أغلق القضاء الفرنسي التحقيقات بملف اغتيال الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بعد سنوات من الأخذ والرد فجره تقرير لقناة الجزيرة القطرية قبل سنوات حاول أن يوجه الأنظار باتجاه احتمال تنفيذ إسرائيل لعملية اغتياله بمادة "البولنيوم" المشع عبر عملائها والسعي لرمي الاتهام مباشرة على أطراف فلسطينية.

ملف القناة القطرية فتح الباب واسعاً أمام الاحتمالات والتحقيقات الدولية الواسعة والتي كانت بعيدة عن الشبهات لتصل إلى نتيجة واحدة لم تؤكد هذا الاحتمال بالمطلق لكنها لم تنف احتمال تعرض عرفات لعملية اغتيال بأسلوب أخر.

الخطير في برنامج الجزيرة الوثائقي والذي أثار الكثير من الغبار محاولة إثبات فرضية أن اغتيال الزعيم الفلسطيني تم بأياد المقربين منه، ونفي القضاء الفرنسي لعملية الاغتيال حسب نظرية الجزيرة يسقط الاتهام عن دور ومسؤولية إسرائيل في حصار واستشهاده.

ما يقارب أحد عشر عاماً على رحيل ياسر عرفات وحقيقة وفاته ما زالت مجهولة في ظل إصرار فلسطيني على اتهام إسرائيل وتحميلها مسؤولية اغتياله خاصة وأنه حوصر ثلاث سنوات في مقره المفتقد أبسط ظروف يمكن لرجل تجاوز السبعين من العمر تحملها ومواجهة تبعاتها.

نتيجة قرار القضاء الفرنسي لن يغلق الملف لكنه يلقي بالكثير من الشكوك والظلال على حقائق سعى برنامج قناة الجزيرة القطرية لطمسها ومحاولة تحويل الأنظار نحو زاوية محددة هدفها خدمة إسرائيل أساساً وتبرئتها من الجريمة، وبالمقابل يظهر حالة من عدم قدرة الفلسطينيين على التقدم بالتحقيقات في ظل عدم وجود مؤيدات ومعلومات تسهل أو تساعد في الوصول للحقيقة.

المشكلة الأكبر التي تواجه القضية الفلسطينية بعد سنوات بدأت تطول على رحيل ياسر عرفات تكمن في تشظي الواقع الفلسطيني وتراجع أهمية القضية وحضورها في الاهتمام العالمي، والكثير من الأسباب لا علاقة للاحتلال والصهيونية والامبريالية بها بل بواقع وصل له الحال من انقسام وفشل مشروع السلام مع إسرائيل بعد اثنين وعشرين عاما من عبث التفاوض لم تؤدي سوى لنتائج سيئة ساهمت في تردي الحال والانكسار الذي ألت إليه.

هل يمكن اليوم أن يتحدث الفلسطينيون عما يمكن تحقيقه من أحلامهم المتضائلة يوماً بعد يوم فمن حلم التحرير وإقامة الدولة الديمقراطية وصل الحال للقبول بالحياة كسلطة تسيير أمورهم تحت الاحتلال مع مساحات من الوهم بوجودهم ككيان مستقل لكن دون أي شيء يجسده على الأرض.

في الشطر الأخر من الحلم الفلسطيني المنكسر في غزة يحارب قادة حماس لسرقة ما تبقى من مشروع دولة فلسطينية تحول لإمارة تهيمن عليها عصابة بالقوة، وتفاوض إسرائيل بوساطة قطرية وتركية لاستعادة حال قطاع غزة لما كان عليه قبل أن تقوم بانقلابها المشئوم.

التناسي العربي والإسلامي والتضامن الدولي مع القضية صار الغائب الأكبر في ظل تبدل اهتمامات الفلسطينيين من مواجهة إسرائيل في كل المحافل الدولية ورفع علمهم إلى صراعات تطحنهم على سلطة وهم لا يملك إمكانيات الوجود ولا يحمل من الحلم سوى نهايته.

سبعة وستون عاماً على نكبة فلسطين تبدو القضية اليوم في مرحلة الشيخوخة والانكسار بعد انهيار جدار الدعم العربي جراء نكبات ثورات الخراب التي ضربت المنطقة وأغرقت شعوبها بهموم محلية أنستهم ما يدور حولهم وأغرقتهم بمصائب لن يخرجوا منها سالمين لزمن طويل قادم.

واحدة من القضايا المنسية في الحال الفلسطيني هم اللاجئين الذين وبعد سنوات قليلة سيفقدون كل من ولد قبل النكبة في وطنهم، والأرض التي استقبلتهم لسنوات طويلة ضاقت بهم في دول الشتات وصارت أسماك البحر المتوسط تتلهم جثث الفارين منهم من نكبة إلى نكبات.

كيف سيكون حال الفلسطيني في القادم؟ لا تبدو الصورة في مجملها تخرج عن استمرار التطاحن بينهم ليس من أجل تحقيق حلم أو الأمل بعودة لوطن شردوا منه أو لفكرة تنير الطريق للقادم، بل كل ما يسعون له في أحلامهم لا يخرج من سراب إلى سراب.&