في منتصف ديسمبر عام 2014، وبعد نحو أربعة أشهر من توليه منصب رئيس الوزراء في العراق، اختار حيدر العبادي رئيس وزراء العراق، العاصمة الاماراتية، أبوظبي لتكون محطة خليجية له لعبور بوابة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية سياسياً، وقيل وقتذاك أن العبادي سعى إلى دور إماراتي في تهدئة بعض التوترات مع دول المجلس، وفي مقدمتها بطبيعة الحال السعودية، كما سعى إلى احتواء غضب مملكة البحرين الشقيقة من اصطفاف حزب الدعوة العراقي، الذي ينتمي إليه العبادي، مع المعارضة الشيعية في البحرين، وحيث كان يرغب في أن تؤجل دولة الكويت الشقيقة مطالبتها بتعويضات الحرب.

العبادي قصد الامارات أولاً، واضعاً نصب عينيه الفوز بقبول سعودي من بوابة إماراتية، ووقتذاك أعرب صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة عن أمله في ترسم السياسة العراقية الجديدة "أملاً جديداً ومنطلقاً قوياً نحو التغيير" وكان سموه يقصد بالتغيير ـ على الأرجح ـ إشراك جميع مكونات الطيف العراقي في بناء مستقبل العراق كضمانة أساسية وحقيقة لتحقيق الأمن والاستقرار في هذا البلد الشقيق، وقال سموه نصاً "نتمنى كل خير للعراق ولكل العراقيين وأن يحفظ الله عز وجل أمنهم واستقرارهم وأن يسود الوئام والتضامن والتفاهم كافة أرجاء العراق من أجل مستقبل زاهر لأبنائه". فيما ركز العبادي ـ بحسب ما أعلن وقتذاك مكتبه الاعلامي ـ على الانفتاح الذي يسعى لتحقيقه عربياً وخليجياً.

الامارات إذا لا تحمل للعراق سوى الخير، ولا تتمنى له سوى الأمن والاستقرار، والعبادي ذاته يعلم تماماً دور الامارات في العراق، ولكنه تجاهل الحقائق عن عمد. وبعد هذه الزيارة بنحو عام وثلاثة أشهر تقريباً، خرج العبادي بشكل مفاجىء ليتهم دولة الامارات بشكل فج ووقح بتصدير الارهابيين إلى العراق، زاعماً أن نحو مائة مواطن إماراتي يشاركون ضمن صفوف تنظيم "داعش" الارهابي، مستدعياً دراسته للرياضيات، ومتحدثاً عن فوارق كبيرة بين معدلات انخراط الاماراتيين في تنظيمات الارهاب ونظرائهم العراقيين!

الكذب البواح كان شعار حيدر العبادي في حديثه الذي امتلىء خوفاً ورعباً من الجالسين معه من قادة الحشد الشعبي، وقد وجد الرجل ضالته في التهجم على الامارات ومحاولة الصاق تهم مثير للسخرية بها، فلم يكن للأمر من نتاج سوى أن أضحى العبادي نفسه زعيماً للكوميديا السوداء في عالمنا العربي!!. ليتك كنت قد تفوهت بغير ذلك حتى يصدقك مستمعوك، أتريدنا أن نصدق أن هناك مائة مواطن إماراتي يقاتلون في صفوف تنظيم "داعش"؟ كيف وأنت الذي اعترفت بلسانك الكذوب أنك غير مطلع على آخر الاحصاءات الخاصة بجنسيات المقاتلين الأجانب في صفوف التنظيم؟ حسناً سأتلوها عليك من مصادر موثوقة لعلك تستفيد، فآخر الاحصاءات الصادرة عن مركز "صوفان جروب &Soufan Group" الأمريكي المتخصص في الأمن الاستراتيجي، والصادرة في بداية فبراير الماضي، تتحدث عن وجود مابين 1ــ 15 مقاتل يحملون جنسية دولة الامارات في صفوف التنظيم، ويشير إلى أن الامارات جاءت في ذيل قائمة طويلة تضم نحو 13 دولة عربية تنخرط اعداد مختلفة من رعاياها في أنشطة هذا التنظيم الخبيث.

أعداد الاماراتيين في صفوف "داعش" إذاً لا تزيد في أسوأ التقديرات عن 15 شخص ومن الوارد ـ بحسب تحليل محتوى قائمة مركز صوفان ـ ألا تزيد اعدادهم عن فرد أو فردين، لاسيما أن التقرير ذاته قد حرص على القول في نهايته نصاً "بعض هذه الأرقام توقعات لأعداد المقاتلين وليست أرقاما مؤكدة بشكل جازم"، ما يؤكد تهافت الفرية السخيفة التي وردت على لسان العبادي أمام مسؤولين يفترض أنه يتحدث أمامهم بلسان صدق، بدلاً من ترديد الأكاذيب.

يتحدث العبادي عن انتشار الفكر الارهابي المزعوم ويزج باسم دولة الامارات في سياق حديث ملىء بالمزاعم والتخرصات والأحقاد، وهي مزاعم لا تستحق النفي أو الرد، فاعتدال الامارات معلوم للجميع، وأجواء التسامح والتعايش التي تتمتع بها نتمناها للآخرين في دولنا العربية، والعبادي نفسه أول من يعلم ذلك، ولكن يبدو أن استغل هذه السمات كي يقفز على الحقائق ويهرب مما يريد قوله خشية افتضاح حقيقة علاقاته مع أطراف اقليمية أخرى، لاسيما أنه كان يجلس وسط حشد يعرف نواياهم تجاهه جيداً، ويخشى أن ينقلبوا عليه، لاسيما أنهم قد سبق لهم أن جاهروه بالعصيان فلم يكن منه سوى أن ارتد خائباً مدحوراً.

يباهي العبادي بهامش الحريات في العراق، ولن أطعن في ذلك بل نتمنى ـ كاماراتيين وعرب ـ لهذا البلد الشقيق أن ينعم بكل خير وأمن واستقرار، ولكن ما لا نتسامح فيه أن يطلق الرجل للسانه الكذوب العنان في النيل من الامارات وحقوق الانسان والحريات فيها، وهو أول من يدرك بطلان ما يقول، لسبب بسيط أنه انطلق من كذبة أولى إلى كذبة ثانية متسائلا بإدعاء سخيف للحيرة والدهشة حول مغزى ذهاب مواطنون اماراتيون للقتال إلى جوار "داعش"!! حسنا ياعبادي... دعني أذكرك ـ وقد فقدت الذاكرة ـ أن غبائك لم يسمح لك أن تتذكر أن هناك نحو 1600 يحملون الجنسية الفرنسية يقاتلون إلى جنب "داعش"، بحسب تقديرات مركز "صوفان، فضلا عن نحو 2400 شخص يحملون جنسية روسيا، وما بين 180 ـ 250 يحملون الجنسية الأمريكية، ونحو 5000 مقاتل من دول الاتحاد الأوربي، ولن اتطرق لدول عربية وخليجية أخرى، فهل كل هذه الدول الأوروبية ورعايا روسيا والولايات المتحدة يفتقرون إلى مقومات حقوق الانسان الأساسية والحريات، التي زعم العبادي أنها السبب في لجوء بعض مواطني دول الخليج للانخراط في صفوف "داعش"!!.

حساباتك خاطئة تماماً ياسيد العبادي، وذكائك خانك حين سعيت إلى توجيه رسالة معينة ـ تدركها ويدركها آخرون ـ إلى طرف اقليمي معين عبر توجيه اللوم إلى دولة الامارات، معتقداً أن أجواء التسامح المتجذرة في دولتنا ستمتد إليك، وسنغفر لك هذه الاساءة البالغة، ولكني أبشرك أن ظنك في غير محله، فالتسامح من شيمنا ولكن مع من يستحق، وليس مع من يعتدي على يد امتدت إليه لتساعده في بناء دولته.

&