يقول البسطاء أن إيران ووكلائها قاموا من تلقاء أنفسهم بتغيير شعار حملة الحشد الشعبي الشيعي لاستعادة مدينة الرمادي من تنظيم "داعش" من "لبيك ياحسين" إلى "لبيك ياعراق"!! هؤلاء البسطاء اقتنعوا بأن إيران وهؤلاء الوكلاء قد فطنوا إلى خطورة رفع شعار شيعي محض في معركة يفترض أنها عراقية وطنية، ولكن الحقيقة أن إيران تدرك مغزى هذا الشعار الطائفي من البداية ولم تتراجع عن رفعه سوى بعد أن وصلت "الرسالة" واستقرت في وعي المستهدفين بها، ومنهم سنة العراق والإدارة الأمريكية والدول العربية، وبالتالي فإن تغيير شعار الحملة بعد ذلك لم يعد يقدم ولا يؤخر، بل هو نوع من التقية السياسية التي تخادع عقول البسطاء.
مجرد رفع شعار "لبيت ياحسين" في صدارة حملة الحشد الشعبي بشكل رسمي هو إعلان سافر عن هوية الحرب الطائفية التي تخوضها إيران في العراق. واللافت أن هذا الشعار الطائفي قد قوبل بانتقادات ليس فقط من العرب السنة بل أيضا من قادة عراقيين شيعة مثل مقتدى الصدر، الذي انتقد رفع هذا الشعار قائلا "إن "مثل تلك التسمية سيساء فهمها لا محالة، ولذا يجب على كل محب للوطن ونابذ للطائفية عدم الاعتراف بتلك التسميات"، داعيا إلى أن "تكون التسمية لبيك يا صلاح الدين أو لبيك يا أنبار". وبالتأكيد فإن الصدر في هذا المقام لم يتخل عن طائفيته المؤكدة، بل يحاول أن يكون أكثر تخفياً لجهة الأهداف الطائفية، بينما يبدو ان إيران قد تجاوزت مرحلة التخفي وباتت ترى في سفور الوجه الطائفي مسألة لاغبار عليها.
البعض يقول أن شعار "لبيك ياحسين" لم يطلق بشكل رسمي، في حين أن الواقع يقول أن المتحدث باسم ميليشيات الحشد الشعبي أحمد الأسدي قد أعلن في السادس والعشرين من مايو في مؤتمر صحفي بثه التليفزيون العراقي أن قوات الحشد ستقود العمليات التي أطلق عليها شعار "لبيك يا حسين" بالتنسيق مع القوات المسلحة العراقية، وذلك بهدف السيطرة على مناطق شمالي وجنوبي تكريت بمحافظة صلاح الدين وصولا إلى الأنبار، وبالتالي فإن صمت الحكومة العراقية على الشعار لا يعني الموافقة عليه ضمنا أو ربما ينطوي على ماهو أخطر من ذلك. إذ أن موافقة الحكومة العراقية على شعار طائفي هي في الأخير موقف نختلف معه ونرفضه بالتأكيد، لكن أي تفسير آخر لموقف الحكومة ليس في مصلحتها، بمعنى أن القول بعدم موافقتها على هذا الشعار يعني بمفهوم المخالفة أنها لا تمتلك من أمر نفسها شيئا، وقد تكون هذه هي الحقيقة ولكنها حقيقة لا نرتضيها لحكومة تدير دولة عربية كبرى بحجم ووزن العراق، وأولى بها أن تتمسك بموقف الموافقة الذي هو أهون الشرين وأقل الضررين!!.
أما موقف الإدارة الأمريكي تجاه هذا الشعار الطائفي، فيتلخص في ما ورد على لسان المتحدث باسم البنتاجون العقيد ستيفن وارن، الذي قال "أعتقد أن هذا لا يساعد.. لقد قلت دائما إن مفتاح النصر، مفتاح طرد تنظيم الدولة من العراق، هو عراق موحد، يرمي انقساماته المجتمعية، ويتوحد ضد التهديد المشترك، هذا الموقف أقل مايوصف به أنه موقف مائع سياسيا، والميوعة بالمناسبة هي طور من أطوار تشكل المواقف، وهي تحدث سياسيا إما لعدم نضج السياسة تجاه موضوع ما بحيث تتبنى الدول مواقف لا لون لها سياسيا ولا طعم ولا رائحة ولمجرد اثبات الوجود، وهذا مالا ينطبق على الحال الأمريكي الذي استثمر كثيرا على المستوى الاستراتيجي في العراق منذ عام 2003، أو أن هذه الحالة تحدث بشكل عمدي، وهنا تبدو مثل هذه المواقف أقرب إلى القبول بالواقع أو غض الطرف عنه أو حتى تشجيعه في الخفاء ونبذه في العلن.
المهم أن "رسالة" الشعار الطائفي وصلت بسلام إلى جمهورها المستهدف من قبل أن يتم استبداله بشعار "لبيك ياعراق"، ثم انتقلت إيران إلى المرحلة الثانية من لعبة التفتيت الطائفي في العراق، حيث اعلنت قوات الحشد الشعبي ان استعادة الأنبار ستستغرق "بعض الوقت"!!. وللمفارقة، يبدو أن كل الأطراف باتت معجبة بفكرة "كسب الوقت" لتكريس معطيات واقع ما يخطط له، فالولايات المتحدة ترى ان هزيمة داعش تتطلب عشر سنوات على الأقل، والحشد الشعبي من جانبه بات يريد "بعض الوقت" لتحرير الأنبار"، والتماهي بين الأفكار هنا واضح وجلي والهدف هو تكريس واقع ديمغرافي جديد في جنوب العراق.
من ينظر إلى خارطة العراق، يدرك بسهولة أن فكرة وجود حشد شيعي في الأنبار على حدود السعودية والأردن تستهوي الجنرال الفارسي قاسم سليماني من دون شك، فالفكرة جذابة ولامعة وتعني الكثير على صعيد التخطيط الاستراتيجي الايراني للتدخل في شؤون الدول العربية. والفكرة تعني ببساطة تسهيل قنوات التواصل وتقديم الدعم في وقت الضرورة للشيعة في السعودية، فضلا عن أن مسألة "بعض الوقت" هذه تستدعي من الذاكرة فكرة فتح المجال للتطهير الطائفي التي طبقتها الميلشيات الشيعية العراقية في محافظةديالى على بعد 65 كيلومتراًشمالشرقبغداد؛لتغييرالخريطةالديمغرافيةلمصلحةالشيعة!.
هناك أمور أخرى أكثر تفصيلا ترتبط وارتباطا مباشرا بنوايا إيران في العراق وغرامها التاريخي بفكرة التواجد على حدود الدول العربية وتخومها، بحيث يسهل تفعيل انشطة التخريب والخلايا النائمة والبحث عن منافذ وطرق جانبية مؤثرة للوصول إلى حدود دول مجلس التعاون، ومن هذه الأمور قضم مناطق جغرافية سنية في العراق وضمها إلى مناطق شيعية الهوية. وهنا أشير إلى قرار رئيس الوزراء العراقي العبادي الذي أصدر قرارا لافتا بفصل منطقة النخيب أمنيا عن محافظة الأنبار تمهيدا لضمها إلى كربلاء، وهي خطوة بالغة الدلالة لتقديم تفسير واضح لمايحدث في العراق من صراعات تدعم سيناريو التقسيم، فالنخيب موضع مطالبة شيعية لضمها إلى محافظة كربلاء الشيعية واقتطاعها من محافظة الأنبار السنية في السنوات الأخيرة، وسكانها من السنة ذوي الامتداد القبائلي في السعودية، فضلا عن أهمية منطقة النخيب استراتيجيا، فأراضيها تحتوي في باطنها احتياطات نفطية ضخمة، فضلا عن كونها توفر مجالا رحباً لإحكام الطوق الشيعي على السعودية، عبر تغيير التركيبة الديمغرافية في هذه المنطقة.
&