&
السقوط في الفراغ هو الحصيلة المنطقية لإستبدال نظام سياسي بأي شيء آخر. الدخول في منطقة إنعدام الجاذبية والوزن والتأثير والسباحة في فضاء الظلمات ليس خيارا. &النخب السياسية عندنا تعشق التحليق والطيران. والنخب غير السياسية أيضا. منهم مَن وُلد بأجنحة عن طريق الوراثة العائلية. ومنهم مَن تجنّح فيما بعد عن طريق الخبرة الطويلة في حياكة الدسائس.
&الأرواح المظلمة تمقت الشمس والميكاواط. مكانها الحقيقي هو في الأقبية والخرائب والسراديب والكهوف وليس في المناصب العليا للدولة. الظلام يذكّر بالسجون. السجون المتحرّكة أقسى أنواعها.&
الإستبداد هو منجم التعصّب. يساعد على تقوية الولاء والطاعة العمياء للديكتاتور دون نقاش. المستبدّون غالبا ما يصغون للرأي الذي يُطربهم، وأحيانا للرأي الذي لا يُطربهم. الصّمم ليس من سمات النظم السياسية. مغلقة كانت أم مفتوحة. لكنّها صفة ملازمة للفوضى ولطيور السياسة وصقور الدين وجوارح الفساد. تلك التي اعشاشها في السماء وفي بنوك الخارج.
&في الفوضى يعمّ الصخب والضجيج وتختفي معالم الحقيقة في الدخان والضباب كي تختلط الأشباح بالبشر. يختلط الحقّ بالباطل، العارف بالجاهل، السارق بالأمين، الهذيان بالحكمة، الصادق بالكاذب، الضحايا الحقيقيون بالضحايا المزوّرين، التقوى بالدعارة، السياسة بالسمسرة، شوارب البعث بلحى المؤمنين، الديكتاتور بضحاياه. ماذا لو عاد الشهداء هذا الإسبوع كما كان يتمنى الكاتب الجزائري الراحل " الطاهر وطّار"؟.&
ولكن هل الفوضى هي قدر ما بعد الديكتاتوريات؟. لا أظنّ ذلك. الحرّية مربكة حين لا ترتبط بالمسؤولية ولا ترتبط بالوعي وبالمعرفة. وهي لا تعني أن تفعل ما تشاء ولا تعني أن تمضي في كلّ الإتجاهات كيفما أتفق دون بوصلة أو دليل. الحرّيات السياسية ضرورية ومطلوبة، لكنّها لا تصنع أفرادا أحرار بالضرورة. خصوصا حين تكون العبودية والتبعية والإستتباع متأصلة وجذورها ضاربة في الأعماق.&
الحرّية عمل مضني وشاق وطويل قد يستمر العمر كلّه. والتحرّر هو مواجهة مفتوحة مع السائد وتحدّي للمسلّمات ووعي بالذات وإحترام داخلي لفرديتها ولحقّها في الإختلاف. المنشورات الحزبية والكراريس الدينية تعلّمنا أصول الطيران في سبعة أيام. في اليوم الثامن كلّ التعليم يتهاوى وكلّ الأقنعة تتساقط. الواقع الصلب بكلّ مراراته هو على الأرض لا في علياء النخب وأوثان المفاهيم الناقصة التكوين. مَن ينشد الحرّية عليه التحرّر أولا من وصايا وتعاليم الإمّعات.
التحرّر من هؤلاء الذين ظنّوا أنفسهم أحرارا. من قادة المستنقعات التي لا تشبه سوى أرواحهم المستعبدة المتنكّرة بثياب الأحرار. إستمع وشاهد ولا تتكلّم، فالكلام فضيحة واللغّة ورطة. إستثمر في الخراب وإستعرض قدراتك على التخريب. الراقصون على الحبال والمتلاعبون بالكلام والكلمات، محازبو أحزاب الحزب الواحد، هم وحدهم يستوفون هذه الشروط المطلوبة.
الأكاذيب تحاصرنا وتكاد تخنقنا. عمليات التزوير والتشويه والإنكار وقلب الحقائق تطال السياسة والثقافة والدين والإقتصاد والإعلام وكلّ شيء. شمس الحقيقة وحدها ستحرّرنا. الشمس تخيف الأجنحة المزيفة.
&
باريس
&&
&