لاشك أن الدور التركي كقوة اقليمية مؤثرة على مجريات الأحداث في الشرق الأوسط عموما والدامية منها في كل من العراق وسوريا خصوصا محوري. الدليل على ذلك هو استمرار الأحداث في الدولتين الجارتين نحو الأسوأ طبقا للمنحى الذي تتخذه تداعيات الصراع على تركيا.

ليس بخاف على كل متابع أن الاعتماد الأمريكي بشقيه الجمهوري و الديمقراطي على الدور التركي في ايجاد حلول لقضايا المنطقة تراجع منذ عهد بوش الإبن إلى حد كبير لحساب اقليم كردستان و العراق عموما, فيما بعد انصبّ جلّ اهتمام حكومة أوباما على ملف إيران النووي, في الوقت الذي حاولت تركيا نفسها خلق المناخ الملائم لها بغية اظهار دورها كقوة اقليمية عظمى محاولة الاقتراب بل احتضان ما يمكن احتضانه من الدول العربية, تقاربت مع حركة حماس على حساب علاقتها المتينة مع إسرائيل, بعدها جاءت الأحداث الدامية التي عصفت بالمنطقة مع ما سمي بالربيع العربي و استلام الحركات الاسلامية المقربة منها قيادة معظم تلك الثورات تقوية لرغبتها في تولي زعامة عالم اسلامي جديد يعيد أمجاد الامبراطورية العثمانية التي حكمت العالم العربي لأربعة قرون.

لكن الرياح لم تجري بما تشتهيها سفينة أردوغان و محاولة تركيا الاستفادة من التغيرات السياسية في منطقة الشرق الأوسط باءت الواحدة تلو الأخرى بالفشل. جاءت الصدمة مع توصل السيسي الى سدة الحكم من خلال انقلاب عسكري مدعوم من الغرب و مطيحا بمرسي الذي انتخب في أول انتخابات حرة في تاريخ مصر, كما تمّ فيما بعد تم حظر حزب الاخوان المسلمين المقرب من تركيا.

استمرت فرص تركية للقيام بدور اللاعب الاقليمي الأهم بالتناقص تدريجيا حيث تخاذلت أميركا و معها الدول الغربية بالتدخل عسكريا في الشأن السوري ضد النظام و رفضت المساهمة في إنشاء منطقة حظر جوي فيها , من ثم أدارت الظهر للمعارضة التي لحزب الاخوان المسلمين السوري الموالي لتركيا دور كبير عليها, كما علينا أن لا ننسى العامل الأهم ,القديم والمتجدد الذي أقلق و لا يزال يقضّ مضاجع الحكومات التركية المتعاقبة منذ عقود ألا و هو الدور المتنامي للقوات الكردية المسلحة المحسوبة على حزب العمال الكردستاني في المناطق الكردية المتاخمة لكردستان تركيا.

هذه الاحباطات التي واجهت حكومة العدالة و التنمية دفعتها الى استعمال الأوراق التي بحوزتها وما امتناعها من الاشتراك في الحملة الدولية ضد تنظيم داعش المتطرف إلا واحدة من أهم تلك الاوراق , كما أنها لم تسمح لقوات البشمركة الكردية بالعبور من أراضيها إلى كوباني إلا تحت ضغوط دولية قوية وصلت الى حد التشكيك في مصداقية عضويتها في حلف شمال الأطلسي. المسألة التي نحن معنيون بها في ظل هذا الصراع المستتر بين حكومة تركيا الاسلامية السنية و بين القوى العظمى اليوم هو تدهور الأوضاع في سورية واستمرار القتل والدمار إلى أجل غير مسمى. الغرب يتجاهل دور تركيا المحتضنة لمعظم أطراف المعارضة السورية.

بإمكان تركية قطع أسباب الاستمرار عن التنظيمات التكفيرية و في مقدمتهم داعش لكن ذلك لن يحصل الآن , لأن استمرار الصراع ربما يكون أفضل من انتهاءها على الطريقة المصرية من وجهة نظر تركية بل ربما اشكالية التوصل الى تسوية سياسية في سورية و تعقيدها قد يعيد لها دورها الإقليمي حين تدرك أميركا و مع حلفاءها بأنه لا يمكن التوصل إلى استقرار في المنطقة دون اعطاء تركية بمركزها الجيوستراتيجي دورها الهام و النزول عند رغباتها و هذا الأمر من الصعب جدا تحقيقه نظرا للخلافات الجوهرية بينهما حول ماهية القوى التي ينبغي أن تحكم سورية المستقبل هذا بالإضافة إلى السياسة الأمريكية والغربية التي تسعى دائما إلى الحفاظ على توازن القوى الإقليمية بين كل من إيران وتركية أو السنة و الشيعة في الشرق الأوسط الملتهب.

إلى ذلك سيستمر عرض أفلام فصل الرؤوس عن الأجساد وحرق البشر أحياء بمهنية عالية..

إلى ذلك سيستمر مسلسل تساقط البراميل المتفجرة على رؤوس السوريين لأنها أرخص تكلفة للقتل.

&

ستوكهولم

&

[email protected]

&