كل الدلائل والأحداث العالمية المُتَسارعة تُشير الى إن الإسلام يَسير على خُطى المسيحية في عصور ظلامها والتي كانت تَحكُم وتَتَحكم في مصائر شُعوب عديدة نتيجة لهيمنتها على السلطة، وإستحواذها على المال ، ومُمارستها للسياسة،والتَدخُل في كل تَفاصيل الحياة، ثم بدأت بالتشظي رويدآ رويدآ بعد منافسات بين كنائسها، وصراعات دامية بين مَذاهِبها، وتَكفيرها كل المخالفين لها، حتى أفل نَجمُها، وتَم تَحجيمها،فأودِعَت الى المَعابد والكنائس عِنوة بعد أن ضاق الناس بها ذرعآ، لِتُمارس الطُقوس، وَتَحث الناس على التَحلي بالصفات الحميدة، فتنفست تلك الشعوب التي كانت ترزح تحت ظلم وجور وطغيان الكنيسة عبق الحرية وشقت طريقها نحو &الرقي والتحضر بعد أن تحررت من غيبوبتها الفكرية التي كانت مفروضة عليها قسرآ، فتسارعت خطى الإبتكارات العلمية في شتى مجالات الحياة، وسُنت الكثير من القوانين والمعاهدات التي تدعوا الى المُساواة بين البَشر، وإحترام الإنسان وحقوقه مهما كان جنسه أو معتقده.

العالم الإسلامي يعاني اليوم ما عانت منه تلك الشعوب التي قُمِعَت بإسم الكنيسة والرب، فقد تم إخراج الإسلام من سماحته والزج به في كل الصراعات، فبإسمه أُضطُهِدت الأقليات الدينية الأخرى وإنتهكت حقوقها (كما هو حال المسيحيين في مصر) ، و (سبيي الأزيديات في العراق ) ،وبإسمه تُعاني أقلياته المذهبية المخالفة للمذهب الرسمي الذي تدين به أغلب الحكومات الأسلامية التهميش وحتى التكفير ( كما يحدث للأقليات الشيعية في أكثر الدول الأسلامية )،بل تطور الأمر تطورآ خطيرآ فأصبحت كل شعوب المَعمورة كافرة حلال قِتالها، وهذا الفقه والمنطق لم يعد محصورآ ببعض الجماعات والمنظمات الإسلامية المتطرفة بل أصبح له أمتدادات واسعة وجماهير عريضة تؤمن به، وهذه حقائق لم يَعد التَعتيم عليها يُجدي نَفعآ، فالأزهر على سبيل المثال والذي يَدَعي الوَسَطية (ويؤمن) بالتسامح لم يَستطع حتى على الأقل أن يُطَور أو يُغَير من مَناهج طلابه الدراسية لتلبي الواقع، وتبتعد عن الغلو والتطرف، وتراعي متطلبات العصرنة، فلا تَزال كُتُبَه تَستند على بَعض الإنحرافات التي شهدها التأريخ الإسلامي وتُدَرس على إنها مواقف يجب الأخذ بها، والسير على نهجها، رغم إن العقل يُشكك بها أو لا يتقبلها، عدا عن الإساءة للآخر المختلف ،والحط منه، فلا غرابة ببعض المدارس الإسلامية الأخرى الأكثر إنغلاقآ وتطرفآ.

إن اغلب المُجتمعات الإسلامية اليوم أصبحت مُجتمعات تائهة مأزومة تَغوص بالغيبيات، حَبيسة الماضي، مَفصولة عن الواقع، وليس لها أي روئ للمستقبل، تُمَجد طُغاتها، وتَفتَخر بالمُنتحرين من أبناءها الذين يفجرون أجسادهم بين الأبرياء، حتى إنها تعتبر بعض المصطلحات والمفاهيم، مثل الحريات،وحقوق الإنسان،والديمقراطية ، بأنها مفاهيم دخيلة ليس لها وجود في القاموس الإسلامي وهي جزء من الغزو الثقافي والفكري.

إنها دعوة لتجديد لغة الخطاب الديني المتشنج بل الفكر الأسلامي في الكثير من محطاته التأريخية والتي أصبحت مطروحة بقوة في هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها الشعوب الأسلامية، إن كانت هذه الشُعوب تُريد اللحاق فعلآ بِركب الحَضارة والتَحضر والعلوم والتكنلوجيا، بَدل إعتمادها التام على الآداب والبلاغة والإنسانيات عمومآ وأصول الدين، فَفكر المُحدثين من الأولين وتقليدهم في كل خُطوة خَطوها، والتشبث بالماضي وتفاصيله الدقيقة والذي يقوده طبقة كبيرة من رجال الدين المُنتفعين، لم يَعد يُجدي نَفعآ وهو سَبب تأخر هذه الشُعوب وفَوضَويتها، وإنتشار ثقافة الحقد والكراهية والتكفير فيها ، والذي أدت الى ظهور المنظمات الإرهابية كالقاعدة وداعش وغيرها العشرات، فالمسلمين اليوم أصبحوا أمام خياريين لا ثالث لهما فإما تجديد الفكر ليواكب منهج وفكر المجتمع الأنساني بشعوبه المختلفة ، وأما أن يبقى حبيس الماضي ويصنف على إنه فكرآ إنعزاليآ، عندها سوف تأكل أمة الأسلام نفسها عدا عن تكالب الآخرين عليها، لتحتضر بل حتى تنتحر على مذابح الأحقاد والطائفية.