تنتشر ظاهرة قتل النساء، بمختلف الاعمار في منطقة الشرق الأوسط، بحجة غسلا للعار!، لا بل ان دول عديدة، وضعت قوانين خاصة تخفض من العقوبة لو كان القتل لسبب الدفاع عن الشرف او غسل العار.

من المعروف ان القانون هو صورة عن المجتمع، بمعنى انه يقدم صورة واقعية عن المجتمع من النواحي الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، فالمجتمع المنفتح والذي ترتقي فيه القيم الإنسانية جراء التطور الثقافي والانفتاح الاجتماعي والقدرة الاقتصادية، تكون العقوبات فيه اكثر مراعاة للحياة الإنسانية ومنحها القيمة العليا، وبالتالي تقل فيه العقوبات الشديدة، ان كان ممكنا تبريرها لاسباب اجتماعية وسياسية واقتصادية. ولكن قتل النساء في مثل هذه المجتمعات يكون في الغالب مدانا ويمنح العقوبة القصوى لانه يعتبر اعتداء على حق الانسان في الحياة بالاظافة الى كونه اعتداء على الحرية الفردية التي يكفلها القانون في مثل هذه المجتمعات. اما المجتمعات التي لا تزال تسير بحسب القيم العشائرية او القريبة منها والمغلفة بالمفاهيم الدينية، فان القانون هنا أيضا يعبر عن المجتمع وقيمه، ورغم اننا ندين الكثير من القوانين النابعة من القيم العشائرية، لان هذه القيم لم تعد تتلائم مع الواقع الحالي، من حيث البنية الاقتصادية او الاجتماعية، لان العشائر المنعزلة والغير المختلطة ولى زمانها، كما ان العشائر في الغالب كان موردها الاقتصادي من الرعي واليوم لم يعد للرعي مكانا . الا ان الإدانة هنا لا تكفي، بل يجب البحث عن طرق صحيحة لوقف قتل النساء وجعله مستحيلا، على الأقل ككونه غسلا للعار، ان لم نتمكن من محو الجريمة في المجتمع كليا.

مشكلة قتل النساء بدعوة غسل العار، فيها باعتقادنا ضحيتان، المقتولة غيلة وغدار وبلا سبب، والقاتل الذي يدفعه المجتمع لاقتراف جريمته النكراء، والا فانه سيخسر الكثير من مكانته وقد يصل الامر الى مقاطعته اقتصاديا واجتماعيا، وهذا في الحقيقة عقوبة قتل غير معلن، وقد تصل الى الاسرة بكاملها، مما يدفع الاسر لدفع ابناءها لاقتراف مثل هذه الجرائم وخصوصا القصر لكي ينالوا بالاظافة الى التسهيل القضائي باعتبار الجريمة غسلا للعار حسب العرف الاجتماعي العشائري، وتسهيلا لكونه قاصر مما يجعله ينال عقوبة مخففة جدا، تجعله يعود سريعا الى منزل ذويه مكللا بالفخر والعز وكلمات الاطرا والمديح من محيطه.

يقول احد شعراء الاشوريين في القرن الثالث الميلادي، وهو الشاعر برديصان، اننا نحن المسيحيين لا نقتل النساء السيئات، وهذا يدل على قدم ظاهرة قتل النساء غسلا للعار، ويظهر أيضا انتشارها في المنطقة بمختلف الأمم، ولم تقتصر على العرب او الكورد فقط. ولكن اعتناق أفكار جديدة او معتقدات قد يخفف من هذه الظاهرة او يلغيها، او يمكن ان تعود مرة أخرى حينما تخف مظاهر او تاثيرات المعتقدات وتتغلب العادات الاجتماعية المحيطة على الجميع. وفي هذا الاطار ترد الى خاطري حوار سمعته بين امراتين اشوريتين من طهران وهما جالستان في سيارة نقل عام، &تتحدثان عن زواج فتاة اشورية من شخص مسلم حيث اعتبرتاه، خروج عن العادات والتقاليد واعتبرتا الفتاة غير شريفة، فقالت احداها للاخرى لو تم قتل واحدة منهن لما تجرأت اخريات على هذه الفعلة، علما ان المسيحيين والمسلمين في زمن الشاه كانوا يتزاوجون بحرية وبدون أي عقد دينية، وكان يمكن لاي واحد ان يعتنق دين الاخر وبدون ضغوط او يبقي كل منهما على دينه، ولكن حينما منعت الحكومة الإسلامية زواج المسلمة من غير مسلم من غير ان يعتنق الإسلام، تغيرت نظرة الاخرين للامر معتبرين الزواج في هذه الحالة تنازلا عن الهوية وضرر يصيب المجموع وليس امر فرديا. من خلال هذا المثال اردت أيضا توضيح ان العامل الاجتماعي والتعامل بالمثل يمكن ان يشيع الظاهرة لتصل الى اطراف تحرمها او لا تستحبذها لكونها مخالفة لشرائعها كالمسيحيين مثلا.

اذا لكي نعالج المشكلة، باعتقادي ليس فقط المطلوب استنكارها، بل تخليص الناس من حبائل المجتمع التي تلتف على رقاب الناس وتجعلهم يختارون هذا الخيار الدموي لانهاء ما يواجهونه من رفض المجتمع لهم. ان الامر قد يتطلب قوانين رادعة تمنع وتحد من هذه الظاهرة كحد فاصل بين ممارستين. والعودة الى الجذور من خلال الاهتمام بالتعليم وترسيخ مفاهيم قدسية الحياة والمساواة . ويتطلب على الأقل جعل التعليم مختلطا، وضرورة المشاركة في النشاطات الاجتماعية والرياضية والفنية، كل هذه الأمور، ستقرب الجنسين من بعضهن البعض، وينمي روح الاحترام والمشاركة الإنسانية بين الجميع. يجب افهام الكل ان هناك قيم إنسانية مشتركة بين الجميع، ومنها قيمة احترام الحياة لانها هبة الخالق، وتفنيد كل ما يجعل الحياة رخيصة. قتل النساء، بدعوة انه غسل للعار، يجب ان ينتهي بانتهاء اعتبار الممارسة الجنسية خارج اطرا الزواج عارا، بل باعتباره ممارسة شخصية بحتة ولا يمكن لاي فرد التدخل فيها. ان الوصول الى هذا الفهم وترسيخه بالتأكيد لن يكون بين ليلة وضحاها، ولكن العملية تتطلب بعد نظر من الجميع، فالغاية هنا ليست استباحة الممارسة الجنسية خارج منظومة الزواج، بل ترسيخ مفاهيم الحرية وقدسيتها ما لم تتعدى على حريات الاخرين.

ان تخليص الناس من سيطرة رجال الدين، ودفعهم للاحتماء بالقوانين المدنية، امر ضروري، ولكن هذا الدفع لا يمكن ان يكون اليا، بل يتطلب تضحيات وحوارات في المجتمع. لقد فرض البعض مفهومهم للشرف بانه يقع ما بين فخذي امراة، فبئس شرف يكون في موضع التبول. ان العودة الى مفهوم راقي للشرف، برفض الكذب والسرقة والاعتداء والتكابر هو من مهام رجال التعليم والمثقفين ورجال الدين المتنورين، رجال دين يفترض بهم احترام حقوق الانسان لان دولهم وقعت على مواثقي هذه الحقوق، ولان دولهم جزء من المجتمع الإنساني.

قد يكون هناك تمايز بين مجتمع واخر في بعض المفاهيم، ولكن العالم يسير نحو وحدة المفاهيم والقيم، وبهذا المسير فان العالم لا يقوم بإلغاء دور الأديان، ولكنه يضعها في موضعها الصحيح وهي علاقة الفرد بربه. ان المنطقة وممانعتها من الانخراط في المسار العالمي، ا ضطرت لتصرف موارد مالية كثيرة لبناء جسور لاظهار تمايزها واعتبار هذا التماييز، علامة على انها ارقى من غيرها لانها تمتلك بحسب زعمها الدين الأمثل، وكانت النتيجة حركة التراجع عن كل ما خطته المدنية في المنطقة واعتبارا من السبعينيات ولحد الان. ومن خطوات التراجع، كان التراجع عن احترام حق الحياة، والذي طال كل فئات المجتمع، من خلال شيوع العنف بكل اشكاله، وكانت ضحيته الكبرى النساء، والأكثر مرارة ان بعض النساء يدافعن عن تراجع موقعهن ومكانتهن وحياتهن في المجتمع بحجة حماية هويته.