قامت احدى متجرات الكبيرة او السوبر ماركت والتي لها فروع في مناطق مختلفة من إقليم كوردستان، والتي تعرف باسم ماكسي مول ببيع احذية رياضية عليها شارة الصليب، والمثير ان الإشارة لم تكن تقاطع خطين ليمكن تفسيرها بشكل مغاير، بل ان شارة الصليب كانت واضحة ومقصودة والصليب كان الصليب المشرقي، أي الذي استعمله المشارقة منذ العصور الأولى للمسيحية. احتج بعض المواطنين وبعض الأطراف ولذر الرماد في العيون، قام المحل بتقديم اعتذار لا يرقى لمستوى الجريمة، لانها حقا جريمة، ليس بحق المسيحيين بل بحق الإقليم كله. وقام أيضا بتصور احراق كارتون ادعى انه للاحذية وكان الصورة لكارتون واحد.
شخصيا في البدء لم اود التدخل في النقاش، لانني اعتبر ان مثل هذه المحاولات الصبيانية وراءها اطراف غايتها الأساسية خلق المزيد من الشقاق بين أبناء الإقليم، وخلق مشاكل يومية لاشغال الإقليم بها، مما يجعله غير قادر على القيام بواجباته الإقليمية او حتى التفكير بالخطط لتحسين الأوضاع المتردية في الإقليم من الناحية السياسية والاقتصادية، ولكن تقبل الامر والمرور عليه مرور الكرام وكان لا شيء حدث امر أيضا غير مقبول لاعتبارات عديدة واولها ان هناك تكرار في التعدي على الأقليات وقيادات الأقليات ومنذ امد طويل تحاول تناسي بعض الأمور لصالح الاستقرار في الإقليم ولكننا نرى العكس من الأكثرية التي لا تنسى ثاراتها ومطالبها مهما كان. ومعلومة مهمة قد تلقي المزيد من الضؤ على ما حدث، ان الأحذية المشار اليها كانت قد استوردت من تركيا.
الصليب المكون من خطين متعامدين، كعلامة الزائد، ولكن احد اطرافه يكون أطول من بقية الأطراف تقريبا، وهو أي الصليب يشكل الصورة البشرية المعلقة على الخشبة المتعامدة قطعها، والصليب اسم مفعول لفعل صلب وهو معرب من السريانية بهذه الصورة، وهو هنا كناية عن يسوع المسيح. الذي صلب في مثل هذه الأيام قبل اكثر من الف وتسعمائة وثلاثة وثمانون سنة حسب السنة الميلادية التي نسير عليها. ان صلب يسوع المسيح وقيامته بعد ثلاثة أيام، هو احد اهم اركان الدين المسيحي، فالايمان بهذا الامر يعتبر شرطا أساسيا لكي يكون الانسان مسيحيا حقا، حسب اغلبية الكنائس القائمة الان. وهو الفعل الخلاصي لبني البشر من الخطيئة. وبالتالي فان كلمة الصليب التي تشير الى هذه الأمور، تعني لدى المسيحي امرا مقدسا، وحمل المسيحي للصليب يعني اشهاره لايمانه بالخلاص بواسطة يسوع المسيح. هذه الأمور ليس من المفترض للمسلم او غير المسيحي ان يعرفها، فحقا نحن أبناء المنطقة نجهل بعضنا البعض لحد غير معقول، وهذا عائد للنظام التعليمي الذي يغيب الاخرين او الأقليات من النظام التعليمي والتعريف بهم وبمعتقداتهم ووجوب احترامها، لانها تعتبر له من المقدسات. شخصيا لا اود التوسع وجعل كل شيء مقدس وغير قابل للنقد، لان في عملية توسيع المقدسات وشمولها الكثير من الأمور، تعبير عن الخوف والرعب من كل ما يطرح من اراء وانتقادات ولذا فاللجوء الى المقدس يعتبر وضع سور حماية اكثر مما يعبر حقا عن كون الامر مقدس. ولكن الصليب ومهما كان راي الاخرين به هو شعار مقدس كان يجب ان يتم احترامه.
& & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & &
باعتقادي كان موقف مسيحي العراق اوالاقليم وخصوصا الموقع الذي حدثت فيه الواقعة وهو مدينة عنكاوا المسيحية، موقفا متسما بالعقلانية على العموم، حدث اعتراض ولكنه لم يرقى لاي عملية عنفية، بل يمكن الاستشفاف من رد الفعل انه اتسم بالاحتقار والاشمئزاز من الفعلة ليس الا، وهو موقف مسيحي بامتياز، لان المسيحي يدرك ان المقدس ليس رسما، بل المعنى الحقيقي لفعل الصلب، الذي تحمله المسيح المجسد، لاجل خلاص الناس. والمقدس الحقيقي هي تلك الأفعال والاعمال التي دفعنا السيد المسيح للتقيد بها وعملها لكي ننال الخلاص التام. ان التزام الهدوء في مثل هذه الحالات واللجوء الى الحوار الداخلي أولا ومن ثم مع قيادات الإقليم سيكون اكثر فائدة ومردودية وخصوصا ان تم تقديم مطالب قانونية بتعديل الوضع وزيادة مدى الحريات وتفعيل قوانين العقوبات وتطوير التعليم، مما يعني تجريد المتطرفين من أسلحتهم رويدا رويدا للوصل الى الحالة الوطنية المرجوة.
المسألة التي يجب الحذر منها هي عدم الوقوع في المطب الذي يقع فيه اخوتنا المسلمين، ففي الوقت الذي يقتلون بعضهم من البعض وفي الوقت الذي يقومون فيه بتدمير مساجد وحسينيات ومعابد بعضهم البعض وفي الوقت الذي يقومون خلال هذه العمليات بحرق عشرات النسخ من القران، ويسكتون على كل ذلك. الا انهم يثورون ويقومون بالتدمير والصراخ والعويل ان قام شخص معتوه بحرق ولو ورقة من القران، سواء علم او لم يعلم ماذا تعني هذه الورقة. وبالتالي فان عملية اثارة المسلمين في الغالب باتت سهلة ويسيرة، ومن هنا يمكن تحقيق غايات قد لا تخطر على بال الثائر لنصرة دينه بطريقة غير عقلانية. ان عملية رد الفعل المبالغ فيها قد تدفع للاستسهال من تكرار الامر وبالتالي جرح المشاعر مرة تلو الأخرى ودفع الناس للانضواء او الانعزال او الهروب. كل هذه الأمور يجب ان يتم وضعها موضع النظر حينما يتم بحث القضية. صحيح ان الرموز المسيحية والمسيحيين على العموم ومنذ اكثر من 1400 سنة يعانون من شتى صنوف التجاوزات على مقدساتهم، واهمها الانسان المسيحي الذي جرد من كل حقوقه كانسان، ومن حقوقه في تطوير وصيانه معتقده، وكان هذا المسيحي يعتقد ان قيام الدول على أساس النظام المعمول في اوربا، أي دولة المواطنة كفيل بان ينصفه، الا ان الأمور بقت على سؤها مع الأسف، لأننا نعيش في وعاء اسمه الدولة ولكنه في الحقيقة بعيد عن هذه التسمية كليا، فهذا الوعاء لا يزال يتعامل مع الناس حسب معتقداتهم وليس انتماءهم الوطني.
&
&