مسيرة صبايا وليست جريمة صبايا، مسيرة نشرت وقرأناها وصورت فشاهدناها وتزامنت مصادفة أو بدون مصادفة مع مسيرة زيارة الأربعين للإمام الحسين عليه السلام، يمشي مع الماشين السيد رئيس الوزراء بدشداشة رمادية اللون غامقة وعرقين، مؤجلا مشكلات البلاد المستعصية التي يفترض أن تؤرقه أو قد يحتاج لشراء الوقت لو بيع في أسواق الحياة لكي يحل مشاكل ستراتيجية عميقة قد تودي بكيان الوطن وتجعله شذر مذر، وليس باهدار الوقت والوطن غارق في الظلام والظلمات.

في موازاة المسيرة بأتجاه مرقد الإمام الحسين عليه السلام والتي قدر عددها بثمانية ملايين زائر من العراق وإيران سرت مسيرة تمشي نحو مرقد ثان ليس له مسمى، مسيرة قوامها بضع عشرات من صبايا عراقيات يرتدي أغلبهن الحجاب قسراً أو طواعية! مسيرة إحتجاج على قرار فصل الجنسين في معهد الفنون الجميلة.

الحسين لا يحتاج إلى زيارة لمرقده الشريف، بل يحتاج إلى إثبات صدق رسالته المتمثلة بـ "الإستئثار بالفيء – واردات البلاد - وإحالة ما حرمه الله حلالا".. هذه رسالة نهضة الحسين، فلو أصدر السيد رئيس الوزراء والسادة ممثلي المرجع الأعلى قائمة سوداء ونحتت أسماء اللصوص للتاريخ وللأجيال على جدارية سوداء تضم أسماء كل الذين إستأثروا بالفيء، وحللوا حرام الله وحرموا حلاله لوقفت أمامه وأمامهم معجبا وقارئا منتمياً للواقع! لو مشى السيد رئيس الوزراء ومشى ممثلو المرجع الأعلى ومشى الناس لزراعة فسائل النخيل التي أحرقها الدكتاتور وطوقوا المدن العراقية بالأحزمة الخضراء تهتز سعفاتها مع النسيم، لمشيت معهم! ولو ساروا لتنقية مياه الفراتين والشاطئ من كل الأوبئة والمواد السامة والسرطانية لكنت في مقدمة الماشين! لكنني أمشي الآن مع مسيرة الصبايا المتوجهات ليس إلى رئاسة مجلس الوزراء لأن الرئاسة مختفية خلف الحواجز الكونكريتية العالية، فالصبايا يمشين نحو هدف معروف وغير مرئي واضح المعالم وليس له وجود! مسيرة صبايا يمشين نحو مكان اللامكان! مسيرة الصبايا هي مسيرة إحتجاج ضد قرار وزارة التربية في فصل الطالبات عن الطلاب في معاهد وأكاديميات الفنون.

ذهب السيد رئيس الوزراء ماشياً يرتدي الدشداشة والعرقجين، وكأنه عروبي أتى من صوب معدان الأهوار أو من صوب بدو تكريت ليؤدي طقوس الزيارة التي لم يدركوا ابعادها الحقيقية وهدف صاحبها ونهضته ضد حكام الشام والعراق، لأن السلطة التي كانت قابعة في الشام والعراق كلهم "قد إستأثروا بالفيء وأحالو حرام الله حلالا"!

من يسمع أصوات الصبايا العشر وسط مسيرة الثمانية ملايين، حين جاءهن قرار "التربية" و"التعليم" و"التعليم العالي" و "الواطي" بفصل الجنسين في معهد الفنون وأكاديمية الفنون لأن يعيش الإناث في معهد ويعيش الذكور في معهد آخر، ويؤكد الناطق الرسمي لوزارة التربية، بأن هذا القرار كان صادراً منذ عشر سنوات ولكن الظروف لم تكن تسمح بتطبيقه وقد حان الآن موعد التطبيق! بمعنى أن الأوضاع السياسية لم تكن متدهورة إلى الحد الذي وصلت إليه الآن كي تسمح بتطبيق القرار.

كيف إذاً، والكلام موجه للسيد رئيس الوزراء الماشي بالدشداشة الرمادية والعرقين، يمكن تمثيل مسرحية على المسرح وأداء فيلم سينمائي على الشاشة بدون الجنسين، وكيف سيدخل الأساتذة كي&"يختلوا" بالصبايا ويعطونهم دروس المسرح الأغريقي أو حتى دروس مسرحية الطف والحسين ثائرا والحسين شهيداً وعنصر المرأة مفصول عن عنصر الرجل؟! وكيف حتى أن تمثل الفتاة دور السيدة زينب أوالرباب أو الصبية سكينة مع الحسين والعباس ومسلم بن عقيل وعلي الأكبر وزهير بن القين وحبيب بن مضارع وبرير بن حضير على مسرح ديني أو فيلم سينمائي عن الحسين أو حتى في تشابيه واقعة الطف بعد أن تجري جريمة فصل الجنسين؟

وهل سنشهد تمهيداً للإلغاء الكامل للمسرح؟! أم سيبقى مسرح الذكور وهم يصرخون في واد وفي الوادي الآخر نسمع صرخات الإناث؟

هذه الجريمة سيدي الماشي نحو مرقد الحسين بالدشداشة والعرقين لم تكن وليدة اليوم ولم تكن وليدة الحملة الإيمانية للدكتاتور الرديء، بل هي وليدة قرون من الزمان حين مشى التخلف في أوصالنا وحرمنا النسوة حق الرغبة والجسد حتى في جنان الله وإختصرناها بحور عين للذكور!؟

إن قرار فصل الجنسين في معاهد الفن وفصل الجنسين أصلا في المدارس والمعاهد والثانويات والجامعات هي جريمة ولكن السؤال المحير.. أهي بداية الجريمة أم نهايتها؟!

إن الجرائم المتتالية داخليا وخارجيا تسري في جسد الوطن العراقي بأشكال شتى، فإعلان الحروب الكارثية جريمة وتلوث الماء والهواء جريمة ونهب ثروات العراق والإستئثار بالفيئ جريمة وإغتيال المثقفين والعلماء وإهانة الأطباء جريمة وزرع الأمراض السرطانية في أرحام الصبايا جريمة والولادات المشوهة جريمة وسلب أراضي الوطن وثرواته من قبل سلابة الشمال جريمة ونهب ثروات العراق الطبيعية جريمة وإحتلال دولة الخلافة الإسلامية لأراضي البلاد وثرواته ونسف بيوت الناس جريمة وإحتزاز رؤوس الشباب في سبايكر وبادوش جريمة والبرلمان العراقي جريمة ونظام المحاصصة جريمة وحل الجيش العراقي سياج الوطن جريمة وتجفيف الأهوار جريمة وفصل النساء عن الرجال لا تقل جرماً عن كل تلك الجرائم!

إذاً ينبغي والحالة هذه أن يكون لنا برلمانين واحد للسارقين سرقاً وآخر للسارقات سرقاً!

إن الحكم على المرأة بدون "إدانة" ولا "تهمة" ولا "ذنب" بأن تبعتد عن الحياة هو حكم غير عادل ولا إنساني ولا متمدن ولا يمت بالحضارة الإنسانية بصلة وهو مدان وينبغي أن يوجه القضاء أصابع الإتهام والذنوب والتهم نحو الذين أصدروا القرار الذي هو مخالف حتى لقوانين الدين وقوانين الله وملائكته "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله إتقاكم أن الله عليم خبير"

"لتعارفوا"!؟

أن من يرفع السلاح من الحشد الشعبي ضد الدواعش ويضحي بدمه من أجل الوطن إنما يضحي من أجل محاربة التخلف والتأخر المتمثل بما يسمى "دولة الخلافة الإسلامية" التي تريد أن تفرض الإبادة على المجتمع!

وما قرار فصل الجنسين سوى إبادة نصف المجتمع تمهيدا لأبادة النصف الآخر منه!

&

سينمائي عراقي