&
هل ستأكل البلاد أبناءها؟. البلدان تتغذى على التضحية والمحبة والتضامن والتكافل والشعور بالمسؤولية. بدون منظومات القيم، ستعاني الأوطان من الجوع كالمخلوقات الحيّة. والخرائط &ستلتهم ما يجاورها دون رحمة حين تطلق وحوشها الحبيسة في كلّ إتّجاه. الطائفية كالثقوب السوداء &في الفضاء الخارجي. تبتلع النجوم لتُحيلها الى زمان ومكان غامضين. ربّما تُحيلها الى العدم. فللجماد مقابر أيضا. الأوطان قد تُصاب بالجفاف، ولكنّها تطبخ الحجر أبدا، بإنتظار أن يناموا أولادها على حلم العشاء.
البلدان والأوطان ليست ترابا وحدودا وخطوطا ورسوما على الأطلس فحسب. هي قبل كلّ ذلك، علاقات بشرية حيّة يعتزّ بها الأبناء. وهي سجايا وأخلاق وأسباب للعيش المشترك. الجغرافيا ماكرة وتخدع التاريخ، كما كانت تخدعه دوما. كيف إجتمعا معا في علم نسبي واحد؟. حين تنام العيون، تستيقظ &فينا عيون العقل التي لا تنام. العقل يُعذّب العقلاء في الواقع وفي الأحلام وفي الكوابيس. لا مفرّ من أحكامه. فكلّ دروب الجنون ومسالك الخديعة وطرق التزوير وأشكال النهب والسرقة للمال العامّ، ستقود سالكيها الى الهلاك والمرض." فأينَ ستُرسي المَراسي المَساءُ ؟".
النخبة السياسية. صفوة المجتمع إفتراضا، وعقله الرصين تعريفا. عاجزة هذا اليوم عن الحركة والتفكير. لأنّها لم تراع القواعد والأعراف والدساتير ونواميس الطبيعة. بل إرتضت شريعة الغاب وقانون البقاء للأقوى. قبلت بشروط الوحوش الكاسرة وهي عارية ومجرّدة من كلّ فعل وتأثير. محنتها هي محنة العقل حين يتخلّى عن الإرادة. الرأس والجسد كيان واحد كالدولة والمجتمع. تتلاعب بوحدته غدر الجينات الوراثية وتزوير التاريخ ومكر الجغرافيا وتحريف الدين وألاعيب السياسة. الإرادة لوحدها عمياء والعقل لوحده كسيح. متى سيلتقيان معا في كيان واحد؟. أعمى يحمل على كتفيه مشلول. المسار والمسير في حقول الألغام سيقودان الى نهاية العقل والجسد معا. سيقودان الى الحرب الدائمة والفوضى الدائمة والنزاعات الدائمة والأزمات المستمرّة. الى حروب الآخرين على هذه الأرض الثكلى. الى الفوضى والصخب والتهريج والضجيج التي ستغطي على الفساد والسرقات. ففي ضباب التاريخ وفي دخان المناكفات المصطنعة، لا يمكن التمييز بسهولة بين البشر والأشباح. ولا بين السارق والمسروق.
التظاهرات والإعتصامات الجماهيرية كانت ولم تزل هي القطرات الأخيرة التي سترتوي بها أرض هجرها المطر. موضة الإعتصامات والمليونيات الإستعراضية أغرت الفاسدين ورؤوس الفساد على ركوب الموجة. المزايدة بين الكمّ والنوع. بين قلّة تعبّر حقّا عن جمهور عريض تُطالب بلقمة من الأمل لهذا الوطن النحيل الجميل، وبين أغلبية لا تعبّر في هذه المرحلة سوى عن كروش قبيحة لوجوه ورؤوس أقبح. ما أبشع هذه المرحلة وما أبشع رموزها؟. قلّة الذوق وقلّة الأدب هي كلّ ما تملكه النخبة السياسية الحاكمة للتعبير عن نزاعاتها. صراع الخدم أشدّ ضراوة من صراع الأسياد. &
الإمّعات التي تقودنا لها مجسّات تستقبل الإشارات الإقليمية والدولية أسرع من غيرها. الإشارات التي توحي اليها بالعودة الى مربع الفوضى المطلوبة أبدا في لعبة السياسة العراقية. &لعبة السلّم والأفعى التي نحلم فيها بالصعود البطيء لتبتلعنا الأفاعي الفاسدة وتعود بنا الى الخانة الأولى. الترتيبات الجديدة إقليميا تحضّر لنا مذابح جديدة سيكون الفقراء وقودها من جديد. الجزّارون في الداخل واثقون بأنّ سكاكينهم الحادّة مسلّطة على رقابنا. العالم واثق من ذلك أيضا. " ماذا يُدعى هذا؟" .
باريس