&
مثلت العملية الإرهابية التي شهدتها مالي مؤخرا، والتي تم بموجبها احتجاز وقتل رهائن بأحد فنادق العاصمة باماكو، ضربة موجعة لقضية شعب الطوارق الذي يناضل منذ عقود من أجل نيل حقوقه المسلوبة. فهو شعب مغاربي في تركيبته العرقية، اي خليط من الأمازيغ والعرب، يستوطن الصحراء الكبرى الإفريقية وكان على الدوام همزة الوصل بين شعوب إفريقيا جنوب الصحراء وساكنة شمال القارة السمراء.
وقد منع الطوارق من إنشاء دولتهم على صحرائهم المترامية الغنية بالموارد الطبيعية وإحياء أمجاد مملكة سونغاي التي تم سحقها وتدميرها مع نهاية القرن السادس عشر من قبل ملوك السعديين الذين حكموا المغرب الأقصى. وذلك بعد أن رفض زعماؤهم الوصاية الفرنسية على الثروات الطبيعية التي ترقد عليها صحراؤهم وخصوصا اليورانيوم.
فتم تقسيم أراضيهم على دوار الجوار وألحق إقليم الأزواد بجمهورية مالي بعد أن التزمت حكومة باماكو للفرنسيين بتمكينهم من ثروات هذا الإقليم المترامي. ومنذ ذلك التاريخ والطوارق في أزواد يعانون الأمرين قتلا واغتصابا وتهجيرا وتهميشا وحرمانا من التنمية من حكومات مالي المتعاقبة شأنهم شأن أبناء جلدتهم الذين ألحقوا بالنيجر من خلال خرائط خطتها يد المستعمر لتأمين مصالحه دون مراعاة الإختلافات الإثنية التي مثلت على الدوام سببا مباشرا للتوترات التي تشهدها القارة الإفريقية.
لقد قام الجيش المالي في عهد الرئيس الأسبق موديبو كايتا بتسميم الآبار التي يرتوي منها الأزواديون ودوابهم ودمر مخازن الغذاء في تلك الصحراء القاحلة وهو ما دفع بالأهالي إلى التوجه صوب الجزائر بحثا عن الأمن والسكينة رغم ما أصاب صحراءها من تلوث تسببت فيه التجارب النووية الفرنسية التي أجريت في تلك الربوع وكانت سببا في انتشار الأمراض والأوبئة. وهي انتهاكات سال من أجلها الكثير من حبر تقارير المنظمات الحقوقية كما تم تضمينها في بحوث ودراسات نادرة اهتمت بقضية شعب الطوارق المكلوم.&
ولم يشذ الرئيسان الماليان موسى تراوري وآمادو توماني توري على نهج سلفهما وواصلا اضطهاد طوارق الأزواد محرضين عليهم الشعب المالي باتهامهم باسترقاق الماليين في الماضي للمتاجرة بهم في البلاد المغاربية وبيعهم كرقيق في أقصى الشمال. ولم تتحسن أحوال شعب الأزواد قليلا إلا مع الرئيس المنتخب ديمقراطيا ألفا عمر كوناري لتعاود التأزم مباشرة بعد رحيله ومغادرته لسدة الحكم.
واستغلت التنظيمات التكفيرية المرابطة في الصحراء الكبرى حالة الإنفلات والفوضى وغياب جميع أشكال العدالة والمساواة لتتجذر في المنطقة وتتقرب من القبائل التي تستوطنها موهمة إياها بأنها نصير حقيقي لقضيتها. لكن يبدو ان هناك وعيا عاما لدى القبائل الأزوادية بأن هذه الجماعات تسيء إلى المطالب العادلة للرجال الزرق (الطوارق) وتحقق غاية حكومة باماكو التي تسعى منذ عقود إلى وصم الإنفصاليين في أزواد بالإرهاب بتأييد من المستعمر السابق الذي عاد بجيوشه إلى المنطقة.
لقد أعاد نشاط التنظيمات التكفيرية الفرنسيين عسكريا إلى الصحراء الكبرى بعد عقود من الهيمنة الإقتصادية من خلال الوكلاء من السياسيين الأفارقة والشركات الكبرى العابرة للقارات. ولن تخدم هذه العودة القوية بأي حال من الأحوال، وبإجماع العارفين بخبايا هذه الأزمة، قضية الطوارق المضطهدين في أزواد باعتبار الرغبة الفرنسية الدائمة المتمثلة في الحفاظ على مصالحها التي تؤمنها باماكو، والتي لا يبدو أن الأزواديين لديهم الإستعداد ولا القدرة على القيام بذلك بدلا عن نظرائهم الماليين.
كما أن ادعاء الجماعات التكفيرية المتنقلة عبر الفيافي والقفار في الصحراء الكبرى مساندتها لحق الشعب الأزوادي في التحرر من الإضطهاد وذلك لتبرير ما تقدم عليه من جرائم يندى لها الجبين، فيه إساءة لهذه القضية العادلة التي هي بالأساس قضية تحرر وطني وحق شعب في تقرير مصيره. وقد شبه هذا السلوك الذي ينتهجه الإرهابيون في شمال مالي بما أقدم عليه في السابق تنظيم القاعدة حين كان يبرر جرائمة التي تستهدف المدنيين العزل في دول غربية، بدعم هذا الغرب للإنتهاكات الحاصة بحق "أهلنا في فلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان" وغيرها، وهو ما يضطر أصحاب الشأن في القضية الفلسطينية على وجه الخصوص إلى الخروج إلى الإعلام للتنصل من أية علاقة تربطهم بمنفذي هذه العمليات.
لذلك يرى البعض أنه على الأزواديين الذين ساء وضع قضيتهم العادلة مع تغلغل هذه الجماعات التكفيرية في أراضيهم وفي الأقاليم المحيطة بها، المسارعة إلى تبني استراتيجيا إعلامية جادة للتعريف بهذه القضية خصوصا لدى بلدان العالمين العربي والإسلامي. كما يلقى على عاتقهم واجب الشرح للعالم الخارجي بأنه لا علاقة لهم من قريب أو من بعيد بأجندات الجماعات الإرهابية العابرة للحدود.
وباستثناء المؤتمر العالمي الأمازيغي الذي يعتبر قضية الطوارق قضيته الأولى لا يبدو وأن التجمعات الإقليمية الأخرى تعير هذا الملف أي اهتمام ولا علم لها اصلا بوجوده. فمنظمة التعاون الإسلامي تعتبر الأمر شأنا داخليا ماليا لا يمكنها أن تتدخل فيه وكذا الدول الأعضاء في هذه المنظمة.
وجامعة الدول العربية لا يتجاوز مرجع نظرها الحدود السياسية للدول الأعضاء في الجامعة ومالي ليست عضوا في جامعة الدول العربية رغم أن في القبائل الأزوادية فيها العرب وفيها الأمازيغ على غرار سائر بلاد المغرب الكبير. كما أن القضية غائبة تماما عن أروقة المنتظم الأممي باعتبار مساندة فرنسا لموقف الحكومات المالية المتعاقبة والذي هو بالأساس موقف فرنسا صاحبة القول الفصل في غرب إفريقيا.
كما أن البحوث الجامعية المتعلقة بهذه القضية نادرة وغير متوفرة بالكميات المطلوبة، ولا ينصح أستاذة العلوم السياسية في تونس على سبيل المثال طلابهم بطرق مواضيع لأطروحات الدكتورا تتعلق بهذه القضية أو بمنطقة الساحل والصحراء عموما بالنظر إلى ندرة المراجع التي تمثل عائقا للباحث في هذا المجال. فهناك تعتيم إعلامي وتقصير في البحوث الجامعية والدراسات المتعلقة بهذا الملف سببه بالأساس حرص المستعمر على التعتيم مع تقصير لافت من الأزواديين في التوجه إلى العالم للتعريف بقضيتهم وقطع الطريق على من يحاولون إيجاد رابط بينها وبين تحركات التنظيمات التكفيرية التي تشهدها المنطقة.
&