من صفات الفاشية، عدم التمييز بين أي لون من ألوان الإختلاف. هذه الصفة ترتبط ببنية التفكير لدى الفاشية و تُعبر عن إستحالة قبولها لكل ما هو مختلف طالما يهدد هذا الأخير منطقها الشمولي في إخضاع الجميع لمنطق واحد ولون واحد و طريقة واحدة في التفكير والنظر الى الإنسان والمجتمع والعالم.&
&للفاشية خاصية أخرى، هي تزين خطابها دوماً بالروايات الكبرى والشعارات البراقة والعريضة و الحديث بأسم الأمة بل الأمم و العالم أحياناً، و إعتبار النفس حامي البشرية ومنقذها، حارس الحضارة و إزدهارها، قائد التاريخ و محركه. كما ومع الفاشية لا ينبغي أن تسأل أبداً من أنت؟ وماهي حقوقك و ماهو معنى وجودك؟ وإنما عليك أن تُقر مسبقاً بأنه مقدور لك دوماً أن تكون في الصورة التي رسمتها هي في ذهنها لك والشكل الذي كونها هي عنك والجوهر الذي ليس من حق أحد تعينها إلا هي دون غيرها..! الفاشية هي، بكل بساطة، سلب لإرادة الإنسان و حريته و حقوقه و إختياراته بإسم إرادة أخرى (أعلى و أسمى) متمثلة في مباديء الصهر و الكسر لكل ما لا يمثل مرآةً لها، ولكل من يروم أن يكون أي شيء سوى الفاشية!
&وبهذه المعاني، لايمكن أن نتوقع من الفاشية إذن سوى التآمر على كل من يستعصي عليها، أو يبغي الوقوف في وجهها، أو يسعى أن يكون نفسه لا غير، أو يحدد بنفسه ما هو في صالحه أو طالحه دون العودة الى غيرها. وكل هذه في النهاية هي من مسلمات خصائل الفاشية بل ربما أهونها لأن نظام سياسي مكارثي من هذا القبيل لا يقبل بتاتاً أن يكون ثمة من يتنفس من حوله دون مراقبة و معاقبة، أو يعيش دون خنوع و خضوع، ولا يسمح بالتالي أن يكون للإنسان أي وجود أصلاً من دون ترخيص منه!.
&أن ما يقوم به و يمارسه النظام التركي منذ عهد الفاشية الأتاتوركية الى وريثها الشرعي اليوم: الفاشية الأردوغانية إزاء كل ما يتعلق بالكُرد والوجود الكردي في منطقة الشرق الأوسط، لا يفسره أي شيء آخر سوى خصائص روح الفاشية وتجلياتها التاريخية في تاريخ الحديث والقديم. كل هذه المحاربة الشيطانية الأردوغانية للوجود الكردي في هذه المنطقة لايمكن فهمها أو فك رموزها إلا بتحليل وتفكيك العقلية الفاشية المعادية لكل مختلف.
&أن النظام التركي الفاشيستي لم يطرح على نفسه يوماً أي سؤال- مثلاً- حول أسباب بقاء الشعب الكردي في الوجود حتى اليوم في الوقت الذي طال زمن محاربته لهذا الشعب أكثر من قرن؟ لم يسأل نفسه أبداً كيف يمكن أن يطول دهر هذا (الإرهاب الكردي) كل هذا الوقت؟ كيف لم يقضي عليهم الى الآن بينما لم يبق أي سلاح مسموح أو محضور لم يستخدمه ضدهم؟ أنه لا يسأل نفسه أبداً: كيف مازال يقاوم هذا الشعب و نحن نقتل منه المئات و الآلاف في كل عام؟ كيف يمضون ثوارهم في مواجهتم لنا في الوقت الذي يحملون أبسط الأسلحة بينما نحن أصحاب الجيش الجرار نمتلك أقوى الأسلحة الفتاكة بحيث يطلق علينا أسم ثاني قوة عسكرية في حلف الشمال الأطلسي؟ كيف لم ينتهي هذا الشعب حتى الآن و باق في الوجود؟ كيف يمكن أن يكون مجرد (عصابات إرهابية) بينما تلتحق بثوارهم سنوياً الآلاف و الآلاف من أبناء المناطق التي يقطنون فيها؟ لِمَ يزاد عددهم يوماً بعد يوم؟ لِمَ نعتقل زعمائهم و نعدم سياسيهم و نعتدي على بيوتهم و حرماتهم و نخلي قراهم و نحرقها و نهجرهم من أرضهم و ونفرض عليهم أبشع أساليب التتريك بينما هم مازالوا صامدون و واقفون في وجهنا بكل حزم و قوة و كأنه لم يحدث لهم شيئاً أو كأنهم في بداية المشوار؟ لماذا لايخضعون و لا يركعون لنا؟ من أين أتتهم كل هذه الروح و القوة ؟ وهل لـلـ(إرهاب) ياترى كل هذه الجاذبية والقوة و السحر حتى يجابهنا هكذا ويقف في وجهنا بكل هذه الشراسة ولمدة قرن كامل؟
&الفاشية التركية و لاسيما الفاشية الأردوغانية السلطانية المهوسة بعقلية الإمبراطوريات المنقرضة، لا يمكن أن تخطر ببالها كل هذه الأسئلة أصلاً، فالفاشية أساساً هي عبارة عن فلسفة الأجوبة المسبقة والمعلبة لكل شيء، هي نظام اللاتفكير و اللاتساؤل، أنها رأس بلا أذن و لاعين، لا تملك سوى لسان طويل تفتي به فتاوى القتل و الدمار و الخراب ولكن من دون جدوى !.
&أن الحال مع الفاشية التركية إزاء الشعب الكردي هو على هذه الشاكلة تماماً، أنها فاشية عمياء بإمتياز، أو شيء من هذا الطراز تقريباً!، تمشي غالباً بدون رأس و لاتحتاج إليه أصلاً لأنها قررت من الأزل كيف تمضي و تخطو و تقرر، أنها في أفضل الأحوال بمثابة روبوت سياسي مبرمج على سفك الدماء وتدمير كل ما يتصل بلفظة الكرد و بهذا (الشعب الإرهابي)..!.
&أن ما يفعله اليوم النظام الفاشي التركي تجاه الكرد في رؤژئافا/ شمال سورية و الكرد في المدن الكردية التركية التي دمر عدد منها فقط في هذا العام و أمام أنظار العالم، و ما يمارسه تجاه الكرد في العراق بقصف القرى الحدودية و خرق سيادة هذا البلد بذريعة ملاحقة الحزب العمال الكردستاني، يبين بجلاء أن الكرد في المنطقة أصبح في نظر الفاشية التركية (أخطر من الداعش) و بناءاً على هذا المنظور والمنطق الفاشيوي عليها الإسراع في تطبيع العلاقات مع الإسرائيل و الركوع أمام الروس و مغازلة نظام الأسد و التفاهم مع الإيرانيين لتستقطب كلهم، في النهاية، في دعم مشروع إبادة الشعب الكردي في المنطقة وشرعنة تصفيته و إنهاء قضيته، التي تعتقد أنها تهدد أمن تركيا القومي، بل التسويق أيضاً لخطر الكرد حتى على أمن الدول الإقليمية و شعوب المنطقة.
&أن الفاشية الأردوغانية، تريد أن تدخل التاريخ من أبوابه العريضة من خلال إبادة أكبر شعب مسلم بلا كيان في المنطقة كالشعب الكردي، أنها لاتهتم أبدأ لا بدين الكرد و لا بربه و رسوله و قرآنه!، الأهم عندها هو تجديد الولاء والحنين للفاشية الأتاتوركية والمضي قدماً في تنفيذ مشروع الأبادة الجماعية للشعب الكردي ولكن من دون جدوى أيضاً.. !، والسبب بسيط جداً، هو أن الأمة الكردية، ليست أمة إرهابية كما تختزلها الفاشية التركية، وإنما هي أساساً ضحية الأرهاب: إرهاب الدول التي وزعت عليها، والتي أحتلت أرضها و سلبت خيراتها و شوهت تاريخها و حرفت تطلعاتها ولكن من دون أن تقدر على تدميرها.&
&أن الأمة الكردية، أضحت اليوم أمة واعية بتاريخها و تاريخ الأمم الأخرى، لاسيما في هذا العصر المعلوماتي و العالمي المعولمي الذي لايمكن أن يدع الفاشية التركية الأردوغانية وأمثالها أن ترتكب الجرائم الهتلرية في هذا العصر.. كما أن الكرد، لن يكون بعد الآن بمثابة جندي الشطرنج في الصراعات الإقليمية و الدولية، وإنما بات يمثل دوره الفاعل في تحريك وتوجيه أحداث المنطقة وخوض الصراع مع الكل على أكثر من مستوى وجبهة سياسية، وتراهن في ذلك، قبل أي شيء، على قدراتها الذاتية القتالية من جهة، والحكمة السياسية و الدبلوماسية من جهة أخرى، وإستثمار الخلافات الإقليمية والدولية من أجل تدويل قضيته، وبالتالي فعل المستحيل من أجل ضرب كل المشاريع الدموية و مواصلة النضال و الصمود والمقاومة.&
* كاتب و إعلامي كردي - كردستان العراق&
التعليقات