&
في مقال كتبه المفكر الأميركي الكبير نعوم تشومسكي حدد عشر إستراتيجيات تعتمدها النظم الدكتاتورية عبر وسائل إعلامها للتحكم بشعوبها.وتناقلت المواقع العالمية قائمة بتلك الإستراتيجيات والتي إختزل فيها تشومسكي الطرق التي تستخدمها وسائل الإعلام للسيطرة على الشعوب. واللافت للنظر أن القائمة التي أعدها هذا المفكر تتطابق الى حد التماثل الكامل مع السياسة التي يعتمدها حزب عشيرة بارزان في إقليم كردستان منذ أن تمكن هذا الحزب من إحكام سيطرته المطلقة على مقاليد الحكم بكردستان ومازال يعمل بها خاصة في ظل الأزمات الطاحنة التي تعصف بكردستان هذه الأيام جراء تعطيل العملية السياسية والإنقلاب السيء الصيت لهذا الحزب على الشرعية البرلمانية وإستخدام القوة العسكرية المفرطة لمنع رئيس البرلمان من دخول مبنى البرلمان وطرد أربعة وزراء من حكومة الإقليم بقرار من المكتب السياسي لهذا الحزب، وأخيرا خلق أزمة مالية طاحنة يئن بسببها المواطن تحت وطأة الجوع والفاقة.فقد ورد في قائمة تشومسكي:
أولا: إستراتيجية الإلهاء.وحددها تشومسكي بأنها عنصر أساسي في التحكم بالمجتمعات،وهي تتمثل في تحويل إنتباه الرأي العام عن المشاكل الهامة والتغييرات التي تقررها النخب السياسية والإقتصادية، ويتم ذلك عبر وابل متواصل من الإلهاءات والمعلومات التافهة".
وهذا نفس ما يسير عليه حزب بارزاني حين حاول تحويل إنتباه الشعب من أزمة تعطيل البرلمان وشل الحكومة الى ملامسة وتر تأسيس الدولة الكردية المستقلة واللعب بعواطف الناس عبر العزف المتكرر على هذا الوتر. وكذلك إلهاء الشعب بصورة يومية بمسألة مواعيد صرف رواتب الموظفين التي يتحكم بها هذا الحزب وحده، فلم تعد لحكومة الإقليم أي شغل يشغلها سوى إصدار البيانات اليومية حول تحديد مواعيد صرف الرواتب لموظفي الوزارات يوما بيوم.
&
&
ثانياً- ابتكار المشاكل..ثم تقديم الحلول:هذه الطريقة تسمّى أيضا "المشكل–ردة الفعل– الحل". في الأول نبتكر مشكلا أو "موقفا" متوقــعا لنثير ردة فعل معينة من قبل الشعب، وحتى يطالب هذا الأخير بالإجراءات التي نريده أن يقبل بها. مثلا:ابتكار أزمة مالية حتى يتم تقبل التراجع على مستوى الحقوق الإجتماعية وتردي الخدمات العمومية كشر لا بد منه ".
وهذا أيضا عين ما فعله حزب بارزاني حين إفتعل أزمة البرلمان وتعطيله على خلفية محاولة كتل البرلمان مناقشة إنتهاء فترة ولاياته القانونية، حيث أحدث أزمة مالية مازالت مستمرة الى اليوم رغم أن أسعار النفط العالمية قد إرتفعت الى درجة تمكن الحكومة من الإيفاء بإلتزاماتها تجاه موظفيها الذين قطعت رواتبهم الى حد النصف بسبب تدني أسعار النفط قبل عدة أشهر.
ثالثاً- استراتيجية التدرج:لكي يتم قبول إجراء غير مقبول، يكفي أن يتم تطبيقه بصفة تدريجية، مثل بطالة شاملة، هشاشة، مرونة، تعاقد خارجي ورواتب لا تضمن العيش الكريم، وهي تغييرات كانت ستؤدي إلى ثورة لو تم تطبيقها دفعة واحدة.
هذه الإستراتيجية بدورها تم تطبيقها من قبل حزب بارزاني الذي أعلن رئيس حكومته قبل عدة أسابيع بأن الحكومة عاجزة تماما عن توفير الوظائف الحكومية لخريجي الجامعات والمعاهد، وأن نسبة البطالة حسب تقديرات غير رسمية قد فاقت الأربعين بالمائة، الى جانب خفض رواتب الموظفين الى حد النصف والربع بالنسبة لبعض الدرجات الوظيفية.
&
&
رابعا- استراتيجية المؤجل:وهي طريقة أخرى يتم الالتجاء إليها من أجل إكساب القرارات المكروهة القبول وحتى يتم تقديمها كدواء "مؤلم ولكنه ضروري"، ويكون ذلك بكسب موافقة الشعب في الحاضر على تطبيق شيء ما في المستقبل. قبول تضحية مستقبلية يكون دائما أسهل من قبول تضحية حينية. أولا لأن المجهود لن يتم بذله في الحين، وثانيا لأن الشعب له دائما ميل لأن يأمل بسذاجة أن "كل شيء سيكون أفضل في الغد".
هذه الإستراتيجية إعتمدها حزب بارزاني حين إنقلب على الشرعية البرلمالنية على خلفية محاولة أربعة أحزاب رئيسية إنهاء ولاية مسعود بارزاني، وقد بررت قيادة هذا الحزب قرارها بأنه كان الخيار السيء، وقد إختاره لتفادي الخيار الأسوأ،وحاول أن يؤجل مسألة تطبيع الأوضاع السياسية الى مابعد إعلان الدولة المستقلة التي يزعم هذا الحزب تشكيلها في المستقبل، وبذلك فإنه وفقا لهذه الإستراتيجية يوهم شعبه بأن غده سيكون أفضل من يومه هذا في مسعى منه لإلهاء الشعب وكسب المزيد من الوقت لإبقاء مسعود بارزاني على سدة الحكم.
خامساً- مخاطبة الشعب كمجموعة أطفال صغار:تستعمل غالبية الإعلانات الموجهة لعامة الشعب خطابا وحججا وشخصيات ونبرة ذات طابع طفولي، وكثيرا ما تقترب من مستوى التخلف الذهني، وكأن المشاهد طفل صغير أو معوق ذهنيا.فإذا خاطبنا شخصا كما لو كان طفلا في سن الثانية عشر، فستكون لدى هذا الشخص إجابة أو ردة فعل مجردة من الحس النقدي بنفس الدرجة التي ستكون عليها ردة فعل أو إجابة الطفل ذي الإثني عشر عاما.
الخطاب الإعلامي لحزب بارزاني يعتمد هذا الأسلوب فعلا في مخاطبة الشعب، فعلى سبيل المثال لايتحرج هذا الحزب من إلقاء مسؤولية سوء الأوضاع السياسية والإقتصادية والمعيشية على عاتق الأحزاب والقوى السياسية الأخرى المناهضة لتمسك بارزاني بالسلطة، وكثيرا ما يطالب هذا الحزب عبر إعلامه تلك القوى بتقديم مبادرات التطبيع في حين أنه هو الذي خلق المشكلة وهو صاحب القرار الأول والأخير في إعادة تطبيع الأوضاع.
سادساً- استثارة العاطفة بدل الفكر:استثارة العاطفة هي تقنية كلاسيكية تستعمل لتعطيل التحليل المنطقي، وبالتالي الحس النقدي للأشخاص. كما أن استعمال المفردات العاطفية يسمح بالمرور للاوعي حتى يتم زرعه بأفكار،رغبات، مخاوف،نزعات، أو سلوكيات.
ومحاولة حزب بارزاني بترديد وتسويق شعار إنشاء الدولة الكردية وتحقيق آمال الشعب بالتحرر والإستقلال يدخل في هذه الإستراتيجية لإستدرار العواطف الشعبية والتغطية على فشله في إدارة الحكم بالإقليم.
سابعا- إبقاء الشعب في حالة جهل وحماقة:العمل بطريقة يكون خلالها الشعب غير قادر على استيعاب التكنولوجيات والطّرق المستعملة للتحكم به واستعباده. يجب أن تكون نوعية التعليم المقدم للطبقات السفلى هي النوعية الأفقر، بطريقة تبقى إثرها الهوة المعرفية التي تعزل الطّبقات السفلى عن العليا غير مفهومة من قبل الطبقات السفلى.
لقد دأب حزب بارزاني منذ نشأته على تقديم الجهلة ورؤوساء العشائر والبلطجية وخريجي السجون على أساتذة الجامعات والطبقات المثقفة الذين يحرمون في هذا الحزب من كل فرصة للتقدم في المناصب والمسؤوليات،فلا يتحرج هذا الحزب من تنصيب فراش دائرة حكومية مسؤولا حزبيا عن مجموعة من أساتذة الجامعات، وهذا بالتحديد دعم للجهل على حساب الكفاءات الأكاديمية.
ثامناً- تشجيع الشعب على استحسان الرداءة: تشجيع الشعب على أن يجد أنه من "الرائع" أن يكون غبيا، همجيا وجاهلا.
قبل أسابيع راجت في وسائل الإعلام المحلية أنباء عن قيام مسعود بارزاني رئيس الإقليم المنتهية ولايته بإصدار مجموعة من قرارات العفو الرئاسية لصالح عدد من المحكومين بقضايا جنائية ثم إنضمامهم الى حزبه بعد إخراجهم من السجون!
تاسعا- تعويض التمرد بالإحساس بالذنب:جعل الفرد يظن أنه المسؤول الوحيد عن تعاسته، وأن سبب مسؤوليته تلك هو نقص في ذكائه وقدراته أو مجهوداته. وهكذا، عوض أن يثور على النظام الإقتصادي، يقوم بامتهان نفسه ويحس بالذنب، وهو ما يولد دولة اكتئابية يكون أحد آثارها الإنغلاق وتعطيل التحرك. ودون تحرك لا وجود للثورة!
وهذا مايحصل اليوم لدى الشعب الكردي الذي يشعر باليأس والإحباط ولايتحرك ساكنا لرد المظالم النازلة عليه من قبل سلطة بارزاني التي قطعت رواتب الموظفين وأوقفت مشاريع الخدمات، وحولت الحياة في كردستان الى جحيم لايطاق يفر منها الشباب نحو بلدان المهاجر لأنهم لايستطيعون فعل شيء تجاه قبضة الإستبداد البارزانية.
&
عاشرا وأخيرا- معرفة الأفراد أكثر مما يعرفون أنفسهم:خلال الخمسين سنة الماضية، حفرت التطورات العلمية المذهلة هوة لا تزال تتسع بين المعارف العامة وتلك التي تحتكرها وتستعملها النخب الحاكمة. وتوصل "النظام" إلى معرفة متقدمة للكائن البشري، على الصعيدين الفيزيائي والنفسي.أصبح هذا"النظام"قادراعلى معرفة الفرد المتوسط أكثر مما يعرف نفسه، وهذا يعني أن النظام – في أغلب الحالات – يملك سلطة على الأفراد أكثر من تلك التي يملكونها على أنفسهم.
نعم هذا ما يحصل في كردستان اليوم حتى أن الكثيرين من الطبقة المثقفة بكردستان يرددون القول في المناسبات بأن حزب بارزاني المتحكم بالأمور كلها في كردستان يعرفون تماما مدى ذل وخنوع الشعب لإرادتهم ولذلك فإنهم يلعبون بهذا الشعب كيفما شاؤا،والدليل على ذلك أنهم يسرقون يوميا أموال النفط دون أن يحسبوا أي حساب لردة فعل الشعب، ويستمرون بمصادرة قوتهم اليومي من خلال خفض رواتبهم من دون أن يحرك أحد ساكنا، وهذا منتهى الذل والهوان من الشعب تجاه هذه السلطة الحاكمة.
&
&
أخيرا نقول، رغم أن إستراتيجيات تشومسكي تبدو عامة ( لحكومات وأنظمة وشعوب)، لكن أليس غريبا أن هذه الأفكار جميعها تتطابق تماما مع النهج الذي يسير عليه حزب بارزاني في حكم إقليم كردستان؟. الجواب هو في مراجعة قراءة هذا المقال بتأني مرة أخرى ليتكشف القاريء حجم المأساة التي يعيشها شعب كردستان في ظل حكم الطاغية مسعود بارزاني.
التعليقات