&
إن الجرائم الداعشية المتتالية في قلب الاتحاد الأوروبي يجب أن تثير أكثر من تساؤل وتأمل متعددي الأطراف. إن بربرية داعش لا نظير لها في العصر الحديث سوى بربرية هتلر أو جرائم القاعدة وبشار وصدام وطالبان. والملاحظ أن القاعدة نفسها كانت في بعض الأحيان تضع لعملياتها حدودا وفقا لحسابات خاصة. أما داعش فلا حساب ولا كتاب، ولا وقفة تردد. إنه وحش منفلت يدمر ويفجّر ويقتل أينما كان وأيا كان الضحايا والهدف، فالمطلوب عنده هو إبادة اكبر عدد ممكن من البشر والحاق أكثر ما يمكن من الدمار. الداعشيون جنس جديد من البشر يجسدون الحقد الأسود والشر المطلق والوحشية القصوى وكراهية الحياة إلى حد كراهية النفس. والآن كيف يمكن فهم تحول دول الاتحاد الأوروبي الديمقراطية إلى اهداف شبه سهلة لبرابرة داعش.
&
مسؤولية الديمقراطية الغربية نفسها&
بعد 11 سبتمبر عندما جرت تفجيرات لندن، كتب عبد الرحمن الراشد مقالا كان عنوانه تقريبا هكذا "قلنا لكم راقبوهم واليوم نقول لكم اطردوهم"، وكان يخاطب النخب السياسية البريطانية حيث كانت بريطانيا في منتهى التساهل مع المتطرفين الإسلاميين ودعاة الإرهاب حتى تردد في حينه رأي بأن تلك السياسة مقصودة بأمل تفادي بريطانيا للارهاب في عقر دارها. وفي تلك الفترة نفسها نشر الكاتب الفلسطيني خالد الحروب مقالا مثيرا شبه فيه مؤسسات الديمقراطية الغربية وسياساتها وآلية ممارساتها وقوانينها بانشوطة تمكن أعداء الديمقراطية من خنقها بها. وعندما اضطرت الحكومة البريطانية إلى اصدار قرار بإبعاد داهية الإرهاب ابي قتادة عارض القضاء البريطاني. وبعد حين وافق القضاء ولكن اعترضت محكمة حقوق الإنسان الأوروبية. وبعد زمن فقط استطاعت بريطانيا طرد ذلك الإرهابي بعد ان كلف دافع الضريبة البريطاني ملايين الجنيهات من شقة فارهة وإلى تكاليف المحاكمات. ولو جئنا إلى سهولة تنقل الإرهابيين الجهاديين داخل الاتحاد الأوروبي ومعهم الملايين من المهاجرين غير الشرعيين فإننا نلاقي باتفاقية شانغن التي الغت الحدود بين دول الاتحاد. وعلى صعيد آخر، فإن أعدادا من الإرهابيين الذين نفذوا جرائم باريس وبروكسل سبق أن كانوا متهمين بجرائم المخدرات وعمليات السطو المسلح وغيرها، وسجنوا ولكن اطلق سراحهم قبل انقضاء فترات احكامهم. كما أن آخرين عادوا من سورية والعراق وبعلم السلطات الغربية ولكنهم بدلا من طردهم او سجنهم تركوا أحرارا بحجة مراقبتهم، فإذا بهذه المراقبة معطوبة.
وهناك دور ما يسمى بمنظمات حقوق الإنسان والعفو التي تلعب في بعض الأحيان أدوارا يستغلها الارهابيون وتتصرف وكأن حقوق الإرهابي تأتي قبل الضحية والعدالة التي يجب ان تقتص للضحية.
ونضيف دور وسائل الاعلام ولاسيما التلفزيون التي هي الأخرى تلعب أدوارا سلبية ولا سيما ما يصدر عن صحفيي أقصى اليسار من تحليلات تكاد تغفر للإرهابي أو تبرر ضمنا جريمته. كما أن هذه الوسائل تظل تكرر الحديث عن الإرهابيين المعتقلين وحياتهم وتأتي بمن يشيد بسيرتهم قبل تحولهم الى إرهابيين. وحين اسمع الفضائيات الفرنسية أجد انها تكرر الحديث ليل نهار عن مجرم مثل صلاح عبد السلام وما يقوله محاميه حتى انه وأمثالا له يكادون يتحولون إلى ابطال في الميديا الغربية. وقد سبق لنا الحديث عن دور السياسات المضطربة تجاه الهجرة المشروعة وغير المشروعة وآثر ذلك موقف المستشارة الألمانية التي رحبت علنا بدخول مليون مهاجر غير شرعي واعتبرتهم لاجئين وذلك دون تدقيق وتحريات كافية. وهنا لابد أن نذكّر بالكتاب الذي أصدره عام 2009 الباحث الأمريكي كريستوفر كالدويل عن الهجرة في أوروبا ولا سيما هجرة المسلمين وما تطالب به الجاليات الإسلامية من مطالب متتالية لا تتفق القيم الديمقراطية الغربية والتنازلات التي قدمتها الدول الغربية امام هذه الضغوط. وكان كالدويل يتوقع انه اذا استمرت هذه السياسة فإن أوروبا الغربية سوف تفقد مع الزمن كثيرا من قيمها الإنسانية وعَلمانيتها.
&