قد يكون البعض انتظر من خطاب نتنياهو كشف خفايا لا يعرفها الناس حول البرنامج النووي الايراني، لكي يقوم بتحطيم امال الرئيس اوباما في تحقيق انتصار خارجي قوي. من هذه الناحية باعتقادي ان نتنياهو لم ياتي بما يحقق ما كان ينتظره هذه البعض، فخطاب نتنياهو اتى مبنيا على مخاوف حقيقية، ليس لاسرائيل وحدها بل لكل المنطقة، وخصوصا الدول السنية العربية، ومن هنا اظهر نفسه مسؤلا عن مصير المنطقة كلها وليس اسرائيل فقط، وهذه النقطة الجوهرية باعتقادي نجح السيد نتنياهو فيها ايما نجاح.

وخصوصا باشارته الواضحة حول ان ايران تتحكم الان في قرار اربع عواصم عربية، وهو الواقع الذي لم تتمتع بع القاهرة ايام جمال عبد الناصر، وهنا يجب ان نشير الى ان ما حذر منه الملك الاردني عبدالله بن حسين، قبل سنوات من الهلال الشيعي الذي تنوي ايران اقامته، قائم وان لم تكن له لحد الان الركائز القوية التي يمكن الجزم بانه ثابت، زله ذراع قوية في اليمن، ولكن هذا العدم الثبات لا يمنع ان هذا الهلال قادر على اشعار فتيل حروب عاتية في المنطقة.

من هنا يمكن ان نلاحظ التاثير الايجابي لخطاب نتنياهو على الاعلام والكونكرس الامريكي وحتى بعض المتنفذين في الادارة الامريكية، من ناحية المخاطر المنظور، التي اشار اليها. ولادراك الكل ان اسرائيل محقة في ابداء مخاوفها الحقيقية، لانها بلد صغير يمكن ان يتاثر كله بقنبلة واحدة، ومن هنا فان استعمال سياسية حافة الهاوية، اي التهديد المتبادل بين ايران واسرائيل، هو لصالح ايران بكل المقاييس. لان اتساع جغرافية ايران وعدد السكان هو عامل لصالح ايران. فضمانات اضافية امر ملح ليس لاسرائيل فقط، بل لدول اخرى في المنطقة.

ان ما اشار اليه السيد نتنياهو وما حذر منه، عامل مشترك مع دول الخليج العربي، ولكن هنا لا يمكن ان نقول ان هناك تنسيق مشترك، بالرغم من ضرورته لو اريد الحد من الدور الايراني، ولا يمكن ان نقول ان عدو عدوي صديقي، وذلك بسبب الكم الكبير من الاعلام السياسي والديني المعادي لاسرائيل، ولذا فان اي احتمال للتقارب بين اسرائيل ودول الخليج قد يقلب او يسهل امر قلب الواقع ونقل الصراع من ان يكون شيعيا سنيا، الى صراع داخلي يحمل عنوان ازالة الحكومات المتعاونة مع اسرائيل. وهنا بودنا القول ان الكثير من الدول العربية والاسلامية، خلقت لنفسها اعداء ثابتين والبستهم عداء دينيا مما يصعب الفكاك من هذه الحالة بيسر وسهولة، ويتطلب الامر انقلابا في المفاهيم والثقافة السائدة. وهذا الواقع باعتقادي ليس غائبا عن اسرائيل وسياسييها. وان كان هناك نوع من الانفتاح مع دول الخليح بعد اسقاط النظام العراقي السابق، فانه كان ابن لحظته، ومبني على مسير المنطقة كلها، مع كون ايران غير ايران اليوم ابدا، بل كانت تنتظر خوفا من ان يطالها العقاب كما طال النظام العراقي.

اذا امام اسرائيل والحالة هذه، هو بناء واقع راسخ وقوي، ويمكن الاعتماد عليه، انه واقع ايران واسرائيل في طرف واحد وان كان يتطلب اخراجا متقنا. وباعتقادنا ان ما يرمي اليه نتنياهو هو هذا الامر بالضبط، وما ذكر دول الخليج الا كعامل اشعار الدول الكبرى بمدى شعور اسرائيل بالمسؤولية عن كل الاطراف وليس فقط شعبها وكيانها فقط. رغم الاعلام الايراني المعادي لاسرائيل، فان تاريخ العلاقة بين اليهود والفرس هو تاريخ التودد والمساعدة المتبادلة، وهذا يعني وجود اسس تاريخية يمكن البناء عليها، لاقامة علاقة راسخة وقوية، لا تعتمد على التهديد، بل على التبادل الثقافي والسياسي.

ان خطاب نتنياهو في الكونكرس الامريكي، كان رسالة الى ايران، اكثر مما هو الى اوباما، ومضمونها يقول نعم، لكم انجازاتكم السياسية، ولكننا يمكن ان نضع عصانا في دولاب مسيرتكم التنموية ويمكننا ان نعطل هذه المسيرة التي انتم بامس الحاجة اليها لكي تطعموا شعبنا يتكاثر بوتيرة متزايدة. والحل هو تقاسم الدور الريادي في المنطقة، من خلال تفاهم مشترك يضمن سلام وبقاء كلانا.

وايران القوية المتعطشة للعودة الى المجتمع الدولي، قد تكون مستعدة لسماع مثل هذه الرسالة.