اختلفت اللهجة الأميركية والغربية عموماً حيال الأزمة السورية، بعد إعلان موسكو رسمياً عن موقف كان معروفاً، فقد رحبت واشنطن بالتعاون العسكري مع روسيا لقتال داعش، وأعلنت رغبتها بالتوصل إلى تسوية سياسية تستثني وجود الأسد لفترة طويلة، ما يعني أنها لم تعد تشترط رحيله كلياً في أي حل سياسي، كما يعني رضوخها للأمر الواقع الذي فرضته روسيا، بإرسالها معدات عسكرية حديثة وآلاف الخبراء العسكريين إلى أرض المعركة، وإصرارها على أن الأسد خط أحمر ولا يمكن أن تتخلى عنه، وجاء ذلك بعد إدراك واشنطن عدم قدرتها على كسب الحرب ضد داعش قريباً، مع رفض حلفائها إرسال قوات برية لحرب الدواعش، وفشل خططها لتدريب معارضة سورية معتدلة، مع تداعيات تدفق مئات آلاف اللاجئين السوريين إلى بلاد حلفائها الاوروبيين وتوقع بروز أزمة ديمغرافية، تهدد بانهيار الاتحاد الاوروبي.
فرض الكرملين قواعد لعب جديدة، تُحتّم على جميع المعنيين إعادة النظر في حساباتهم، والهدف إرساء تسوية سياسية مرضية لموسكو، وفتح حوار بشأن أزمة أوكرانيا للتخلص من العقوبات، لكن لا أحد يعرف تداعيات هذا التدخل أو الحدود التي سيبلغها، وبديهي أن الوجود العسكري الروسي في سوريا، رفع مستوى الإسهام الروسي في تقرير اتجاهات تطور الأزمة، ويملي على مختلف اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين، المرور بموسكو قبل الذهاب إلى دمشق أو ما يحيط بها من عواصم المنطقة، روسيا من الآن وصاعداً، ستعلب دوراً مقرراً في تحديد مستقبل الأزمة السورية، خصوصاً وأن موسكو ترى أن سوريا والعراق، هما خط الدفاع الأول عن أمنها واستقرارها، في القوقاز والجمهوريات السوفياتية السابقة وفي روسيا ذاتها، وسوريا بسواحلها المتوسطية تمثل البوابة وموطئ القدم في المياه الدافئة، وهي باتت عنواناً للنجاح أو الفشل في الحكم على تجربة روسيا الصاعدة على الساحة الدولية بزعامة القيصر بوتين
.
تل أبيب تراقب مقتنعة بأن التدخل الروسي يصب في مصلحتها لأنه يتم بالتنسيق معها، فروسيا لا تتدخل إلاّ دفاعاً عن مصالحها، ونتنياهو لم يزر موسكو ليوقف انتشار القوات الروسية قرب حدوده، وإنما لتنسيق المواقف، وثمة من يرى أن لإسرائيل مصلحة في ذلك، فذلك سيؤدي إلى الاستقرار، الذي يمثل السيناريو الأفضل إسرائيلياً، وهي تفضل إطالة أمد النزاع لتدمير جميع الخصوم، ومنهم إيران وحزب الله وتركيا، إلى جانب تدمير سوريا كدولة، وقد نجحوا في ترجمة هذا التوجه من خلال المواقف الأمريكية والغربية، واستخدموا التهديد العسكري الأمريكي مرة واحدة بشكل واضح من أجل انتزاع السلاح الكيماوي، ونجحوا فيما أرادوا، ولو كانت سياسة موسكو في سوريا لا تخدم الرؤية الإسرائيلية لكان لتل أبيب موقفا آخر.
&
بعض يساريي وقومجيي العرب، يتعاملون مع بوتين بوصفه جيفارا، أو كأنه الأمين العام للحزب الشيوعي، وكأن الاتحاد السوفياتي ولد من جديد، ويجهلون أو يتجاهلون أن بوتين يدافع عن مصالح روسيا، قبل الدفاع عن الأسد، غير أن أبواق بعض الجهلاء يرفضون تذكر هذه الحقيقة، وهم سادرون في غيهم يعمهون، حد الزعم المضحك بأن نتنياهو ذهب إلى الكرملين للتحاور حول أفضل السبل لتقوية أعداء الإرهاب التكفيري الذي يهدد الجميع، بمن فيهم الأسد وإسرائيل وروسيا.
&يأتي الحضور الروسي الراهن في الأزمة السورية، على قدر ما تشتهي عمان والقاهرة وأبو ظبي، ويواجه بصمت سعودي، ليس معروفا إن كان معناه الرضى أو نتيجة حسابات معقدة، غير أن المهم في الرياض أن التقدم الروسي سيترافق مع تراجع إيراني، ويظل السؤال عن موقف الحكم السعودي من مسألة دور الأسد في الحكم في المرحلة المقبلة، وهل يمكن التخلي عن تشددها وإصرارها على عدم القبول بأية تسوية لاتتضمن خروجه من مستقبل سوريا، أما قطر فقد بات موقفها فائضاً عن الحاجة بعد تفعيل دور مصر والسعودية، وعاد للمشيخة الطامحة حجمها الطبيعي الذي لايتعدى التبعية لأنقره وتنظيم الإخوان.
&أميركا لا تدعم التدخل الروسي لكنها لا تعارضه، وهي اليوم أمام خيارين أحلاهما مر، إما الأسد أو داعش وتنتظر مبادرة بوتين في نيويورك أواخر هذا الشهر، وتسرب منها ضرورة توحيد جميع الأطراف لضرب داعش تحضيراً لاتفاق سياسي لحل الأزمة، عبر دعوة القوى الإقليمية والدولية المؤثرة، للضغط على المجموعات المسلحة للقبول بالحل السياسي، ويبدو أن إدارة أوباما تجد في هذه الخطط مخرجا من موقفها المتخاذل من الأزمة، وطهران منزعجة بالتأكيد من التواجد العسكري الروسي في سوريا، عبّر عن ذلك الرئيس روحاني قائلا "إن الجيش الإيراني هو القوة الرئيسية لمكافحة الإرهاب في المنطقة التي عليها ألا تعتمد على القوى الكبرى".
وبعد، هل يقرب الموقف الروسي موعد الحل السياسي أم يفتح الباب على مزيد من العنف، وهل يتمكن بوتين عبر دعمه العسكري للنظام& من تطويع مواقفه بما ينسجم مع الاستحقاقات السياسية المرتقبة، أم يعزز ذلك تشدّد النظام وإصراره على الخيار العسكري وعدم تقديم أي تنازلات، وهل يؤدي التصعيد& إلى الحفاظ على وحدة سوريا أرضاً ودولة، أم يكون خطوة على طريق التقسيم لتشكيل ما يسمى سورية المفيدة الكفيلة بحماية مصالح روسيا ونفوذها في المنطقة، وهل يكون هذا التطور منعـطفاً في مسار الصــراع، يعمق الاصطفافات أم يغدو أداة ضغط لإقناع الجميع بالحل السياسي، الأيام القادمة تحمل الأجوبه.

&