ان جاز القول، فان للتاريخ طعم مر كالعلقم، ان سايرناه فانه لن يكتفي ابدا من ابتلاع حاضرنا ومستقبلنا بل وجودنا ايضا. فهل سنتمكن من ان نستلهم تجربة جنوب افريقيا اوفرنسا وألمانيا؟ ام سنظل نتصارع على تاريخ يمكن ان يغييره أي اكتشاف اثري او ثقافي او ادبي؟ والتاريخ بكل ما يحمل من الإنجازات والاحباطات، سيبقى دوره ثانويا في صنع حاضر ومستقبل أي شعب، ان المستقبل تصنعه الإرادة المتوافقة مع المسيرة الإنسانية وقيمها. صحيح ان هناك بعض الانتصارات الانية لبعض المواقف المبنية على الانتقام والعنف، الا ان هذه الانتصارات تعتبر في عمر الشعوب لحظات وتتحول الى تاريخ يمكن ان يدمي، ولعل تجربة يوغسلافيا وحربها في البوسنة، هي مثال على ان الخروج من الحس الإنساني والسير باتجاه الانتقام الاعمى، لن يكون له مردود غير الانكسار. صحيح ان يوغسلافيا كانت جزء من اوربا، أي من العالم الأول، العالم القائد بقيمه وتطلعاته، ولكن هذه كان يجب ان يكون درسا للكل بان قييم التسامح هي التي ستسود في النهاية والذي يتعنت ويحاول ان يفرض قيمه ومعتقداته على الاخرين فهو من الخاسرين الى الابد.
في خضم الاحداث الجارية والتي تغيير الجغرافية السياسية والتاريخ الإنساني، وما يصيبنا نحن الاشوريين، من الويلات والمخاوف، ترانا نلجاء للتاريخ نتلحف به من كل المخاوف القائمة، وكان التاريخ هو درعنا الواقي ومحدد مستقبلنا، ولا نلجاء للعمل من اجل إيجاد أدوات جديدة تضيف لنا قوة على قوانا الموجودة ان كان قد بقى منها شيئا.
تأتيني انتقادات ومنها اسواء لانني أحاول ان أوضح الصورة كما اراها وليس كما يحلو للبعض ان يتخيلوها، والتي كونوها من خيوط مهترئة لا تصمد امام الواقع الحالي. وخصوصا موقفي من الكورد وتطلعاتهم المشروعة كشعب. وحتى أسلوب التعايش بيننا وبينهم. ان هذه البعض يرى ان توجيه الكلمات اللاذعة والتي تنتقص من اخوتنا الكورد، والتهجم عليهم كشعب وقيادات سياسية، هو نوع من الانتقام من الماضي ولذا فانه يفرحون ويرقصون لمن حاول ذلك، لا بل البعض يصنع من من يقوم بذلك، ابطال يشار لهم بالبنان، وكانه حقق إنجازا عظيما لشعبنا. ان هذا البعض لا يرى العالم الا اسود وابيض، وعلى الأبيض ان ينتصر على السواد، والا فان كل الألوان كاذبة ومخادعة وشرك يمكن ان توقعنا في فخها المميت. ان الانتصار لدى هذا البعض يقع على بعد انفهم فقط، وليس لهم أي رؤية مستقبلية حقيقية.
للكورد كقيادات سياسية اخطاءهم وخطاياهم، ويمكن ان تصل لدى البعض الى حد الجرائم، ولكن للكورد كشعب حقوق وتطلعات قومية وإنسانية، ان نحن الاشوريين رفضناها فاننا نحكم على انفسنا بان يرفض الاخرين ما نتطلع اليه، وهو نفس ما يتطلع اليه الكورد. احد المشاكل العويصة والغير المفهومة لدى الكثيرين من أبناء جلدتي الاشوريين، هي لماذا لا يتفهمنا العالم ويتعاطف مع قضيتنا وينتصر لمظلوميتنا وهي قضية عادلة ونحن مظلومون من جيراننا ليس اليوم بل لقرون مضت. متناسين ان العالم لم يعد يتكلم بلغة الانتقام والاحقاد، بل هناك أمور قد تجاوزها،هذا العالم الذي نريد ان نكسبه لصف قضيتنا. فمنذ نهاية القرن التاسع عشر وانتشار المفاهيم العلمانية واعتبار الدين مسألة شحصية بحته، لم يعر العالم المتمدن قضيتنا أي اهتمام لأننا اصرينا على تقديمها كقضية مسيحيين مظلومين من قبل جيرانهم المسلمين، وكقضية انتقام لما سامونا من المظالم، في حين ان هذا العالم كان يبحث عن مصالحه في كل خطوة، وكان يبحث على الأقل إعلاميا على نشر المفاهيم الإنسانية.
الجوار الجغرافي امر مفروض علينا التعايش معه، وعلينا ان نستغله لكي يمكننا ان نبني وننوع ونزداد ثراء، وليس للدخول في مهاترات وعداوات تستنزف قوانا، ان القتال والعداء خيار المجانين، انه اسهل الخيارات نعم، ولكنه الخيار المؤدي الى الدمار،هذا اذا كنا قادرين عليه، ولكن المشكلة اننا ندعي به ونحن نهرب ونترك، بحجة اننا سنعود وننتقم. ولكن في سلوك الطريق الصعب، طريق التعايش والتفاهم، تتحمل المسؤولية الفئة المثقفة والمتنورة ومن ثم السياسية الثقل الأكبر، من كلا الطرفين، لانهم الأطراف التي تدرك ابعاد الخطرة للانعزال والصفاء القومي على أي شعب من الشعب، والضرائب الباهضة التي سيدفعها أي طرف اختار هذا الخيار الاحمق. وهنا لا بد للطرفين ان يدركا ان كل منهما فيه اطراف لا ترى نفسها الا هي الوحيدة المحقة، والأخر دخيل، وهذه الأطراف تعمل جاهدة إعلاميا او سياسيا من اجل الغاء الاخر.
لقد ابتدأت الفئات الكوردية المتنورة، بداية جيدة وكان يمكن البناء عليها في بداية التسعينيات القرن الماضي، ولكن الخلافات الكوردية الكوردية، فتحت الأبواب على الأطراف النابذة للاخر وخصوصا الاشوريين المسيحيين، لقد صار منذ منتصف التسعينيات مسموعا خطاب الكره والحقد وهو يخرج من مساجد وجوامع معينة، خطاب يدعوا الى عدم التعامل مع المسيحيين (فله) وعدم شراء ممتلكاتهم لانهم سيتركونها بأنفسهم، خطاب يدعوا للانتقام لاي خطاء او حالة دفاع يقوم بها اشوري، ضد اخر كوردي. خطاب الرعب والكره والتهديد، وكانت السلطات تسكت بداعي حماية الصف وعدم فسح المجال للاخر لكي يستوقي، وكان هذا على حساب الاشوريين حقا وعل حساب الازيدية. ومع الأسف ان الاخبار لا تبشر بالخير، وخصوصا في المناطق الأكثر اختلاطا من المكونات المتعددة في محافظتي دهوك واربيل، حيث يتعايش الكورد والاشوريون والازيدية والارمن والشبك. ومن هنا ندعو القيادات الكوردية للتوجه الى بناء مؤسسات المدنية والاهتمام بمستقبل الشعب ككل وليس حصر الاهتمام بالانتصار على الخصوم وباي وسيلة، وخصوصا بالتحالف مع القوى الرجعية التي لا يهمها الا انتشار افكارها ومفاهيمها وقيمها، هذه المفاهيم والقيم التي هزت بلدان قوية مثل مصر وتونس والمغرب ولن البلدان الأخرى التي كان ينخرها السوس منذ زمن طويل.
الخيار الاشوري الأساسي يجب ان يبني على أساس المصالح وليس على أساس الايديولجيا، وخيارنا باعتقادي هو المتوافق والمتحالف مع الكورد، ولكن ليس أي كورد، الكورد المدنيين الليبرالين والذين يقرون بالمساواة الفردية لكل المواطنين بغض النظر عن الدين والانتماء الاثني والعرقي، ومساواة المكونات مع بعضها البعض. انه الخيار المتوافق مع الجغرافية والتاريخ والمصالح الانية والتطلعات المستقبلية. اما من يدعوا للانتقام في الوطن، فانه يعيش واقعا مزريا، من الإهانة اليومية والتعدي وتجاوز كل القيم وحقوق الفرد في الأمان والحفاظ على الممتلكات، فاني اتفهم ذلك وادرك انه دفع دفعا لمثل هذه المواقف جراء الواقع المعاش، ولذا فان من واجب السلطات القائمة إيجاد الحلول السريعة والتي تنصف الكل والا &سيضيع الحلم على الجميع.
&