&

& & بعد تامل طويل وتدقيق عقلاني وعاطفي وجدتنا نحن الكتاب وممن توزعت حياته على هذين القرنين المشؤومين، في حالة كحالة ديستويفسكي في روايته الانسان الصرصار(.. إنني أمرن نفسي على التأمل، فأجد أن كل سبب رئيسي أحصل عليه يستتبع سبباً رئيسياً آخر، وهكذا، إلى ما لا نهاية له) .
& &بمناسبة صدور الطبعة الثالثة من مجموعة قصصية أثيرة وثرية ابداعا ( سبق لي تقديم قراءة نقدي عن واحدة من قصصها) تقدمت الى الكاتب عن طريق الأيميل بالتهنئة وختمت بامنية قراءة نص جديد له في اي وقت قادم. فاجئني مشكورا بكتاب جديد عبارة عن رباعية قصصية موسومة ب(الطوفان).. وبالطوفان توق ميتافيزيقي لغسل الادران! الكتاب في طور الطبع ولذلك فانني لن اخوض هنا في سطحه المرئي تماما لكي لااستبق بما لايحق لي استباقه عملا بتقاليد الصنعة ولكنني ساغطس تحت السطح متخفيا باغصان النصوص واطيان الواقع الذي طوفانها منه طبعا. في لعبة الأختفاء بالأغصان والأطيان هذه، &لن اقلد واحدا من جنود غزاة البلد القتلة الذين يلعبون دورا في قصة من قصص المجموعة بل افعل ذلك كالجندي الذي استشهد وكان له أُمّان واحدة والدته والثانية شجرة زيتون وذلك في القصة الأولى ! والزيتون كلما حضر قربي ومذ عايشت زيتونات جزيرة كورفو اليونانية، فلايمكنني نسيان كتاب (الزيتون الأسود لمؤلفه لورنس دارييل ) الذي سكن الجزيرة.. تناولت سلطة الفلاحين اليونانية بزيتونها الأسود في المطعم الذي كان سابقا منزل دارييل في كورفو! .. كورفو كانت مثل نينوى كاتب الطوفان، صديقي هذا .. كورفو تشبه نينوى بكونها هدفا دائميا للغزاة ! ..ساحاول قدر الامكان ان لاأقتبس من نصوص الكتاب.. باختصار، &ساعتمد تقليدا غربيا يتمثل بتقديم كتاب قبل صدوره وذلك لخدمة القارئ لتشويقه واثارة فضوله قبل ان نخدم الكاتب والكاتب هو مبدع لامع ويسعدني انه صديق، لن اذكر اسمه ولكنني قارئي الكريم لن ابخل عليك باشارة تدل عليه (ربما اكون اول من يطالع كتابا بعرضه دون ذكر اسم كاتبه!) فهو الذي كتب قصة (الأقاصي) قبل سنوات ، بوسعك ان تقرأ فيها (.. جثوت على الأرض ومشيت على أربعة وألصقت عيني أبحث في السياج الفاصل بيننا عن ثقب أرى فيه عجائب ما أسمع، وحين اهتديت انفتح أمامي على حين غرة عالم ساحر غريب وغير معقول... ) وأنا ايضا نظرت هكذا في مرقاب عيناي ملتهما سطور الطوفان فبلعني حوت عالمه الداخلي وانقذني من ادران العالم الخارجي .. الفن برأيي حالة انقاذ! استطيع تقريب هيئة خطاب كتاب الطوفان، كتراسل متصل.. لايسعى كاتبه الى انه العارف بكل شئ بل هو مثلي ومثلك يشاركنا القراءة! شخصيا وانا اقرا نصوصه، اشعر وكانني اكتب معه.. طبعا هذا اغراء وتشويق جميل، ان سبب تخلف القصص هو تسابق الكتاب الى تقديم انفسهم كابطال لايشق لهم غبار في معرفة الواقع الذي يجترحوه!
& &يلجأ المؤلف في هذا الكتاب ايضا الى تكنيك تفكيك النص وكتابته بتقنية مقاطع قصيرة، فبوسعي كقارئ تناوله كرسالة واحدة تصلني كمرسل اليه، لذا فهو كتاب متدفق وسلس، بالأستباق والأسترجاع &يتشكل المبنى الحكائي ورغم الأ نفصال الأجرائي كتأليف بين القصص الأربع والتقطيع في مساحة القصة المفردة بين غلاف اول واخير. للكتاب عنفوان وطاقة وهو نصوص يتمرد فيها المركزي في النص على اللآمركزي، هو عالم داخلي وتبادل في الأدوار بين الواقعي والمتخيل.. ثمة طبقات تتشابك وتتمازج لتؤلف جوا أدبيا واحدا ولهذا معمار أدبي فني متشبع متصل، لاشك هو طبقات رمزية يباغتها طبقات صريحة تعلن وللمرة الأولى وبوضوح تام عن رؤى الكاتب التي جالت ببراءة في اروقة الكتاب، حول قضايا العصر، السرد، فيه الأرضي والطابق الأول والطابق الثاني والثالث و..الخ وكتاب الطوفان هو عبارة عن اربع غيمات مثقلة بالعناصر التي ستمطر وفي كل لحظة قصصية، مطرا باردا أوساخنا، بردا، حالوب او ثلج ابيض فرماديا وداكنا، حسب درجة تأثير الجحيم! هذا كتاب يخرج من وحل الحرب وغرائز كَي حلم الأنسان بالأمان والحرية والسلام على ارض الحضارات، وطن الأوطان، حالات ترويعه، حرمانه، بل تشريده، قتله، ابادته وابناء جلدته، لأنه مختلف، والمختلف بالنسبة للمسخ الذي كالدابة يمشي على اربع هو مشروع وجبة اكل يبلعها بلعا! في كتابنا هذا، منولوغات مقطعة الاوصال في المحوس واللامحسوس من انسجة القصص، يتجه من الداخلي ويبيت فيه داخل كيس من الصور التعبيرية المتقابلة، فهو من لايفوته تهوية اجواء بيته السردي عن طريق نوافذ يفتحها حسب الحاجة على الخارجي &كي يكمل دورة التراسل معه وأخيرا .. لكأن الكاتب، يتراسل برؤيته للحرب مع رؤية اسحق عظيموف لها (لم يمت في الحرب من هم احياء فقط )! هذا الكتاب يصدر بعد أن تعرض كاتبه الى القلع واحتلال بيته وتشريده، تعرض الى اعتداء فاشستي، اي ان الوغد، استمتع بادراك درجة انحطاطه.
&