منذ ان بدات الازمة اليمنية بالتوجه نحو رسم ملامح صدع جديد في المنطقة على اساس تشكيل وتعميق صورة التحالفات الاقليمية، والبعض كان يضع نصب عينيه تصور واحد لتفسير الاحداث. وهو ذات التصور الطائفي الذي سيطر على صياغة ملامح جغرافية الصراع في سوريا والعراق منذ سنوات عديدة. حيث لم تفضي كل هذه الاستدامة السلبية للحروب هناك الى اي نتيجة ايجابية لاي من القوى الاقليمية المتورطة في هذه الساحات، وذلك في ظل لعبة صفرية حرجة استخدمت فيها كل الوسائل وسقطت فيها كل الاقنعة التي كشفت عن حقيقة القوى التي باتت هي الراعي الرسمي لمن يمارس التخريب و التحريض على القتل الهوياتي في هذه الدول باسم نشر الحرية والديمقراطية.&

ادراك القوى الخليجية لحجم الخطر في الخاصرة اليمنية التي باتت مصدر وجع مزمن لها جعل هذه الدول مجبرة على التفكير في توسيع رقعة التحالفات في ظل التكلفة البشرية المتوقعة لاي حرب برية تتدخل فيها قواتها على الارض اليمنية بحجة استعادة الشرعية والوقوف بالضد من القوى المناوئة التي تُتهم بانها تستخدم خطابا وتكتيكا مشابها لذلك الذي يستخدمه حزب الله اللبناني وبالتالي هي اشارة من قبلها الى ان ايران بالنتيجة تقف وراء هذا التحول الاستراتيجي في اليمن.&

هذه الرؤية التي تصادر اي توجه مقاوم بحجة التعاطف مع النموذج الايراني جعلت من الرياض وبقية العواصم الخليجية تلقي بشيء من الثقل على دول تحالفها التي كان يؤمل منها ان تنطلق من منظور هوياتي – مذهبي في الوقوف الى جانب الحملة المسماة بعاصفة الحزم. الا ان الرياح هذه المرة لم تاتي بما تشتهيه دوائر السياسة الخليجية خاصة فيما يتعلق بموقف اهم حليفين اقليمين لها في انقرة و اسلام آباد.&

الموقف الباكستاني جاء مشددا على رفض المشاركة المباشرة في الصراع اليمني حيث رفض البرلمان الطلب المقدم من الرياض بتقديم الدعم العسكري عبر ارسال الجنود والمعدات التسليحية للمشاركة في هذه الحرب. وهي لدى البعض تمثل خطوة ذكية اقدم عليها نواز شريف في التفاتة دبلوماسية هادئة لرمي الكرة في ملعب البرلمان لدفع الحرج عن حكومته التي لا ترغب بالنتيجة بقطع العلاقات مع الدول الخليجية لاي سبب كان.&

في هذا الاطار استشاطت العديد من الشخصيات في الخليج غضبا من الرفض الباكستاني الذي رات فيه بانه مؤشر على قيام اسلام آباد بالتضحية بعلاقاتها التاريخية الوثيقة مع دول المنطقة لصالح ايران. خاصة وان هذا الرفض قد جاء بعد زيارة قصيرة لوزير الخارجية الايراني الى باكستان التقى فيها كبار الشخصيات هناك بهدف اقناعهم على تعديل مواقفهم من هذه الازمة والسعي الى ايجاد حل سياسي لها باعتباره الطريق الانسب للحد من تنامي المشاكل التي باتت تعمق من الصدع الطائفي في المنطقة.&

بالتاكيد لا تريد دولة مثل الباكستان في ظل هذا الموقف العمل على التضحية بروابطها المتعددة التي تجمعها بدولة مثل السعودية التي لعبت دورا مهما في كثير من الاحداث التي اثرت على تحديد الوجهة المستقبلية لهذه الدولة. فالرياض كانت منذ البداية داعما مهما للباكستان في حروبها ضد الهند وعنصرا مؤثرا في الوقوف لجانبها في رفض نشأة دولة بنغلادش، ناهيك عن الدور الحيوي الذي لعبته في تعزيز نشأة البرنامج النووي الباكستاني الذي قدمت من اجله نفطا مجانيا قدرت قيمته بـ 1,5 بليون دولار للفترة 1998 – 2002. آخذين ايضا بنظر الاعتبار ان هنالك علاقات عسكرية واقتصادية متنامية بين الطرفين تعززت بشكل اعمق عبر تحول الاسواق الخليجية الى واحدة من اهم وجهات استقبال الايدي العاملة الباكستانية.&

لذلك ليس من السهل على نواز شريف باعتباره رئيسا للحكومة الباكستانية العمل على انهاء علاقات بلاده مع الدول الخليجية والتضحية بها بهذه السهولة لمصلحة اي دولة اخرى، خاصة وان البعض يعد شريف مدينا بحياته للرياض فهي التي استقبلته ووفرت له الملاذ آلامن حينما تم الاطاحة به في انقلاب العام 1999 على يد مشرف. لذلك قد يظن بعض الساسة في الخليج بان الموقف الباكستاني قد جاء من اجل ممارسة شيء من الابتزاز الذي يراد من وراءه تقديم المزيد من الامتيازات لاسلام آباد كي تنضم رسميا الى هذه الحملة من اجل القيام بدورها بتحويل جنودها الى مرتزقة للعمل على الارض اليمنية نيابة عن الدول الخليجية الغارقة في فكرة الصراع الطائفي مع ايران.&

الا ان الحقيقة التي ترسمها الجغرافيا السياسية المعاصرة لباكستان توحي بامور اخرى قد تكون هي السبب الرئيس الذي يقف وراء هذا القرار الذي نصفه بانه قرار عقلاني، فهي من جهة لا تريد التضحية بعلاقاتها الخليجية ومن الجهة الاخرى تعمل على الاستجابة للطلب الايراني بان تسهم في تسوية الموضوع بالطريقة التي تسمح بتراجع شبح التمدد المكاني للانهيار الطائفي المتسارع في المنطقة الذي ستنكوي بنيرانه كل القوى الاقليمية بما فيها طهران ذاتها.&

من بين هذه الاسباب المهمة لتفسير الحياد الباكستاني تبرز فكرة التركيبة السكانية في هذه الدولة واثرها في اتخاذ القرارات السياسية. على اعتبار ان الباكستان دولة تشهد ايضا تنوعا سكانيا – مذهبيا سيقود لا محالة الى تازيم اوضاعها الداخلية في حال اقحمت جيشها في هذه الفوضى الطائفية خاصة وان هذا الجيش هو الاخر يعد انعكاسا لفكرة التنوع المذهبي تلك. من جهة اخرى ترى اسلام آباد بان جوارها الجغرافي لايران وما بدات تتميز به من ثقة متزايدة بعد مباحثاتها الاخيرة الناجحة في الملف النووي، يمكن لها ان تشكل مصدر قلق كبير في حال حولت طهران هذا الجوار الى ميدان من ميادين الصراع عبر مغازلة التركيبة السكانية الباكستانية لمصلحتها. يضاف الى كل هذا الخشية الباكستانية من ان تستغل طالبان اي تحرك عسكري باتجاه اليمن لتملأ عناصرها بالنتيجة فراغه في المدن الباكستانية التي انكوت لسنوات عديدة بنار الادوار التخريبية لهذا التنظيم الذي لم يفقد قدرته على توجيه الضربات الموجعة لاجهزة الدولة الباكستانية بعد.&

يبدو ان الجيوبولتيك الباكستاني وبالتزامن مع الموقف التركي الاخير سيسهم الى حد بعيد في تقرير الوجهة المستقبلية للدور الخليجي في الحرب الحالية التي تعيشها اليمن خاصة وان هذا الموقف، كما هو متوقع، سيسهم في التاثير على الدور المصري الذي بات مصدرا من مصادر التساؤل عن جدوى مشاركته في قتال دولة عربية اخرى.

في ظل ذلك يبدو بان المشهد المستقبلي لما يسمى بالحلف العربي واحيانا بالحلف السني لمواجهة الازمة اليمنية في طريقه لمواجهة عقبة كبيرة ليس من السهولة تجاوزها، وهي عقبة ستفرض عليه لاحقا اعادة النظر بشكل جدي في طبيعة الحلول الواجب اتباعها لانهاء هذه الازمة التي توشك على ان تلقي بظلالها القاتمة على العديد من القضايا والتفاعلات الاخرى في حال عدم استيعاب درس الموقف العقلاني الذي اتخذته دولة مهمة مثل الباكستان. فهل ستشكل هذه التحولات مصدرا لولادة قناعة خليجية بضرورة الحوار لانهاء فكرة الصِدام الطائفي مع ايران وابعاد شبحه عن دول المنطقة ؟!. امر نتمنى تداركه قبل ضياع الفرصة بشكل نهائي.&

&

اكاديمي عراقي

[email protected]