&لم تكن الزيارة الاخيرة التي قام بها بعض من اقطاب الحزب الجمهوري الى بغداد بالامر العابر. فكل من جون مكين و ليندسي جراهام يعدان من بين الشخصيات التي تؤمن بضرورة ايجاد السبل التي تديم الدور و المصالحالأميركية في العراق بعد إن تعرضت الى ضربات موجعة في السنوات الاخيرة. ولاجل ذلك لا يتوانى هؤلاء عن اختبار اي فرضية لتحقيق هذه الغاية طالما إن العراق بنظرهم لا يتجاوز كونه ساحة مناسبة لتجربة كل الافكار السطحية و الخطيرة التي انتجتها الاداراتالأميركية منذ العام 2003 والتي لم تثمر الا مزيدا من الفوضى المستدامة امريكيا.&

في هذا السياق كانت هنالك تاكيدات تشير الى إن الامريكان يفكرون بتغيير مسار إستراتيجيتهم – على الاقل مرحليا – في العراق. هذا التغيير يقوم على فكرة الاستمرار في قيادة قوات اخرى برية تقوم بقتال داعش لمصلحة واشنطن على ان تكون هذه القوات حصريا قوات سُنية يتم استقدامها من تركيا السعودية و الامارات و إن تمول حملتها من قطر. حيث صرح السيناتوران في وقت سابق بانهما التقيا في مناسبات عديدة بالقيادة السعودية التي اعربت عن ترحيبها بامكانية استخدام القوات العسكرية التابعة لها في مثل هذه المشاريع في مقابل اسقاط الاسد في سوريا و تغيير المعادلات السياسية في العراق.&

&بالنهاية يبدو إن هذا المشروع يتناغم حرفيا مع تعهدات السيدة هيلاري كلينتون اثناء حملتها الانتخابية التي قالت فيها بانها ستقف بالضد من اي مشروع يسعى الى زج القواتالأميركية في حرب برية مع داعش و بقية المتطرفين الاسلاميين مؤكدة بان الدعوة يجب إن توجه الى الدول العربية للقيام بتوفير المقاتلين الذين يتولون مهمة المواجهة المباشرة مع تنظيم داعش , لذا دعت علانية كل من تركيا و السعودية الى اعادة توجيه سياستهم من الصراع مع الاكراد و الحوثيين باتجاه الصراع ضد داعش.&

يرى صناع القرار و الاستراتيجياتالأميركية بان هنالك حاجة ملحة لعدم تكرار اخطاء عراق العام 2003 حيث ادى التواجد الامريكي الى استقطاب كل المتطرفين من العالم للقيام بتجميع قواهم لمقاتلة الامريكان في العراق بعد إن تمترسوا وراء خطاباتهم الدينية التي صورت الغزو بانه حرب موجه ضد الدين و بان الصراع ياخذ ابعادا اخرى غير التي خططت لها الادارةالأميركية. لذا فان وجود قوات سُنية سيعمل على تغيير هذا الانطباع و سيحد من فكرة الصراع المذهبي ايضا في منظومة الحرب ضد داعش بطريقة سيتم فيها عزل المتشددين السنة الذين سيغيب تاثيرهم الاعلامي و الميداني في ظل حرب تخوضها اقطاب الدول السنية نفسها ضد هذا التنظيم الذي بات مهددا على المدى البعيد لمصالحها.&

هذه الحجة تسوقها كثير من الاوساط لحرمان اي طرف شيعي من إن يكون مساهما في انهاء وجود داعش , خشية من إن يكون ذلك سببا في توترات مذهبية تقود لاحقا الى امكانية اعادة انتاج داعش. وهي في الحقيقة آلية امريكية تغازل المخاوف المحلية بهدف سحب البساط من تحت اقدام القوى المعادية لداعش و بالضرورة للمصالحالأميركية. نجاح هذه القوى ليس بالضرورة انهاء لداعش بل في الحقيقة انهاء تاما للنفوذ الامريكي و ادواته.&

الرؤيةالأميركية لاستخدام القوات السنية تستند الى توفير هذه القناعة عبر التذكير بما قامت بهد داعش ليس في باريس و انما ايضا في قلب العالم السني. الرياض استهدفت مرات عديدة و كذلك اسطنبول. لذا بات هنالك بداية مهمة لحصول تحول ما في تهيئة المُناخ الشعبي لتقبل فكرة هذا النوع من الحرب في اعادة انتاج دامية لنموذج الصراع في اليمن الذي يعتبره الامريكان تحركا فاعلا و حاسما في عدم و صول قوة معادية لمنظومة تحالفهم الواسع مع الخليج الى السلطة.&

في مقابل هذه التصورات هنالك قناعة لدى القاعدة الشعبية و السياسية المشككة بالدور الامريكي في المنطقة من إن واشنطن و حلفائها باتوا يتساءلون بجدية عن عراق ما بعد داعش. ما الذي سيحصل في الاقاليم و النطاقات التي هيمن عليها داعش , من هي القوة التي ستملأ الفراغ و التي سيكون لها الكلمة العليا في ترتيب الاوضاع هناك؟.&

كل الادلة و القراءات الواسعة لمكنونات العقل الاستراتيجي الامريكي تشير الى إن القناعةالأميركية تتمحور حول فكرة إن القوات الشعبية التي تشكلت عسكريا في العراق لمحاربة داعش هي التي تمثل الخطر الاكبر على المصالحالأميركية. لذا ترى الادارةالأميركية بان هنالك امكانية واسعة للعب هذه القوات دورا مؤثرا في هزيمة داعش و بالتالي القدرة على نيل تعاطف جماهيري عابر للهويات يسمح بتحولها الى مصدر ارق دائم للمصالحالأميركية.&

بالمقابل يتسائل حلفاءأميركا من هي الجهة التي ستستفيد فعليا من هزيمة داعش في العراق و سوريا!. قناعات هذه القوى تميل الى الانغماس في فكرة محددة قوامها بان ايران و حلفاءها هم المستفيدون فعليا من هذا التحول القادم. لذا بدأ الحديث بصوت عال عن كيفية ركوب الموجة – خصوصا بعد الاندفاع الروسي في ملف مكافحة الارهاب – كي يمكن التحكم ببعض من مخرجات الحرب الحقيقية التي تخوضها قوى فاعلة تحارب داعش على الارض منذ سنوات طويلة.&

على هذا الاساس جاء التصور الامريكي بحجة خلط الاوراق مجددا في العراق تحديدا كي لا يكون مجالا حيويا خالصا لايران بعد انتهاء مرحلة داعش. لذا باتت المقايضات المطروحة على الطاولة تتم وفقا للفكرة التالية. التخلي الحكومي عن الحشد الشعبي في مقابل سحب داعش من المسرح الجغرافي للاحداث بشرط إن تكون القوات السنية المستقدمة من حلفاء واشنطن هي التي تحل بديلا عن داعش في النطاقات التي هيمن عليها التنظيم.&

اما في سوريا فالمقايضة لازالت غير بعيدة عن فكرة ازاحة كل المنظومة الحاكمة في مقابل نقل التجربة المراد تطبيقها في العراق الى هذه الساحة ايضا لتحقيق ذات الاهداف.&

يحق المرء في مقابل هذه التصورات إن يتسائل عن البدائل المتاحة في حال مواجهة هذا المشروع , الذي يبدو انه لن يمرر بسهولة خاصة وان تجربة السنوات السابقة في العراق قد اثبتت بان المشاريعالأميركية تواجه تحديات محلية و اقليمية عادة ما يتم القفز فوق حتميات دورها المعرقل الذي ينتج خيبات امل كبيرة لهذه المشاريع. الامر الذي يعني بان داعش في هذه الحالة سيبقى خيارا من غير السهل لهذه القوى إن تستغني عنه من منطلق المساومة الاقليمية و التسويات الميدانية رغم انهم على يقين بانه لم يعد بيدقا رابحا على رقعة الشطرنج العراقية – السورية.&

بالنهاية لن يجد الامريكان بدا من الاعتراف بان حلفائهم يملكون اولويات متعارضة. فالاتراك تقوم اولويتهم على حرمان الاكراد من اي امتيازات قد يهيئ لها غياب داعش. في حين إن السعودية تضع اسقاط الاسد في سوريا اولوية لها , وهي لذلك لاترى في داعش تهديدا مباشرا لامنها القومي طالما انه بالنهاية يهدد دمشق اكثر من قدرته على تهديد اي عاصمة خليجية , لتكون الحاجة ماسة هنا فقط لاليات ضبط تمدد التنظيم ليس الا. اما في العراق فترى بان أولويتها الان تقوم على اساس توسيع التحالف السني ( العربي – الكردي ) في مواجهة الحكم الشيعي , وعليه يمكن إن يتحول قسم كبير من بقايا داعش الى قوة قتالية ضاربة في خدمة هذا الحلف. هذه الاوليات تربك الهدف الامريكي المعلن في الحرب ضد داعش بقوات سُنية هي بالاساس لاترى في داعش عدوا مباشرا لها!.&

بالمحصلة لن تثمر الاستراتيجيةالأميركية الجديدة بصياغتها و تصوراتها الحالية الا مزيدا من الفوضى و الانقسام الهوياتي الذي سيديم لغة العنف و الحلول الصِدامية التي يراد لها إن تفكك العراق تمهيدا لما يرون بانه الالية المناسبة لمواجهة المشروع و المصالح الايرانية – الروسية التي باتت مصدرا مهما من مصادر تحديد الوجهة المستقبلية للدول المعنية بهذا الموضوع.&

الاستراتيجيةالأميركية تعاني من انهيار تام للثقة بين اطراف محورها. انعدام الثقة هذا له جذور عميقة بعضها يعود الى موضوع الاتفاق النووي الذي وصفته السعودية بانه عملية تضحية بمصالح الاخرين. لذا بات كل طرف يبحث له عن مساحة مصلحة محددة تطمئن مخاوفه من الشركاء. وهو ما يضع الامريكان في حيرة متزايدة من طبيعة الاستراتيجية الجديدة , التي لم تعد مهددة فقط بآليات الرد العراقية الممكنة و انما ايضا بالانقسام الضمني للحلفاء.&

اكاديمي عراقي

[email protected]&