دخل الفرد، ومعدل دخل الفرد، ومحاولة منافسة دول الخليج العربي بحيث يصل دخل المواطن البحريني لمصاف الدول ذات الدخل المرتفع، ولكن بسبب عدم التوزيع العادل، وبسبب التضخم، الذي يأكل النسبة المحدودة في الزيادة على دخل المواطن.. يستمر الحديث عن محاربة الفساد، ويستمر الفساد في التغول والازدياد، وبالرغم من محاولة تغطيته، يخرج في ديوان الرقابة المالية، فضلا عن ما يتلمسه المواطنون ويسمعونه في كل زاوية من زوايا هذا الوطن.. ألا تذكرون الاحتفالات والحملات الاعلامية عن الخطة الاستراتيجية 2030، فلا مجلس التنمية، ولا مكنزي، ولا الخطط، ولا حكومة، كانت تؤمن بتلك الخطة الاستراتيجية من أساس .. فأين كل ذلك؟! إنه الأداء الحكومي الطبيعي لحكومة التعيين، البعيدة عن المسائلة والمراقبة الحقيقية.. تحسين الحكومة من دون تغيير التشكيلة الحكومية هو وهم، فلم تتغير الدول دون تغيير طبيعة تشكيلها، فالتجارب موجودة في دول العالم كلها .. فالحكومة التي لا تخرج من منافسة وانتخابات، وتحمل المسؤولية، فالحكومة المنتخبة التي تفشل ستقال، ولن تكمل مشوارها بانتخابات مبكرة.. فالاستراتيجيات، والخطط غائبة، مع تدهور أسواق النفط، والتنمية غائبة تماما.. سيتحمل في هذا الواقع والفشل الحكومي والصورة السوداوية هو المواطن وأبنائه.. طريق الخلاص ولكثير من مشاكله هي حكومة الشعب التي ينتخبها الشعب، والتداول السلمي للسلطة. والموضوع الثاني تدني أسعار النفط وانعكاساته: الأسباب الحالية نسبيا معروفة، وليست محل الوقوف، وهناك أسباب أخرى تهدد تراجع أسعار النفط، منها زيادة الغاز المنتج في العالم، وزيادة النفط الصخري بأمريكا أو البلدان الأخرى، وزيادة المكتشف النفطي ببلدان أخرى، وتصنيع السيارات الكهربائية، والتحول للطاقة البديلة كل هذه الأسباب وغيرها تهدد تراجع أسعار النفط. هل من المعقول بلد يعيش على النفط من العام 1932 حتى اليوم فقط على النفط .. باختصار فإن البلاد اليوم ونتيجة لغياب التخطيط الاستراتيجي، والفشل في تنويع مصادر الدخل، والإصرار العملي للبقاء على مصدر دخل وحيد، وهو النفط فإن وضعنا شبه دولة مفلسة."
تصور عزيزي القارئ هذا هو الخطاب الديني في خطبة صلاة يوم الجمعة المباركة اليوم، ليس فيه مسحة روحية أو أخلاقية أو دينية. فقد فقد رجل الدين دوره الاجتماعي في نشر الحكمة، والروحانيات، والأخلاقيات، والسلوك الديني الفاضل، واستغل خطبة صلاة الجمعة للتحدث كمتخصص في علوم الاقتصاد والسياسة. فالأزمات الاقتصادية المعقدة، والتحديات التي تمر بها الحكومات والديمقراطيات في عالم العولمة الجديد، فسرها بكل ثقة وبساطة، ولم يخطر بباله أبدا بأنه قد يكون مخطئ، وتناسى بأنه جزء من الجنس البشري، وليس معصوم عن الخطأ، وخاصة في مجالات علمية نسبية معقدة، خارجة عن المسائل الدينية المطلقة. وفي الوقت نفسه يشكو من غياب الديمقراطية، ويكرر الحديث عن تدوير السلطة، وهو لم يتنازل عن قيادته السياسية لمدة ثلاثة عشرة سنة، لينتخب مرة أخرى وبالتزكية. فقد سمعنا عن انتخابات يفوز فيها القائد العربي ب 99.9% من الاصوات، ولكن لم نسمع حتى الان فوز قائد عربي بتزكية متكررة. فما سر ذلك؟ هل هناك فتاوي دينية تصدر لتقرر من يكون القائد السياسي؟ ومن أين تأتي هذه الفتاوي؟ هل من داخل البلاد أم من خارجها؟ وهل يعقل أن تتم الديمقراطية عن طريق فتاوى دينية؟ وهل هذه ديمقراطية أو "ثيولوجية" القرن الحادي والعشرين؟
&فالغريب بأن رجل يعتبر نفسه رجل دين، يتحدث بكل ثقة في اقتصاد العولمة المتشابك والمعقد، وينتقد اقتصاد بلده المتنوع، ويتناسى بأن مملكة البحرين مركز مالي شرق أوسطي هام، كما أن بها صناعات كبيرة، كصناعات الالمونيوم والحديد والبيتروكيمياويات، وخدمات تجارية وصحية وتعليمية وسياحية متنوعة، ولا يمثل منتوج النفطي إلا 20% من الناتج المحلي الاجمالي. كما أنه بحسب علمي كدبلوماسي، بأن سمعة مملكة البحرين في اليابان متميزة، كما أن مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المقدمة نسبيا، بالنسبة للجمهورية الثيولوجية الايرانية، والتي عادة جميع مؤشراتها في مؤخرة دول العالم. كما أن تقرير عام 2014 لبنك الاش إ س بي سي لترتيب أفضل 34 دولة للعيش الاجانب من ناحية الراتب، ومستوى الحياة، والقدرة على تربية الاطفال خارج بلادهم، والذي حصلت سويسرا على الترتيب الاول فيه، بينما حصلت فيه مملكة البحرين على الترتيب الخامس، بعد سنغافورة، والصين، والمانيا.&
ولننظر عزيزي القارئ لصورة مظلمة اخرى للمظاهر "الثيولوجية" التي تخلط الدين بالسياسة في وطننا العربي، بعد أن أعلنت منظمة العفو الدولية في الشهر الماضي أن النساء والفتيات الايزيديات يقدمن على الانتحار او يحاولن القيام بذلك، بعد تعرضهن للسبي على يد تنظيم الدولة الاسلامية الذي فاخر باستعبادهن. فقد ارتكب هذا التنظيم انتهاكات واسعة لحقوق الانسان، شملت اعمال قتل جماعي لخصومه، وذبح، وخاصة اتباع الديانة الايزيدية، الذين تعرضوا لعملية ابادة شملت قتل المئات واتخاذ سبايا، اللواتي وقعن ضحية عمليات استعباد جنسية. كما أن شابة اسمها جيلان تبلغ من العمر 19 عاما، اقدمت على الانتحار خوفا من تعرضها للاغتصاب، كما ذكرت زميلتها بأن: "ذات يوم، قدمت إلينا ملابس تشبه ازياء الرقص، وطلب منا الاستحمام وارتداء هذه الملابس. وأقدمت جيلان على الانتحار في الحمام". كما قالت وفا (27 عاما): "لفّت كل منا عنقها بوشاح وربطناهما معا، وقامت كل منا بالابتعاد عن الاخرى بأقوى ما يمكن، إلى ان فقدت الوعي، وبقيت اياما غير قادرة على الكلام بعد ذلك". وأقر التنظيم بعد نحو شهرين بأنه منح النساء والأطفال الايزيديين، الذين أسرهم، إلى مقاتليه، مفاخرا بإحيائه العبودية. وقال ممثلهم في مقال بعنوان، احياء العبودية قبل اوان الساعة، صدر في عدد شهر اكتوبر من مجلة، دابق، التي يصدرها بالانكليزية: ان "الدولة الاسلامية اعادت جانبا من الشريعة الاسلامية إلى معناها الاصلي، باستعباد الناس، بعكس ما ادعت بعض المعتقدات المنحرفة.. فبعد القبض على الناس والأطفال الايزيديين، تم توزيعهم وفقا لأحكام الشريعة على مقاتلي الدولة الاسلامية الذين شاركوا في عمليات سنجار." تصور عزيزي القارئ كيف شوهت "الثيوقراطية" سمعة الاسلام في مجتمعاتنا العربية.
كما لفت نظري مؤخرا مقال يناقش مأساة الثوقراطية في وطننا العربي ويقترح سبل لمعاجتها والوقاية منها. فقد كتب& دانيال بيبس بصحيفة الواشنطون تايمز يقول: "حلل سمو الامير الملكي سلمان بن حمد الخليفة بطريقة رائعة ما سمي بإرهاب العدو الاسلامي، واقتراح سبل لمحاربته. ولدي سموه الكثير لكي يعلم الغربيين، بدءا بنظيره القليل الحظ الأمير شارلز،& لو أننا فقط استمعنا له. نعم بعض قيادات الغرب تتحدث عن مجابهة ايديولوجية التطرف الاسلامي، ولكن معظمهم يتجنبون ذلك بالرجوع إلى لطف التعبير والتشوش والجبن. فقد وضح سموه عدم دقة تعبير الحرب على الارهاب، فقد اتى الوقت للتخلص من تعبير يرجع للحادي عشر من سبتمبر، والذي هو تعبير مضلل فهو ليس كلية صراعنا، بل ما هو إلا أداة وتكتيك. ويستمر سموه بلغة تعبير انجليزية جميلة ليضع الصراع في سياقه التاريخي ليقول: "لو فكرنا في القرن الماضي، فقد واجهنا عدو مختلف، فقد واجهنا الشيوعية، وواجهناها معا. ولكن حينما واجهنا الشيوعية، فهمنا بأنها ايديولوجية، ولكن لا يمكن اعتبار الارهاب ايديولوجية.& فنحن لا نحارب فقط الارهاب، بل نحن نحارب أيديولوجية الثيوقراطية."& فالثيوقراطيون هم رجال الدين الذين يتربعون على عرش مؤسسات أو جماعات دينية، ويمارسون سلطة مطلقة، من خلال التحكم في مصائر الناس، وتوزيع صكوك الإيمان والكفر، أو الجنة والنار. وقد وصفهم سموه بأنهم طغاة واقصائيون وكارهون، ومؤكداً أن الخطر الحقيقي الذي نواجهه هو صعود ثيوقراطية الشر، التي تشبه بشكل كبير ثيوقراطية القرن السابع عشر، حيث لم يعد لها مكان في وقتنا الحاضر. لذلك، اقترح سموه أن يُستبدل مصطلح الحرب على الإرهاب بمصطلح الحرب على الثيوقراطية، وأن يسعى العالم إلى محاربة هذا الفكر والانتصار عليه. ويبقى السؤال لعزيزي القارئ: هل حان الوقت لوضع دولنا العربية قوانين صارمة ضد سرطان الثيوقراطية لمنع انتشاره واستفحاله في المنطقة؟ وهل حان الوقت لانتقال العرب من مرحلة الثيوقراطية إلى مرحلة حداثة بدعائم الحكمة الغربية السبعة التي خلقت يابان الحداثة والحضارة؟ ولنا لقاء.
&
د. خليل حسن، سفير مملكة البحرين في اليابان
&