دعوى الاصلاح رافقت الانبياء والمصلحين في جميع العصور, منذ نشأة الانسان على هذه المعمورة, وظهور نزعة الفساد والخروج عن الحد فيه, وقد انتهج اولئك المصلحون منهجاً عقلائياً يقوم على اساس التدرج, والواقعية كونهما من بنات الحكمة, ولكي لا تقابل دعوى الاصلاح تلك, بالرفض والتشويه, فقد كان شعار رسول الانسانية الكريم قولوا لا اله الا الله تفلحوا من دون ان يدخل في دعوته, تفاصيل الشريعة, متدرجاً في القام الناس الافكار والاخلاق والسلوكيات.
نعيش اليوم واقعا لا صوت اعلى فيه من شعار الاصلاح, فان الحكمة تقتضي ان يقوم على اسس متينة, تثمر بعد حين, لا ان يرتكز على اجراءات شكلية لا تعالج اساس المشكلة, وان كانت توئمن مقبولية لدى المتلقي.&
فالفساد الذي ضرب اطنابة في ارض الدولة العراقية, ليس بالامكان القضاء عليه من خلال تشكيل وزراة ثم نفض اليد عنها, بعد فترة من الزمن, من دون النظر الى التحديات الموضوعية التي تواجه الحكومة, ولا تقديم المبررات المقنعة لجدوى هذا التغيير الذي ربما سوف لا يتم لتعقيد الخارطة السياسية في تشكيل تلك الحكومة, فلا توصف الحكومة بانها حكومة اغلبية سياسية, حتى تقوم تلك الاغلبية بايجاد كابينة وزارية بديلة بسهولة ويسر, بل ان اي تشكيلة وزراية سوف تخضع لنفس عملية التوافق, الذي مرت به الحكومة المزمع تغييرها.
كما ان التغيير الشامل للحكومة الحالية, لا يرتطم بصعوبة التوافق على تشكيلة وزراية جديدة, بل هناك امرين اخرين يتعلقان بأخلاق الممارسة السياسية في واقعنا الحالي؛ الاول هو ايهام الجماهير بان المشكلة الحقيقية هي في وجود اشخاص الوزراء على كراسي وزاراتهم, والحال ان هناك جملة من الاسباب التي ساهمت في تردي الاوضاع الاقتصادية, والامنية, في البلد منها الهدر الكبير في الموارد, والفساد, الذي اكتنف عمل الحكومات السابقة, وقلة التخطيط وعدم توفير احتياطي مالي من تلك الميزانيات الانفجارية, والسياسة الاقتصادية البائسة, والمشوهة التي تحكم الدولة, وتسلط داعش وانفاق الدولة لجزء كبير من ورارداتها لدعم جهود المقاتلين, اضافة الى حجم القوانين البالية, والنقص الكبير في التشريعات لكثير من المفاصل, اضف الى كل ذلك تردي اسعار النفط بشكل هائل, والضرر الذي لحق الميزانية, كونها تعتمد بشكل شبه كلي عليه.
اما الامر الاخر, هو الظلم الذي يلحق بعض الوزراء المجدين, والذين يؤخذون بجريرة المفسدين, فهذا الامر اضافة الى انه غير مقبول من اداريا, وقانويا, لان اي عقوبة عزل عن الموقع لابد من تشفع بتقديم مبررات منطقية, وفي ذلك جملة من الرسائل التي تزهد المخلص, وتغوي الفاسد, فالمخصون يزهدون في مواقع لا يتم التقييم فيها الا على اساس مزاج الرئيس, وسلطته عليهم, كما ان الفاسدين لا يتوانون من الاسراف في فسادهم, ما دامت التهمة تشمل الجميع.
ان التغيير الوزاري القائم على اسس منطقية, ومبررات مقبولة, والذي يستهدف الوزراء الفاشلين والفاسدين هو اسهل الحلول الممكنة, وهو حلقة من حلقات الاصلاح, التي لا تكون مؤثرة اذا ما زامنتها حلقات اخرى