جمعت صلوات موحدة العشرات من السنة والشيعة مؤخرا في كل من السعودية والكويت والبحرين، ردا على الهجمات الإرهابية التي طالت السعودية والكويت في الفترة الأخيرة، وراح ضحيتها المئات بين قتيل وجريح. كما دعا خطباء المساجد في كل دول الخليج العربي إلى التراحم والتلاحم بين أبناء الوطن الواحد لكونهما من أعظم نعم الله على عباده. كما دعا المواطنون الخليجيون عبر وسائل التواصل الإجتماعية إلى تعزيز اللحمة الوطنية من خلال التواصل والخطاب المعتدل والتقارب بين أبناء الوطن الواحد.

هذه الخطوات الحميدة والمشجعة جاءت كرد فعل للأحداث المؤلمة، وليست كخطوات إستباقية لمنعها، وهذا لا يعني أننا نقلل من شأنها أو أهميتها، فأن تأتي متأخرة خيرا من أن لا تأتي أبدا، ويمكن إعتبارها خطوات أولى في مسيرة الألف ميل للقضاء على ظاهرة العنف الطائفي التي تجتاح العالم العربي وبعض الدول الإسلامية، إذا صفت القلوب والنفوس، وتوقف الشحن والتحريض الطائفيين من قبل بعض أجهزة الإعلام العربي الرسمي وغير الرسمي.

ظاهرة العنف الطائفي - هذا الوباء القاتل - لا يمكن معالجتها إلا بعد الكشف عن مسبباتها التي يعرفها البعض ولكنهم يتسترون عليها. ما قام به هؤلاء المغرر بهم من جرائم ضد فئة من الأبرياء من أبناء وطنهم لم يأتي من فراغ، بل جاء تطبيقا عمليا لفتاوى صادرة من جهات رسمية محسوبة على الدولة التي ينتمي إليها أدعياء الدين الذين أصدروا هذه الفتاوى الفاسدة والمحرضة على القتل وإستباحة الدماء، والموثقة والمحفوظة في إرشيفات المؤسسة الدينية التي يديرونها.

إليكم عينات من هذه الفتاوى كما جاءت في مقال للكاتب السعودي "الأستاذ أحمد عدنان" بعنوان "حرب السعودية ضد داعش تبدأ بمراجعة الخطاب الديني" المنشور في جريدة العرب اللندنية بتاريخ 2/6/2015م، ويمكن الرجوع إلى المقال لمن يريد المزيد. يقول الكاتب:

"على صعيد الخطاب الديني، تمتلئ الأدبيات الدينية ، رسميا وشعبيا، بفتاوى تكفير الشيعة والتحريض عليهم، على الصعيد الرسمي نشير إلى فتوى عام 1927م والتي نصها: وأما الرافضة، فأفتينا الإمام – يقصدون الملك وقتها – أن يلزمهم البيعة على الإسلام، ويمنعهم من إظهار شعائر دينهم الباطل، وترك الشرك من دعاء الصالحين من أهل البيت وغيرهم، وعلى ترك سائر البدع في إجتماعهم على مآتمهم وغيرها، مما يقيمون به شعائر مذهبهم الباطل، ويمنعون من زيارة المشاهد في العراق، ويرتب الإمام – أي الملك – فيهم أئمة ومؤذنين ونوابا من أهل السنة، ومن أبى ينفى عن بلاد المسلمين". وكذلك فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء رقم: ج2/377 التي لا تفرق بين علماء الشيعة وسادتهم وبين عوامهم، فكلهم مشركون يستحقون التكفير والتفسيق والقتال".

"إضافة إلى ذلك فتاوى عضو هيئة كبار العلماء "الشيخ صالح الفوزان"، ومنها: أنه يبرأ إلى الله ممن يقول إن الشيعة إخواننا، بل هم إخوة الشيطان. وفي فتوى أخرى لا يفرق بين عوامهم وخواصهم. وفي فتوى ثالثة&كفرهم تماما وصراحة لأسباب تنم عن جهل مدقع، كالإدعاء بعبادة الشيعة لعلي بن أبي طالب (ع)، أو قولهم بأن القرآن ناقص".

"وإذا إنتقلنا إلى الفتاوى غير الرسمية، لدينا مؤلف "ناصر العمر" (واقع الرافضة في بلاد التوحيد)، وكذلك فتوى محمد العريفي: (بأن الديانة المجوسية هي أساس المذهب الشيعي، وأنهم يرفعون آل البيت إلى مقام الألوهية أو النبوة). ولا ننسى رجل الدين البارز عبد الرحمن البراك، الذي أفتى صراحة: (بأن الرافضة في جملتهم هم شر طوائف الأمة واجتمع فيهم من موجبات الكفر، هذا واقع الرافضة الإمامية الذين أشهرهم الإثنا عشرية، فهم في الحقيقة كفار مشركون لكنهم يكتمون ذلك)". إنتهى الإقتباس.

طالما بقيت هذه الفتاوى الفاسدة في الكتب التي تدرس في المدارس والجامعات ويسترشد بها طلبة العلوم الدينية في أكثر من بلد عربي وإسلامي، فهي بمثابة أسلحة فتاكة يلجأ إليها المتطرفون في كل وقت وفي كل بلد لتبرير قتل كل من يختلف معهم، بإعتبارهم كفارا يجب إجتثثاهم من فوق الأرض طبقا لهذه الفتاوى. لذا لا يمكن إبطال مفعول هذه الفتاوى الفاسدة إلا بإصدار فتوى / فتاوى مضادة من الجهات الشرعية الرسمية في نفس البلد تفند خطأ هذه الفتاوى وتدحضها. كما يجب سحب هذه الكتب الصفراء من المدارس والجامعات ويمنع تدوالها وإعادة طباعتها. السؤال: هل هذا ممكن؟

لا يمكن القضاء على ظاهرة العنف الطائفي إلا بإعتماد خطة متكاملة تغطي الجوانب السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والفكرية، على أن تسبقها خطوة مهمة جدا وهي: أن تعترف حكومات الدول العربية والإسلامية بوضوح وبدون لبس بجميع مكونات شعوبها، وحق هذه المكونات في ممارسة عقائدها الدينية والمذهبية بحرية تامة، دون المبالغة المتعمدة في طريقة الممارسة أو الإعتداء على حريات الآخرين. وأن هذه المكونات جميعها متساوية في الحقوق والواجبات وأمام القانون، ولا يجوز تحت أي عذر أو مبرر لأي مكون سواء يمثل الأغلبية أو الأقلية من الإنتقاص من باقي المكونات أو التشهير بها أو التحريض عليها. بإختصار هذه مبادئ وأركان الدولة المدنية التي تحفظ الحقوق والواجبات التي ندعوا إلى إعتمادها كوسيلة للحكم الصالح.

للأسف الشديد، هناك دول لا زالت تعامل بعض مكوناتها على أنهم مواطنين من الدرجة الثانية، رغم تشدق هذه الدول بأن دساتيرها وقوانينها تنص على مبدأ المساواة بين جميع المواطنين، والجميع يعرف أن هذه الدساتير والقوانين ما هي إلا حبر على الورق.

آخر الكلام: أنا أشجب كل الفتاوى التي تكفر المسلمين وغير المسلمين، سواء جاءت من رجال دين شيعة أو سنة، بل أدين الجميع، لأن هؤلاء الأدعياء أعداء لكل الأديان وللإنسانية جمعاء.

يقول شيخ المتصوفين "محيي الدين إبن عربي: "الطريق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق".