&

يرعبني توجه بعض أبناء شعبنا الاشوري، يرعبني ليس لعدم صدق نياتهم القومية، وليس لانني اشك في توجهاتهم، بل لانني أرى جهدا اقل ما يقال عنه، انه جهد ضائع وغير مجدي ويضر القضية القومية من أساسها. والغالب في هذه التوجهات هي من أبناء شعبنا ممن يعيش في المهجر. واحد أسس هذه التوجه هو محاولتهم خلق نوع من التصدام وان كان لفظيا مع الكورد والحركة القومية الكوردية. مستندين على احداث في الماضي القريب والبعيد. وهذا الموقف اراه اخضاع مصلحة الامة ومستقبلها لمتطلبات أيديولوجية او لنقل، للرغبة في الانتقام، مع عدم القدرة على التنفيذ. ولذا فان احد تجليات موقفهم الملتبس، هو المطالبة من العالم ان يتفهم قضيتهم وان يساند موقفهم المعادي للتطلاعات المشروعة للكورد، وان يتم معاقبة الكورد على ما اقترفوهوا بحقنا. في حين العالم يسير عكس الاتجاه، أي عدم تحميل الأبناء جريرة ما اقترفه الإباء. على الأقل عدم تحميل شعب بكامله، هناك حالات لتحميل مؤسسات ودول نعم، ولكن الكورد لم يكونوا يمتلكون دولة حينها. &بل يمكن القول ان واقع أبناء شعبنا يناقض ما يطالبون به، وهو واضح وضوح الشمس، ولكنهم لا يدركونه، لانهم وضعوا عصابة الكراهية والحقد على اعينهم مما يجعل رؤيتهم ضبابية ان لم تكن لهم رؤية اصلا. وعندما أقول أبناء شعبنا في المهاجر، فانا اعنيهم حتما باللامنطق في ما يدعونه العمل القومي. فهم فور وصولهم للمهاجر، يهيؤن انفسهم لتسلم جنسية البلد الذي وصلوا اليه، ويطالبون بكامل حقوق المواطنة، لا بل ان بعضهم في الامريكيتين وأستراليا، يكررون ما يرفضونه للكورد، طبعا عدا المذابح وعمليات القتل وغيرها. فهم يشاركون بسلب أراض شعب سلبت منه، هذا اذا كنا حقا ممن يدعون ان الأرض هي ملك شعبها الأصلي، فلماذ يرضون لانفسهم ما يرفضونه للكورد. التناقض الاخر هو قبولهم بالعراق، ولكن عدم قبولهم بما قرره العراق من ان كل من كان يسكن في تاريخ محدد العراق، هو عراقي. انها حالة عجيبة وقد تعبر عن نوع من المرض النفسي، فكلما تراجعنا وخسرنا المزيد من الأوراق، نرى هذا البعض يزايد ويطالب بمطالب مستحيله تضع العمل القومي الاشوري في موقع اليأس وتخصعه لمزيد من المصاعب وتزيد من اعداءه.
لا خلاف بين القوميين الاشوريين على ما حدث، ابان احداث بدرخان ومحمد كور والمذابح المتتالية الأخرى كالمذبحة الكبرى ومقتل مار بنيامين شمعون، والتي شارك فيها الكورد كمسلمين او كعشائر ضد شعبنا، فهذا من التاريخ المكتوب والمروي والقريب على الذاكرة، لا بل ان بطون وحواشي الكتب القديمة تذكر الهجمات المتتالية منذ قرون، والتي قامت بها عشائر كوردية او عصابات سلب ونهب من الكورد. هذه حقائق لا يمكن للكورد ان ينكروها، وقد يحاول البعض تبريرها، ولكن كل تبرير امام ما حدث لشعبنا سيكون غير مقنع. والامر المقنع حقا باعتقادي هو ذكر ذلك في التاريخ الذي يدرس للطلاب، كحالة من حالات الجرم بحق أناس مسالمين، وكجرم يجب ان لا يتكرر. اذا الكورد او بعضهم ليسوا ملائكة ابدا. ولكن ادراك هذه الحقيقة شيء وما &يطالب به بعض من حملة الشعارات القومية غريب حقا، فهم يفترضون عدم التعاون وعدم العمل مع الكورد والأحزاب الكوردية والكوردستانية وقيادة إقليم كوردستان! ويوصمون كل تعاون بانه خيانة، خصوصا لو اتى من جهات لا يؤيدنها، وبالأخص من اطراف يؤيدون تنظيما معينا. ان مثل هذه المطالب تبين على مدى قصر النظر في العمل السياسي لدى هؤلاء، ان نكران وجود الكورد واعتبارهم مستولين على أراض لنا وعليهم اعادتها بكل بساطة، هو نسف للمنطق السياسي ولواقع في حين لا نملك أي أدوات تساعدنا على ذلك غير الصراخ.
ان بعض الاشوريين يلغي السياسية من اجندته، ويتسلح بالممارسة العشائرية وتبعاتها، وهو يعيش في زمن ومكان وفي ظل قوانين لا تعرف العشائرية. ان السياسية حالة لا تتقبل الفراغ، ومن يترك موقعه او يتنازل عن حقوق،سياخذها الاخر، من هنا وبدلا من هذا الهدير الهائل من الكلام الذي لا معنى له، والاتهامات الفارغة والتي في الغالب تدل على الجهل اكثر مما تدل على الوعي بالمتطلبات القومية، من المفترض النقاش في اسلم الطرق للحفاظ على ذاتنا القومية، التي تكاد ان تنصهر في الاخرين وخصوصا في المهاجر. ان الكلام الذي يطلق هو في الغالب من نوع التنفيس عن الأحقاد، واحيانا اظهار البطولة الفارغة وخصوصا من على بعد الاف الاميال وخلف الجدران. وهذه الحالة لم تفد احد ولعل اقرب الناس الينا جيراننا العرب، فهم ضلوا سنين طويلة يسبون ويلعنون إسرائيل، ولكن إسرائيل تطورت وكبرت وترسخت اكثر واكثر، وهم بدلا ان يحققوا الوحدة والمطالب، تكاد حتى ما كانوا يديرونه يضيع من أيديهم، لنهم لم يحسنوا الإدارة في بحر السياسة المتلاطم. اذا المطلوب ليس لعن الاخر، ونكران حقوقه المشروعة، والتي هي واضحة وضوح الشمس في عز الظهيرة. ان العيب ليس في التعاون، فعالم السياسة ملئ بامثلة للتعاون والتحالف، كما هو ملئ بالعداء والخلاف. ان العيب هو في نوع التعاون والمطلوب إنجازه، ضمن الإمكانيات والقدرات الحالية. ان السياسية لا تعني الاقتناع، تعني خذ وكون وراكم وطالب، وهذا الخط والمسير معروف ولكنه محترم. فهل سنتمكن كاشوريين من وضع تصور لما نصبو له ونتمكن من ان نجمع مصادر قوتنا السياسية والاقتصادية والإعلامية، لدعم طموحات شعبنا المشروعة. نحن كامة وكشعب وكضحايا لمذابح اقترفها الاخرين، ممن الممكن ان نصل الى حالة، تفرض تصورها السياسي لمستقبل المنطقة، بشرط عدم انكار الحقوق المشروعة لجيراننا بحجة اننا شعب اصيل. صحيح نحن اقدم الشعوب التي لا تزال وتحمل عبق التاريخ، ولكن الاتكال على هذه العبارة، لا يعني عراقيا شيئا، فكل من كان موجودا حين تأسيس العراق، يعتبر اصيلا. والتغيير السكاني حدث، فالكثير من العشائر العربية والكوردية ذات أصول تاريخية قديمة وفيها اشورية تحولت بفعل العامل الديني الى تغيير الانتماء القومي.
الحلول المطلوبة باعتقادي هي حلول لا تنقص من حق الاخرين، ولكنها تضيف زخما ومشاركة من تم تهميشه بفعل النظرة الاستعلائية التي نظرت بها الشعوب العربية والكورد مؤخرا الى الاخر وخصوصا الغير المسلم. ان المنطقة تغلي ونحن مرة أخرى ضحايا هذا الغليان، وبعض الأطراف ينتظر ان يتخلص منا بفعل عامل الهجرة، لكي يتخلص من مشكلة او عقبة كما يراها، ولكن هذا البعض لا يدرك كم سيكون البلد عقيما بلا تعددية ثقافية. واطراف من شعبنا بمواقفها الغير المسؤولة تساهم في سرعة تخليص المنطقة من سكانه (( الأصليين)).
مرة أخرى الحل ليس في العداء، لهذا او ذاك، بل في خلق الصداقات المسؤولة والمبنية على المصالح وعلى موازين القوى الحقيقية والموجودة على الأرض، وليس على موازيين مبينة على أوهام واحلام. فهل سندرك كاشوريين اولياتنا ونضع مطالبنا الحقيقية موضع النقاش وندعمها، بدل المهاترات الحالية؟