&
&
جنيف، &المعطيات و المآل المحتمل
اقترب الموعد المحدد لاستئناف جنيف3 الذي لم يبدأ فعليا حتى تم تعليقه لما رافقه من سجالات حول ماهية القوى التي ستحضره، والاختلاف في طبيعته أساساً، لجهة كونه مؤتمر تفاوضي لنقل السلطة من النظام القائم إلى المعارضة من وجهة نظر الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية و من خلفها الثلاثي (تركيا/قطر/السعودية) ، و جلسة محادثات لتشكيل حكومة وفاق وطني مهمتها وقف غطلاق النار و الدعوة لانتخابات تشريعية و رئاسية يشارك فيها بشار الأسد من وجهة نظر النظام و من خلفه الثلاثي (روسيا/الصين/إيران) .
جنيف من رقمه الأول حتى الثالث الذي لم ينعقد بعد، أصبح واضحا إنه ليس أكثر من حمل كاذب، وانتفاخ وهمي بنى عليه السوريون أحلاما بالسلام، وإنهاء النزيف، سواء على مستوى الضحايا أو على مستوى النزوح الجماعي بعيدا عن الوطن، لكن هذا الوهم خيب الآمال و الأحلام، ولم يحدث آلام الطَلْقِ و المخاض.
فمن تم اختيارهم &(لتمثيل) السوريين إلى جنيف، لا يمثلون فعليا سوى أنفسهم، وهم عاجزون عن إقناع مختار قرية برؤيتهم، فما بالك بعشرات بل مئات الفصائل العسكرية المنتشرة في سوريا، والتي تحول السواد الأعظم منها إلى أمراء حرب مستفيدون من استمرار الحرب، أضف إلى ذلك أن هؤلاء الذين تم اختيارهم (بضغط تركي) ليكونوا ممثلين للمعارضة السورية لا يستطيع أي منهم القيام حتى بزيارة لأي منطقة سورية من تلك المناطق التي &يدعون هم بأنفسهم بأنها محررة، فداعش ما زالت تسيطر على أكبر مساحة جغرافية في سوريا، وتمتلك أكبر ترسانة عسكرية (تكنيكيا و بشريا) بالإضافة إلى امبراطورية مالية، وكذلك جبهة النصرة التي اعتبرها هؤلاء فصيلا &(ثوريا) حرر أدلب من النظام لم تسمح لهم حتى بزيارة ودية إلى أدلب، و أمام هذا الواقع و الحال هذه، فلن يكون أي اتفاق إن حصل في أدلب سوى حبرا على ورق و لن يخرج عن إطار الاجتماعات البروتوكولية التي لا تغني و لا تسمن، ولن يستفيد منها إلا النظام من حيث اعتباره نصرا دبلوماسيا يعري هذه المعارضة أمام العالم ويثبت أنها لا تمثل إلا شخوصها.
وحدات حماية الشعب جزء من الحل
بين التوافق الأمريكي الروسي على ضرورة حضور الكرد كجزء رئيسي من المعادلة في سوريا، والإصرار التركي على إقصاء الكرد من طاولة الحوار/المفاوضات، كانت وحدات حماية الشعب تعمل بهدوء على تشكيل إطار عسكري باسم قوات سوريا الديمقراطية التي تأوي تحت لواءها الكثير من الفصائل العسكرية المعتدلة التي يبحث عنها الغرب ليكمل معها برنامج وزارة الدفاع الأمريكية لتدريب معارضة معتدلة و الذي فشل في تركيا، ولتشكل هذه القوات الجناح العسكري لمجلس سوريا الديمقراطي الذي تم تأسيسه في فترة سابقة في مدينة ديريك الكردية، كتدبير احترازي أو ضربة استباقية لاحتمالية إقصاء الكرد من جنيف، ومع تصاعد نبرة المعارضة السورية و من خلفهم تركيا بالإصرار على تغييب الكرد، علق السيد ديمستورا المباحثات، وأرجأها إلى الخامس و العشرين من شباط لإجراء المزيد من المشاورات، تخلل هذا الإرجاء زيارة ماك غورك إلى كوباني، وما تسرب من كواليس اجتماعه بالساسة الكرد من حديث عن مؤتمر لندن المزمع عقده، وتأكيدات السيد ماك غورك بأن على الكرد أن لا يتذمروا من تغييبهم جنيف، لأن جنيف ليس مؤتمرا لوضع ملامح سوريا، إنما هو مؤتمر لأيقاف إطلاق النار و توحيد الجهود لمحاربة داعش و النصرة، وبناء عليه فسواء حضر الكرد أو غابوا فإن جنيف وما سينتج عنها سيكون لصالحهم، وهو ما ظهر تاليا من خلال نتائج و مخرجات ميونيخ التي بدأت من خلالها روسيا و الولايات المتحدة فعليا البدء بخطة فرض وقف لإطلاق النار لا تشكل النصرة و داعش جزءا منه، مما يعني في تفاصيل مفرداته بأن حملة وحدات حماية الشعب و القوى الحليفة له ستستمر في مخطط إيصال مقاطعة كوباني بعفرين و إخراج شمال حلب من يد النصرة و أحرار الشام و داعش، والمضي قدما في تحدي تركيا و الإيغال عميقا في هواجسها.
وحدات الحماية التي شكلت بيضة القبان الأمريكي في محاربة داعش، ليس لديها ما تخسرها، وخالية الوفاض من الهواجس و القلق حسب قادتهم الذين صرحوا في اكثر من مناسبة، بأن القوى الدولية تحتاجهم أكثر من حاجة الوحدات للدعم اللوجستي الدولي، ذلك أنهم يقولون بأنهم لم يعتمدوا على أحد طوال ثلاث سنوات في مقارعتهم لداعش أو النصرة أو غيرهم من الفصائل المسلحة، وسجلوا انتصارات ببندقيتهم، ولم يساندهم العالم إلا بعد فشل برنامج تدريب المعارضة الذي أعلنه البنتاغون في تركيا، وكذلك فشل الولايات المتحدة في إيقاف تمدد داعش بدعمه للقوات العراقية، لا بل كان دعم الأمريكان في كثير من الأحيان عاملا مساعدا لتمدد داعش من خلال استيلاء داعش على الأسلحة الأمريكية من يد حلفاء امريكا و التي تشكل الموصل مثالها الأكبر، وبناء على ذلك فالغرب و على رأسهم الولايات المتحدة لجؤوا إلى وحدات حماية الشعب للاستفادة من قوتهم في مقارعة داعش على الأرض، هذه المعطيات تعتبرها وحدات حماية الشعب أوراق اعتمادها الرسمية للدخول إلى التحالف الدولي ضد الإرهاب على صهوة الرقم الصعب الذي لا يمكن لأحد تجاوزه أو إهماله.
هواجس الكرد
بين مآلات جنيف و ثقة وحدات حماية الشعب بقدراتهم، ثمة هواجس يعيشها الكرد، هواجس تغذيها تجاربهم مع الأمريكان و الروس على حد سواء، والقيادة الكردية بشقيها السياسي و العسكري غير غافلتان عن هذه الهواجس، فأكثر من قيادي عسكري، وكذلك سياسي كردي عبروا عن هذه الهواجس، في مجالس خاصة، وكذلك تصريحات عامة.
الأمريكان في الشعور الجمعي الكردي معروفون بتخليهم عن &(أصدقائهم) &و تجربة العراق ماثلة أمام الأعين، دخلتها القوات الأمريكية بحجة إزالة الديكتاتور وإشاعة الديمقراطية فيها، لكنهم خرجوا منها تاركين العراق تتمرغ في بحر من الدماء، وكذلك فروسيا ليست بأفضل حالا من أمريكا في الذاكرة الجمعية الكردية، وتخليهم عن الكرد في مهاباد، أو توريطهم للكرد في أقليم كردستان بحروب دموية خدمة لأجندات روسية ليستا نقطة المخاوف الوحيدة في العقل التأريخي الكردي، فدور روسيا في الزج بالأرمن إلى المحرقة التركية تبقى صفحات سوداء في تاريخ روسيا لا يعلم مرارتها إلا الكرد و الأرمن، أضف إلى ذلك حقل اللغام السياسي الذي يسير فيه الكرد (سياسيا و عسكريا) &ذلك أنهم محط أنظار الروس و الأمريكان على د سواء لبناء علاقة ما معهم، واختيارهم لأحد المحورين يعني اصطفافهم في الخندق المضاد للمحور الآخر، مع ما يحمله هذا التخندق من تبعات.
أمام هذه الهواجس، يؤكد قادة وحدات حماية الشعب، بأنهم سيعملون في السنوات الثلاث القادمة على تعزيز قوتهم التكنيكية و التنظيمية، والاستفادة قدر الإمكان من المعطيات المتوفرة، تحسبا لأي طارئ أو تغير في المعادلة الدولية، وسيحتاطون لكل المفاجآت المحتملة، بل ويذهب قادة الوحدات أبعد من ذلك، بأنهم لن يضعوا كل بيضهم في سلة الأمريكان أو الروس، وسيعملون على الأرض و كأنهم ما زالوا لوحدهم ف مقارعة الإرهاب، لكي يجنبوا انفسهم قدر الإمكان من سياسة الابتزاز و الترويض، أما فيما يتعلق بحقل ألغام التحالفات بين محوري روسيا أو أمريكا فهم يؤكدون بأنهم سينتهجون سياسة التوازن في بناء العلاقات تشبه إلى حد ما ما انتهجوه في سوريا من تبنيهم لمشروع الخط الثالث، &(عدم الانحياز إلى النظام أو المعارضة) ، وهم حتى الآن يسيرون بحذر في هذا الحقل، فالمعسكر الروسي قدم إشارات إمكانية اعتراف سياسي بالإدارة الذاتية من خلال افتتاح الممثليات، بينما المعسكر الأمريكي قدم إمكانية الاعتراف بالكرد من خلال الدعم العسكري العلني الذي دخل منعطفا جديدا بعد هذه الزيارة و ما استتبعها من تغيرات على الأرض.
حوافز الكرد
زيارة السيد ماك غور إلى كوباني هي الزيارة الأرفع لمسؤول أمريكي إلى سوريا منذ أربع سنوات، وهي لا شك تحمل دلالات عميقة في مراهنات الولايات المتحدة على الكرد، كما أنها ليست الزيارة له أو لغيره من المبعوثين الأمريكيين حسب مصادر خاصة، لكنها الزيارة الأولى التي يعلن عنها، وهي بالتأكيد الخطوة الأولى في مشوار الألف ميل الكردي.
هذه الزيارة قدمت حوافز جادة للكرد، لعل العالم بأجمعه يتسائل عن نتائجها، وتطبيقات وعودها على الأرض، فقد تم افتتاح مقر رئيسي للتحالف الدولي في كوباني، وظيفته التنسيق و التسليح و التدريب، واستتبع بافتتاح معسكر تدريب بإشراف ضباط أمريكيين و فرنسيين و بريطانيين لتدريب المعارضة المعتدلة التي كان البنتاغون يشرف عليها في تركيا وكان قد أعلن فشلها في تركيا، وعمليا تم نقلها إلى كوباني والتي كانت السبب الحقيقي لتصريح السيد رجب طيب أردوغان وتخييره لأمريكا بين تركيا و كوباني.
بالإضافة إلى ذلك، هناك مطار الرميلان الذي أصبح مادة إعلامية لفترة ليست بالقصيرة، فقد أفادت بعض المصادر الموثوق بها، أن هذا المطار أصبح في عهدة و إدارة وحدات حماية الشعب و هي التي تشرف عليه، واول طائرة هبطت فيه كانت يوم 15/12/2015 ، فيما هناك مشاريع و اتفاقات لإنشاء سلسلة قواعد و مطارات في مناطق مختلفة من روج آفا (شمال سوريا) كضمانة لعلاقات استراتيجية طويلة الأمد.
أما أهم ما سينتج عن زيارة ماك غورك، هو تطوير أو إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية في كوباني، وإنشاء مطار عسكري، قد يكون بديلا لأنجرليك، بالإضافة إلى تأسيس ملحق أو مهبط طيران مدني و تأسيس شركة طيران مدني كردية تساهم في فك العزلة عن الإدارة الذاتية، وتكون الرحلات المدنية لهذا المطار بين كوباني و قامشلو و مطار السليمانية الدولي في أقليم كردستان، ومن هناك ينفتح الإدارة الذاتية على العالم و تتخلص من حصار تركيا و حليفهم البرزاني في وضع العراقيل على السفر من روج آفا.
هذه المعطيات، بالإضافة إلى التعاون المعلوماتي و الاستخباري بين الولايات المتحدة و الإدارة الذاتية كلها تشكل حوافز للكرد للمضي قدما في بناء علاقاتهم و النظر إلى المستقبل بثقة، والرهان على أنفسهم طالما أن القوى الدولية تراهن عليهم كحصان رابح.
&
التعليقات