هل للتوغل التركي علاقة بترتيبات الاقليم السني والقوات العربية المقترحة في العراق، ولماذا يثور الآخرون على التواجد التركي قرب الموصل، تحت ذريعة سيادة موهومة؟؟.. قبل الاجابة على هذا السؤآل، لابد من التأكيد انني ارفض كل انواع التدخل الأجنبي في العراق، واؤمن ان سيادة الاوطان (كلية مطلقة) ارضاً وسماءا ومياهاً، غير قابلة للتجزئة.&
طبقاً لمعطيات الازمة العراقية التركية، يعتقد المحور المعارض لتركياً ان انقرة تخطط لايجاد بديل لتنظيم داعش لتقطيع اوصال المحور الايراني السوري العراقي، من خلال اقامة اقليم سني مع قوات حفظ سلام عربية او دولية، لمنع الحكومة العراقية من الامساك بزمام الامور في الانبار.
وهذا ما يُفسر تزايد دعوات قادة سنة عراقيين الى الذهاب لخيار الاقليم كحل أفضل من الواقع الحالي التي تنتابه النزاعات الطائفية وعدم الانسجام بين المكونات السياسية. ويتجه بعض قادة سنة العراق لاختيار الاقليم السني كحل للمشاكل المتراكمة مع الحكومة المركزية، بالتزامن مع مقترحات اميركية وعربية بضرورة وجود قوات عربية ودولية في العراق.
وحتى الساعة تتحفظ الجهات الرسمية على التعليق بخصوص هذه الانباء، لكنها بدأت تخرج من مسلكها السري وباتت محل نقاش واسع في كواليس القوى السياسية النافذة، التي يؤكد بعضها أنّ الدوافع الرئيسة لهذا القرار ينطلق من شعور عام يعمّ سكان عدد من المحافظات العراقية (نينوى، الأنبار، صلاح الدين، ديالى، وأجزاء مهمة من كركوك وبغداد) كونهم يعاملون كـ"مواطنين من الدرجة الثانية"، و"يُنتقم" من كثيرين منهم لأسباب طائفية، سواء بتهمة الانتماء الى النظام السابق، أو حزب البعث المنحل، وكذلك استمرار عمليات الاجتثاث، والحرمان من الوظائف الحكومية.&
ويتعرّض سياسيو المحافظات العراقية السنية المشاركون في الحكومة، وفي البرلمان، لضغوط كبيرة، ويتهمون بالخضوع لإرادة سلطة ترفض مبدا الشراكة، وتتعمد غض الطرف عن عمليات التهجير التي حوّلت نحو اربعة ملايين مواطن إلى نازحين ومهاجرين ولاجئين ومشرّدين في عواصم عربية وأجنبية، يواجهون ظروفاً قاسية، بعد أن فقدوا منازلهم وممتلكاتهم ووظائفهم، وفقدوا معها أي أمل لهم بالعودة، إلا في ظل "حماية" أشبه بتلك المتوفرة للأكراد في إقليم كردستان.&
لكنّ الزعماء العراقيين في الكتل والعشائر الداعية الى إنقاذ الموقف بإقليم سُنّي كبير قد تنضم إليه أجزاء من بغداد وديالى وكركوك، إضافة الى نينوى والأنبار وصلاح الدين، يتهيّبون من (الإعلان عن الإقليم) في الوقت الحاضر، ويراهنون على إبقائه (ورقة ضغط أخيرة)، نظراً لإحساسهم بخطورة أن تتحول "الأقلمة" إلى عملية تقسيم للعراق، وبالتالي، يُلقى باللائمة على "العرب السُنّة" باعتبارهم قادوا العراق الى التقسيم. ولهذا يحرص سياسيو الكتل على تأكيد أنهم مع "إقليم جغرافي" وليس مع "إقليم طائفي"، أو يشكل على أساس طائفي. لكنّ مثل هذه النتيجة ستكون "واقع حال".&
وبالرغم من إن العرب السنّة على مر التاريخ لم يكونوا من دعاة التقسيم والانفصال بل مع بقاء العراق موحداً ويرفضون أي محاولة لتقسيمه حتى لو كانت ضمن الاطار الدستوري، فان ما لاقوه خلال السنوات العشر الماضية دفعهم للتفكير بمشروع يحفظ للعرب السُنّة كرامتهم ودماء ابنائهم، لأن السنّة طبقا لقراءة تاريخية لم يتحدثوا عن أنفسهم بوصفهم سنّة بل كانوا يتمسكون بمفاهيم الوطنية العراقية والقومية العربية.
غير ان التخندق الطائفي والقومي في العراق بعد 2003 خلق تيارات مختلفة حيث اعتبر الشيعة أنفسهم مظلومون تاريخياً ويريدون رفع الظلم، ونفس الشئ انطبق على الأكراد ما ترك السنّة يواجهون حيرة في تحديد صفتهم للدفاع عن طائفتهم واختاروا مؤخراً الحديث صراحة بلسان السنّة، من خلال تشكيل جبهة سنية واسعة واقترحو قيام مشروع (مارشال عراقي) لاعمار محافظاتهم التي دمرها الارهاب والعمليات العسكرية، وتشكيل لجان لإحصاء وكشف الإجراءات الحكومية بحق أهل السنّة من خلال توثيقها ومخاطبة المجتمع الدولي والعربي من أجل طلب المساعدة في تلبية مطالبهم، ربما تمهيداً لتاسيس الاقليم السني.
وحتى معارضي فكرة الاقليم يؤكدون ان الحكومات العراقية المتعاقبة منذ 2003 مارست سياسات متنوعة ادت الى اضعاف (فكرة دولة المواطن) وجعلت (فكرة دولة المكونات) واقعا سياسيا معاشا ليكون (التحدث بأسم الطوائف والمكونات) واقعا عراقيا لاعيب فيه.&
ان مناداة قطاع مهم من جمهور الانبار وعدد اقل من جمهور الموصل وصلاح الدين وديالى وكركوك بانشاء الاقليم السني لم يكن نتيجة قناعة نابعة من حاجتهم لهذا الاقليم كخلاص من معاناتهم بقدر ماهو رد فعل على سياسة التهميش الطائفي، وربما يحاول بعضهم تمرير اجندة التقسيم.&
واسهمت البنية الديمقراطية الهشة في البلد وضعف مؤسسات الدولة المركزية والبناء غير المتوازن للجيش والاجهزة الامنية، بجعل فكرة الاقاليم التي أقرها الدستور على اساس اداري واقتصادي تتحول الى اقاليم على اساس عرقي وطائفي. وفي ضوء حجم التناقضات العقائدية والمشاكل الجغرافية والتوجهات السياسية وغيرها والاحتقانات التي افرزتها المرحلة السابقة، فان بقاء هذه الاقاليم ضمن دولة مركزية واحدة تبدو امرا بعيد المنال.
وسيواجه انشاء الاقليم السني في هذه الظروف صعوبات جمة، وبنفس الوقت يفرض تحديات كبرى على الدولة المركزية والاقاليم الاخرى، لعدم وجود اجماع كافٍ لدى جمهور السنة ونخبهم.. والكثيرون يعدّون مشروع الاقليم ارتدادا على الثوابت الوطنية والقومية التاريخية للسنة باعتبارهم رواد فكرة الوحدة الوطنية العراقية والقومية العربية. يضاف الى ذلك غياب المرجعيات الموحدة المعترف بها من الجميع لهذا الاقليم والتي يمكن ان تلعب دور الحاضن والجامع.
لكن من المؤكد ايضاً واستناداً الى تظاهرات السبت التي شارك فيها صقور العملية السياسية (نوري المالكي وهادي العامري) في استعراض واضح للقوة، ستحاول الحكومة المركزية بكل قوتها منع قيام هذا الاقليم سياسيا وعسكريا وحتى بالشراء المالي للنخب او بتقديم تنازلات بسيطة في مجالات معينة. فقيام الاقليم الان وفي المستقبل القريب يتعارض مع التوجهات الجيوسياسية للنظام العراقي الحالي خاصة في الوقت الراهن لانه يفصل ماتبقى من العراق عن امتداده الجغرافي مع الاردن وسوريا والشمال وتركيا بكل مايعنيه ذلك من عزل ايران عن حلفائها في الغرب، فضلاً عن سيطرة الاقليم على خطوط نقل وتصدير نفط الجنوب الى الاردن وتركيا وسوريا.
كما أن انشاء اقليم السنة سيشجع مناطق اخرى في الوسط والجنوب الى اعلان اقاليم يضم كل منها عدد من المحافظات المتصلة والمتجانسة مع بعضها، فالتحالف الشيعي الحاكم مشتت الرؤى حول جملة من المواضيع وخروج السنة من المشهد سيركز الجدال حول مكامن الخلاف بين مكونات التحالف الشيعي وسينفجر ذلك بشكل دعوات لاقاليم اخرى. والاقليم المرشح للظهور قبل غيره هو اقليم البصرة لاعتبارات اقتصادية وسياسية وتاريخية، فتكامل اقليم البصرة مع محيطه الخليجي اكثر فائدة لها من اندماجه باقاليم مجاورة يتحمل اعباء تنميتها ومشاكلها.
وازاء ذلك، فانه حتى في قيام الاقليم، فان حكومة بغداد، الشيعية، ستعمد الى انتزاع الكثير من مقومات الحياة والقوة، عبر سلخ بغداد منه واجزاء من ديالى والمناطق المتاخمة لكربلاء والحدود السعودية، فيما سيتولى الاكراد قضم نصف نينوى ونصف ديالى وثلاثة ارباع كركوك وربع صلاح الدين. كما سيتم حرمان الاقليم من واردات ميزانية المركز، وهذه المشكلة ستشكل عامل ضغط اجتماعي واقتصادي كبير في السنوات الاولى، كما ستكون سببا في نشوء نزاعات قانونية معقدة بين الاقليم والمركز حول حقوق الاشخاص والممتلكات العامة في الجانبين وما تفرضه من تعويضات.
يشار الى ان فكرة انشاء اقليم سني كانت قد انطلقت في مقال لجراح القلب العراقي الشهير عمر الكبيسي، رداً على ما صدر من كتابات ابان فترة العنف الطائفي، عامي 2006 و 2007، بان اقليم الجنوب سيجعل من العرب السنة خدماً عندهم، ينتظرون طويلا، كما في دول الخليج، للحصول على فرصة عمل في فيدرالية الوسط والجنوب التي كان يدعو لها المجلس الاعلى انذاك.&
كاتبة عراقية
التعليقات