&

هل انتهت حضارة العراق بتجييش أهله للحروب الداخلية؟ ولماذا هذا العنوان؟

تجاوزت أعمال القتل والإرهاب مسألة المسائلة الإلهية والربانية. وأرى الجرأة الحقيقية في محاربة الإنحطاط المذهبي وبشاعة خَنْقَ الحَياة بإدخال معتقدات القتل والتفجير وتنكب السلاح وتدريب أهالي العراق على توزيع صنوف الموت والخراب.

كوارث الحروب و الويلات والإقتتال الداخلي لم تمنع التفكير التقليدي الحزبي والعشائري والمذهبي من قيام كل مجموعة فئوية بفكرة تجييش أهل العراق وعسكرة مجتمعاتهم.&

عسكرة العراق كارثة غير طبيعية إطلاقا، وهي الرحيل عن ثقافة أهله ومجتمعه المدني. وتجييش وتسليح سكان المحافظات الموالين لقومية أو مذهب في أسلوب منحط لتكريس الطائفية والكراهية. بدأت هذه العسكرة بإدخال البعث الحرس القومي عام 1963 للتقليل من تأثير الجيش النظامي على الحزب وتبعها فدائيو صدام وأكراد البشمركة وألأسايش ومنظمة بدر ومليشيات الصدر وجيش النفقشبندية ومليشيات إسلامية أخرى. وكان الجيش العراقي قد وصل الى ذروة قوته وبلغ تعداده مليون عسكري ورابع أكبر جيش في العالم من حيث عدد الأفراد وتشكيلات ملاكه المكون من 52 فرقة مشاة.

ومنذ أكثر من سنة، والقوات التركية جاثمة في شمال الموصل، تقوم بتدريب مدنيين موالين الى أسرة النجيفي وبطلب منهما في مخالفة صريحة لقرارات الحكومة وتحدي يعكس أضرار حالية دائمة لأهالينا وحياتهم مستقبلاً.&

أثيل النجيفي المحافظ السابق لمحافظة نينوى وأخوه أسامة النجيفي يُسهمان حالياً في تفتيت قدرات العراق وإلتحام شعبه وجيشه، بإعتقاديهما أن تركيا هي الحليف العسكري المُعول عليه لتحرير المحافظة من قيادات وأمراء دولة الخلافة الاسلامية.

وفي تنكر للحقيقة التاريخية التي يعلمان بها، وهي أن الحكومات التركية العثمانية وأمبراطورياتها الإسلامية وعلى مر التعاقب الزمني سحقت شعوب المنطقة وأعتبرت العرب والأكراد حشرات تستحق السحق. وحكام الإمبراطورية العثمانية أظهروا موهبتهم الفاشية في مذابح الإبادة البشرية للأرمن والعرب وارتكبوا المجازر بحق الأكراد والآشورين والكلدانيين وتجاوزوا على الحقوق الفردية للأقليات.

ورغم كل تلك الفترة الزمنية ومآسيها الإنسانية، تطوف مُخيلة النجيفي إختيار كلمات وتسميات بديلة جديدة لتحرير محافظة نينوى والموصل وخرج مؤخراً بشعار وتقليعة "الحشد الوطني بدلاً من الحشد الشعبي.". يعمل أثيل النجيفي على إبعاد الجيش العراقي وإبعاد متطوعيه وإبعاد البيشمركة الكردية في تفضيل مشاركة الجيش التركي في عمليات داخل العراق، ويريد تمرير ذلك كي تغذي تركيا تدريب وتسليح سكان المحافظة وكي يكون الأخوين أداة للنفوذ التركي وإنتقال يد سيطرة إرهاب الخلافة الأسلامية داعش الى سيطرة الإرهاب والنفوذ التركي.&

على عكس مجرمو الحروب الزمنية ومفتعليها، نجد أن محبي تمريس الحياة المدنية في النسبة الكبرى من سكان العراق وتفضيلها، إقامة علاقات الأخوة وتنميتها مع الشعب التركي الجار والشعب الإيراني الجار دون إيداع إرادتنا الحكومية والشعبية في أيادي هاتين الدولتين وبسط نفوذهما وسيطرتهما أو عسكرة شباب العراق مناطقياً على أرض عراقية. كلُ عمل من شأنه عسكرة العراق وتجييش مكوناته هو تكريس للطائفة وحثها لقتال طائفة أخرى، وهو عمل لاأخلاقي ولا سياسي ويصعب إزالته ونفض غباره مستقبلاً بإحلال الحياة المدنية وخصوصياتها.

هل هذا المبدأ صعب الفهم والإستساغة على عتاة السياسة أم أن إستمرار نهج عسكرة أهل العراق هو الخط المتأصل في بعض الأحزاب والأشخاص لإستغباء الناس؟&

طالما تبين لمثقفي العراق حصار الحكومات لهم وقيام أشخاص تدفعهم مصلحة معينة بعسكرة التفكير المجتمعي للبسطاء من الناس وبخلق العدوات المذهبية وتجنيد الأهالي لحمل السلاح.&

أهالي الموصل هجروها ورحلوا عنها وحملوا مع اطفالهم طياتهم من حقائب الألم والحسرة وهم يغادرون أرضهم.&

ذلك ما يستوجب النقاش الموضوعي ويحثنا على الأشارة أن إرهابيي اليوم يتخفون بملابس عسكرية ومدنية. وأن فتح الصفحة الإنسانية النبيلة الجديدة ينبغي أن تكون مبنية على أساس قيام جيش وطني واحد ودمج من يتطوع في الحشد الشعبي تخصص العمل والإبتعاد عن إرباك الأوضاع الأمنية وتحدد الحكومة دوره وواجبه وإلتزاماته وأهدافه.

وكل من يرى أن قمة واجبه تسليح الأحزاب و العشائر مذهبياً يتبرع بفعل خطأه هذا للجريمة والإرهاب، ولا يميز بين إحلال روح المحبة والتآخي وفرق السلام وبين خطورة إحلال مجندين بإضافة مليشيات جديدة وإدخالها في خضم الصراع.&

&

كاتب وباحث سياسي&

&