لتأزيم الأوضاع العربية ومناطحة إيران في صراع جانبي جديد، فان نزاع التسمية التاريخية للخليج العربي - الفارسي وأمنه ومصالح شعوبه تأخذ طابع حروب التسميات على هزالتها وتبدو للبعض مهمة وغاية إستراتيجية تستحق إراقة دماء المسلمين من أجلها لإعادة هيبة الأمبراطوريات الأسلامية والشاهنشاهية ومخلفاتها المسحوقة رغم هزالتها وتفاهة معاني التسميات.
&
أقول أولاً الى كتبة تأزيم الأوضاع والأثارة والى الذين تهمهم التسميات التاريخية أنه لاتوجد إمبراطورية إسمها بلاد فارس.عالمنا المعقد المتشعب الابعاد والأغراض والمصالح والتحالفات الاقليمية والدولية وما يُشغل تفكيرنا من الطرق الأسرائيلية الذكية الخبيثة لأيجاد وخلق الفجوات والصراع بيننا يجعلنا في موضع خاص للتعامل مع الجمهورية الأسلامية الأيرانية بالتفكير والحكمة والتصرف الخدوم.
&
أمن الخليج يناقشه الخليجيون بعقل رصين وحكمة وبكل ما تتطلبه مصلحة بلدانهم المطلة عليه من سلامة الملاحة البحرية ومرور سفن التجارة بأمان و منع الصدام نتيجة التعنت بالتسمية، فهذه التسميات وتاريخها ليست محط أنظار العالم ولا محط نزول الأنبياء.
&
المغرضون من كتبة تأزيم الأوضاع يودون أن يروا إستفحال الأزمات الخليجية العربية الأيرانية ولتترك آثار تصعيدها على العراق وتصعيد التوترات بين الأطراف الخليجية العربية وإيران يوماً بعد يوم. في الماضي القريب رأينا حدة التصعيد بأندلاع الحرب العراقية الأيرانية&فجأة والعوق الذي سببّته، واليوم المسألة اليمنية والعوق والدمار الذي ستسببه وتخصيص الميزانيات الضخمة وهدرها ليضمن البعض أسم وتسمية عرقية قبائلية ذات قيمة محلية.
&
الدول المطلة على الخليج العربي الفارسي تتزاحم فية أفكار التنازع وإلأستعلاء العربي والأسلامي بشكل مخيف حتى وصل الغباء والتفاهة ببعض الكتاب الذين يعلكون الكلام بتسميات التفريس والتعريب أن يرسموا وينشروا صوراً كارتونية لرجل إيراني يمخط من أنفه على السواحل العربية للأثارة. ويقول في مقال سخيف كتبه ((في الرسم الكاريكاتيري المنشور في إحدى الصحف الإيرانية يوم 21 كانون الثاني/ يناير بعد فوز إيران على الإمارات، يظهر الخليج العربي (أطلقت عليه الصحيفة اسم الخليج الفارسي، بطبيعة الحال) بعينٍ غاضبة، وهو يمخط عربياً خارج مياه الخليج. أما العربي "المخاط"، فيقع على البر العربي كي لا يُلوِّث مياه الخليج)).
&
الخليج بعربه ومسلميه ممر مائي دولي ولايجب أن تعنينا تشنجات قديمة رتيبة يلجأ إليها بعض كُتاب الصحافة لأثارة التوتر وتسييد مناخ الخوف والأزمات منذ عهد الشاه المقبور والأمبراطوريات المسحوقة وبعدها لحقوق معروفة يمتلكها كل جانب وفق قوانين البحار المدونة المتعارف عليها بين الدول. فالدول الواقعة على هذا الممر المائي كلها تمتلك نفس الحقوق والمصلحة لمرور بواخرها وناقلاتها البترولية والسفن التجارية الدولية بسلام ومن دون إعاقة.
&
حملة الرسوم الكارتونية المتنافسة على الاستهزاء بالتسمية للخليج وشواطئه، مضحكة عن الجانب العربي أو الايراني وبأدخال سخافتها الى كرة القدم و الفنّ بخرائط دول الأستعمار القديم وخرائط بيانية معاكسة. ومن الطبيعي أن هذه الرسوم الكارتونية تؤثر على الجهلة من شعوبنا بأسلوب كتابتها وتؤثر على من ليس لهم إلمام بالقوانين الدولية و محبي آلهة الحرب والماكنة العسكرية التي ترعاها لهم دول بيع السلاح وتُثّبت آرائهم في التحريض وإشغال عالمنا بتوافه التسميات والأشارة إليها كلما أمكن.
&
&
والدول التي تُدرك متطلباتها ألأمنية ومصلحة شعوبها تدرك تفاهة الرسوم الكارتونية وتبادل الأتهامات على الصحف وتدرك كذلك مسؤوليتها القانونية الدولية وتلتزم بها.أنه الأمر الذي يجرنا الى التوضيح والأفادة بأن الجزر الثلاثة المتنازع عليها بين الأمارات وإيران مثلاً يتطلب جلوس الأطراف على مائدة مفاوضات الحلول السلمية وإسهامهم في إستقرار الخليج العربي وممره المائي المهم.&
&
قراءة الواقع السياسي لبلد تتطلّب معرفة ديموغرافية موقعه وإدراك حكامه أحزابه سكانه وثقافته المجتمعية البيئية ، والجزر الثلاثة الصغيرة الغير مأهولة يدرك الجانبان عدم قيمتها ومالايريد أن يفهمه البعض أننا نعيش حالة سياسية ونفسية غير مستقرة الذات ،خاصةً عندما تتحكم بعقول المستضعفين نعرات التمييز العنصري المذهبي المقيت في دول الخطأ وأدوار أحزاب ومجموعات متخصصة في صَرَفَ الأنظار عن الأزمات الحقيقية و نشر الكراهية والتزمت ولاتستطيع التجرد من ألأهواء والنزوات الفكرية وركل الأنسانية كلما سمح لها المجال، ولاتدرك أهمية المساهمة الأيجابية في تحسين البيئة السياسية والمائية في هذه الحالة وتحسين رفاهية مواطنيها على الدوام.&
&
ذكرّتُ صديق عمل في الصحافة العراقية ويعيش في أوروبا بأنه رغم مأسي الحرب العالمية الثانية وماجلبته النازية الألمانية والفاشية الأيطالية من خراب وكراهية عنصرية لاتمت للأنسانية بصلة ، فأن الحكومات الأوروبية الحالية لا تستطيع تسمية جبال الألب بأسم رتيب واحد ، ونصيبها من التسمية هو مايقع ضمن جغرافية حدودها الأقليمية. وغني عن القول أن هناك جبال الألب الفرنسية والألب الأيطالية والألب الألمانية والألب السويسرية والألب النمساوية ، وترافق هذه التسميات محبة وإعتزاز الشعوب وتعاون حكوماتهم ومؤسساتهم على تطويرها وجعلها مراكز للسياحة العالمية وسهولة التنقل بين وديانها والتعرف على خصائص سكانها وإدراكهم الأنساني دون إثارة النعرات والنزعات.
&
أما إذا كان هذا الدليل ليس مقنعاً لخبراء النزوات والعنصرية ، فما عليهم إلا قراءة جغرافية بسيطة لخليج المكسيك حيث أكثر من 16.000 ألف ميل من سواحله وسكانه مرتبطة بخمس ولايات أمريكية تبدأ من ولاية تكساس و لويزيانا ومسيسبي وألباما و ولاية فلوريدا الأمريكية، ولم تتنشج الحكومة الأمريكية لتغيّره لأن أطراف من سواحل المكسيك تصل عليها ، ولم ترف عين بعصبية لأعادة تسميته أمريكياً ، مع أن أمريكا "أكبر دولة وذات أقوى أسطول بحري في العالم " ، وليس هناك صراع ونزاع حقيقي على التسمية والملاحة في المياه البحرية مما يمكن وصفه بتنازع تاريخي. والدول التي تطل عليه لها كافة حقوقها من سياحة ، وصيد ألأسماك ، والتنقيب عن البترول ضمن سواحلها الأقليمية *.&
&
عالم اليوم لايعرف التوقف عند حدود النزوات والنعرات وإطلاق التسميات للأمبراطوريات التي ولدت وماتت. والمسؤولية الحقة تتطلب الأجابة على التساؤلات الغبية بالأشارة الذكية الى من يسهم في زرع الكراهية بجهل بدوي فطري مستديم.&
&
&
كاتب وباحث سياسي&
&