&كلما أقيم مؤتمر أو ندوة خارج العراق في عواصم عربية وعالمية تبحث عن أمور البلد المتشابكة والمعقدة ينبري عدد من السياسيين ووسائل إعلامهم التشكيك بنية القائمين عليها، بل يذهب بعظمهم إلى التخوين والتهديد وإلصاق المؤامرة بكل من جلس في ندوة الحوار، حتى ولو كان ذلك ضمن الأعراف والأصول المتبعة في تحقيق الهدف الوطني الذي اعتقد ما زلنا ندور في دائرته المغلقة.

إن لهذا التشكيك دوافع تقف خلفها نوازع عنصرية طائفية منطلقة من أعماق دفينة حاقدة، فليس كلمن طالب بالإصلاح في العملية السياسية القائمة على أخطاء متراكمة بفعل التكوين الطائفي في توزيع المناصب والقوى في مجلسي النواب والوزراء يحسب على الضفة الأخرى الذي يعتقد البعض أنها تريد أن تلغي كل هذا الفعل المسيس وفق ما كتب في الدستور أو النص المقدس الذي لا يمكن المساس به، وكأننا ومنذ أن خلق الله العراق قد تمسكنا بالقوانين الأرضية وجعلنا بلدنا ديمقراطيا حرا.

قبل أيام أقيم في العاصمة اللبنانية، بيروت، أعمال مؤتمر حمل عنوان "عشر سنوات على الدستور العراقي.. رؤية نقدية"، برعاية رجل الأعمال الشيخ خميس الخنجر، والتي نّظمها المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية، وحضور أعضاء من مختلف الأطياف والكتل السياسية أبرزها عن التحالف الوطني وائتلاف اتحاد القوى العراقية. وقد افتتحت الندوة الدكتورة وصال العزاوي، بحضور كبار الباحثين والمختصين والتشريعيين العراقيين ومن مختلف الاتجاهات السياسية والفكرية"

الحضور مثل كل شرائح المجتمع، بل أكثر من ذلك وزراء ونواب حاليين وسابقين ومن جميع الكتل السياسية جمعتهم طاولة الخنجر المستديرة والتي تضمنت جلستين الأولى بعنوان دراسة تحليلية للدستور والثانية بعنوان الإشكاليات الدستورية والعلاقات الأساسية حول الدستور شارك بها أمير الكناني و نديم الجابري وعلي العلاق ووائل عبد اللطيف، من المجلس الأعلى حضر الشيخ حميد معله ألساعدي ممثلا عن المجلس إضافة إلى ممثل عن التيار الصدري، ضياء ألأسدي. كذلك ظافر العاني وحيدر الملا ومهدي الحافظ وعدد من الشخصيات الكردية والمستقلة.

إلى هنا لا اعتقد إن في الأمر خيانة ومؤامرة يتبناها الشيخ خميس الخنجر ضد العملية السياسية برمتها، فإذا المؤتمر قد جمع هذه الشخصيات السنية والشيعية والكردية الحكومية والبرلمانية والمستقلة، في جلسة حوار عقلاني يحدد أسس العلاقة بين المواطن والقانون وفق دستور خال من العيوب، فإنها ستجلب في النهاية الاستقرار السياسي والإصلاحي الذي تتبناه المرجعية الدينية الشريفة، وشخصيا رئيس الوزراء د. حيدر العبادي. سيما وان بعض من النواب المشاركين قد تحدثوا عبر كلماتهم عن ظروف كتابة الدستور ومحاولات عرقلته واجتماعات لجان كتابته والاستفتاء الذي اجري عليه والمواد الخاصة بتعديله والاختلافات بين الكتل

السياسية حول بعض ما جاء فيه، وهذه لفتة حضارية من القائمين على المؤتمر الذين تحملوا تكاليف وحضور المشاركين.

في نفس الوقت وللأسف بدلا من يكافأ ويشجع المركز العراقي للدراسات الإستراتجية على إقامة مثل هذه اللقاءات والندوات والبحوث الوطنية التي تقرب وجهات النظر يصدر قرار مجلس القضاء الأعلى في العراق، (اليوم الاثنين)، بمصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة بحق السياسي ورجل الأعمال الشيخ خميس الخنجر بتهمة “الإرهاب” على حد وصفه “، مشيرا إلى منعه من السفر أيضا وصدور مذكرة إلقاء قبض بحقه، وذلك على ذمة بعض من وسائل إعلام عراقية، إن هذا الإجراء يدل عن عقلية متواترة متخلفة تدفع بالعراق وشعبه إلى الهاوية.

والانكى من ذلك إن بعض المواقع الالكترونية العراقية التي نشرت الخبر أضافت إليه هوامش مشحونة بالحقد والبغضاء على الشيخ خميس الخنجر وجميع المشاركين بالمؤتمر، بل طالبت بمعاقبتهم وطردهم من العراق.

ولأني صحفي وإعلامي وكاتب عراقي عانيت من قسوة النظام السابق، وقسوة وتجاهل النظام الحالي، لا ادعي باني أدافع عن الشيخ الخنجر، مع إني كلما التقيه أجد حماسا وطنيا مخلصا لشعبه ووطنه، بل موقفه مع كل العراقيين الذين يطلبون أن أوصل صوتهم إليه، فان أعماله هي التي تدافع عنه أمام هذا التحريض الذي لا يستند إلى الموضوعية والحكمة، بل سيمزق العراق طائفيا وعنصريا.

روى عن الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام قال: والذي وسع سمعه الأصوات ما من أحد أدخل على قلب فقير سروراً..إلا خلق الله له من هذا السرور لطفاً.. فإذا أنزلت به نائبة جرى إليها لطف الله..كالماء في انحداره حتى يطردها عنه.

ويقول مانديلا: "لقد حاربت ضد هيمنة البيض وحاربت ضد هيمنة السود، وأثمن قيمة وجود مجتمع ديمقراطي حر يعيش فيه الجميع في تناغم وفي ظل فرص متساوية.. إنها قيمة أتمنى أن أعيش من أجلها وأن أحققها، ولكن إذا ما استدعت الضرورة، فإنني مستعد للموت من أجلها".

فأي وجه تلبسون فان ضياع الوطن أعظم جريمة ترتكب بالتاريخ.