مهما حاولنا الاعلاء من شان الاديان وتقديسها وحمايتها واحاطتها باسوار من قوانين الحماية والمساندة، فانها لن تخرج من ان تكون ظواهر اجتماعية ثقافية، فالاديان وان كانت بعضها او اغلبها تعتقد انها مرسلة من رب السموات، الا ان هذا الاعتقاد المستمد من كتبها وليس من مصادر محايدة، يبقي قولا بحاجة للاثبات، من مصادر محايدة وعلمية. ولان رب السموات أيضا كائن مجهول، فهو اما غير موجود بالمرة او انه صنعة يستغلها الاخرين لاستغلال حالات إنسانية طبيعية، يشعر فيها البشر بانهم بحاجة للدعم والمساندة.
&
وبما ان الأديان ظواهر اجتماعية ثقافية، فهي عرضة للنقد، وعرضة للفحص وعرضة لكشف ما تخفيه خلف تعاليمها مهما غلفت هذه التعاليم بالقداسة وتحريم التقرب منها. ولذا فان عملية نقد الأديان ليست هي الخطوة الخطرة والغير المستحبة والغير المنطقية، بل قتل ومسح ومحو معتنقي او مؤيدي او منتمي الأديان واديانهم من الوجود، بحجة المقدس ذاته التي كانت تؤمن به الأديان الأخرى. وان ابقاء الأمور على حالها، يعني الاستمرار في عملية استغلال الدين (الله والانبياء) في فرض وبكل الطرق اجندة بشرية بحتة، على الاخرين، مغطاة بالمقدس.
&
ولان الله او الخالق او الرب في معتقد المؤمنين، هو الخالق، خالق الكل، الجيد والشرير، المتدين والملحد، المسيحي والمسلم واليهودي والبوذي وهلم جر، فلماذا يحق لبعض من بني البشرمن ان يعتقد انه حامل الحقيقة المطلقة ويحق لهم فرضها،على الاخرين، رغم مساوتهم بالخلق مع الاخرين، اليس منطقيا، ان نتسال اذا لماذا خلق الله كل هذا؟ ان ما يتم فرض على الله من خلال استمرار هذا التسيب وهذا التقسيم وهذا التمييز، يجعل منه امر مضحكا، وكان هناك شخص قام بعمل لا يعلم لماذا قام به. وكل مرة يحاول ان يعدل من اخطائه ليقع في أخطاء اكبر. وبالتالي زرع الاعتقاد في نفوس الناس بان الله ليس كاملا والدليل محاولته خلق انسان متكامل ولكنه لم يتمكن، ومحاولته تعديل الامر بارسال مئات الأنبياء ولكنه فشل في كل مرة. فهو لم يتمكن ان يفرض أي من الأديان التي قيلت انها منه على الناس، رغم قدرته، فهو يستعين بالناس لكي تقتل الناس من اجل نشر كلمته وشريعته. هل وجدتم مثل هذه التنقضات او مثل هذه الملهاة؟ والمسألة المثيرة الأخرى، لماذا خص الله هذه المنطقة المحصورة بين اشور ومصر وبين حران ومكة بالانبياء، الم يدرك الله ان هناك بشر في الصين واليابان والامريكيتين واوربا وافريقيا القريبتين؟ ام ان امر هؤلاء لم يكن يعنيه؟
&
في منطقتنا، منطقة الشرق الأوسط، تنتشر مقولة الأديان السماوية، أي بما يعني انها أتت من السماء، ويقصد بها اليهودية والمسيحية والإسلام، ولكن اذا كانت هذه الأديان قد أتت من السماء، أي من المصدر الواحد، فلماذا نراها اكثر الأديان تحارب بعضها البعض، وعلى أساس تمثيلها بصدق تعاليم الله كل لوحده، ويحاول تجريد الاخر منها؟ اليس هذا استلاب لارادة الله والنطق باسمه دون ان يتم سؤاله؟ وهي الأديان الأكثر اتهاما للاخر بالهرطقة والكفر والزندقة، وتوقع مصير مرعب للاخرين (الجحيم). ولا نعرف ذنبا لهم وهم او غالبيتهم لم يتلقوا رسالة من الله، علما انه خالقهم! ان بعض الأديان لا تسلب الانسان اخرته، بل حتى حاضره وانجازه وما صنعته يداه ومال يستفادون منه أيضا.
&
في عمليات خداع الذات نقرأ، مقولة قد يراها البعض بريئة، ولكنها بالحقيقة لوي للحقيقة ومحاولة سلب حق الاخر ودوره في التطورات الإيجابية على المستوى الثقافي والاجتماعي وعلى مستوى تحقيق العدالة بين الناس. المقولة تقول، ان الغرب هو الإسلام بدون مسلمين، وواقع المسلمين هو مسلمين بدون اسلام، يا لها من مقولة كاذبة وسالبة للحق ومخادعة للذات! انهم يريدون القول ان ما في الغرب من التقدم والتطور هو ما دعا اليه الإسلام، والبعض يزايد ويقول ان ما في الغرب هو نتيجة للعلوم المخفية في القران او نهج البلاغة. ولكن كل هؤلاء لا يقولون لنا اذا لماذ لم تكتشفوه انتم، واذا لماذا تفرضون علينا ان نتبع علماكم، الذين فشلوا في استخراج هذه الكم الهائل من الاكتشافات والعلوم من كتبكم المقدسة، ولا نتبع من تمكن من ذلك، لا بل ان المفارقة الأكثر مثار للتعجب، انهم رغم قولهم بان الغرب هو الإسلام دون مسلمين، الا انهم حينما يستوطنوا ويستقروا، يحاولون ان يفرضوا ما وصفوع، المسلمين دون الإسلام على الغرب الموصوف بالكافر.
&
في ظل ظواهر مثل أعلاه، وغيرها من الالاف الأخرى، والمستمدة أسسها الخاطئة من الدين، ومحاولة فرض دين افضل وقيمه وان كنا نهرب منها ومن نتأجها، نتسأل اليس من المعقول والمطلوب نقد الدين ومقولاته وقدسيته أيضا؟ ويتلوه سؤال اخر وهو من يجب ان يكون الأكثر قدسية الانسان ام الدين؟ اذا كانت الاديان كما تدعي الكثير منها بانها اتت لهداية الانسان ولكي توصله الى بر السلامة في الدنيا والاخرة، فلماذ تفترض الوسيلة بانها اقدس من الغاية؟
&
ان تقويم التجارب الإنسانية الثقافية والاحتماعية لا يتم الا بخضوعها للنقد، ومن ثم للتنقيح وللتطوير والترك أيضا، فكل ما يكتشف بانه مضر للإنسان وللانسانية وتطورها، يجب ان يترك، ويكفي الاعتقاد بان ما موجود الله خلقه لسبب يعرفه هو!! فهذا جواب ثبت انه خاطئ ومسبب للتخلف والانغلاق، والدليل المقولة التي شاع قولها ان في الغرب اسلام من غير مسلمين. في عمليه مخداعة الذات بان الإسلام جيد ولكن المسلمين هم السيئين.
&
في ظل قبول او خضوع اغلب الأديان ومنها ما يقال عنها بالسماوية، للنقد والتأويل المختلف والتشكيل، أي قبولها ان تكون جزء من الظواهر الإنسانية القابلة للتطوير، ومنها المسيحية واليهودية، ومحاولة تنصل الإسلام من هذه الحالة الطبيعية والمنطقية، او محاولة رجال الدين الإسلامي العمل وبكل الطرق، حماية الإسلام من تعرضه لهذه االتجربة المطلوبة والمتوافقة مع التطور الانساني، بسوق الاتهامات مثل الاسلامفوديا والعداء للاسلام، يفترض بالناس اليوم الدعوة للقيام بنقد الأديان، والتركيز على هذا الامر، لان عدم القيام به، كان سببا في مأسي كبيرة وكثيرة والمشكلة ان هذه المأسي ليست جزاء من التاريخ، بل اننا نعايش بعضها او الكثير منها الان. ان بعض رجال الدين المسلمين ليسوا حساسيين تجاه نقد الإسلام، بل مرعوبين من ذلك، وكان أي تشكيك او نقد قد يهد بنيانه من الاساس.
&
ان الحل الأسرع لإنقاذ الدين أي دين من الوقوع تحت مطرقة الهدم، بات بترك الدين خيارا شخصيا، وابعاده عن السلطة وفرض معتقداته وشرائعه على الاخرين، وجعل القانون والشرائع محايدة وتتوجه لكل الناس بمساواة تامة.
&
&