للإصلاحات التي أطلقها الأمير محمد بن سلمان قبل عامين& في المملكة العربية السعودية، والتي استجاب لها المجتمع، ونخبه المتطلعة إلى التقدم والانفتاح على حضارة العصر، معان عدة يتوجب التوقف عند البعض منها...

أول هذه المعاني هو أن التاريخ يؤكد لنا أن الثورات العنيفة سرعان ما تنحرف عن مسارها لتفرز أنظمة قد تكون أشدّ فسادا وبطشا بالشعوب من الأنظمة التي أطاحت بها. وقد تحدث هذه الثورات شروخا في نسيج المجتمع تظل قائمة إلى أمد طويل. وهذا ما حدث في روسيا بعد الثورة البلشفية، وفي ايران بعد سقوط نظام الشاه على سبيل المثال لا الحصر. أما الثورات الناعمة والهادئة، تلك التي تصلح ما فسد، وتداوي الجراح النازفة، وتعالج القضايا الخطيرة بالحكمة والرصانة، فإنها غالبا ما تكون نافعة ومفيدة. ومثل هذه الثورات لا تحدثها حركات المعارضة، بل الأنظمة نفسها. &يحدث ذلك عندما تتخلى هذه الأنظمة عن التعنت لتقرأ الواقع قراءة متأنية تكشف لها المخاطر التي تهددها في الحاضر والمستقبل، وتتيح لها التعرف على القضايا الحقيقية التي يواجهها المجتمع. وفي الآن نفسه، تمكنها هذه القراءة من انتقاد أخطائها، ومن الاعتراف بها لكي تستعيد ثقة الجماهير، وتقطع الطريق على من يرغبون في استغلال الأوضاع الفاسدة لنشر الفوضى والعنف والفتن بمختلف أشكالها...

ثاني هذه المعاني هو هذه الإصلاحات تدحْضُ &تلك الفكرة التي شاعت في العالم العربي في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، والتي تقول بإن الاطاحة بالأنظمة الملكية كاف وحده لكي& تنعم الشعوب والمجتمعات بالحرية والديمقراطية والحياة الكريمة. وقد تمت الاطاحة بالنظام الملكي في كل من مصر، والعراق، وليبيا، إلاّ أن الأنظمة "الثورية" التي استلمت السلطة سرعان ما خانت وعودها لتحكم شعوب هذه البلدان بالحديد والنار، مسلطة عليها أنواعا من القهر والقمع والمظالم المنافية لأبسط حقوق الانسان والمبادئ الانسانية. لذلك لم يكن من الغريب في شيء أن تبدي الشعوب حنينا للأنظمة الملكية التي& تمت الاطاحة بها. ومرة أخرى يقول لنا التاريخ بإن الأنظمة الملكية التي تصلح نفسها بنفسها، وتبادر بالقيام بثوراتها الداخلية الناعمة هي المنتصرة في النهاية، وهي القادرة فعلا على الاستجابة إلى طموحات شعوبها ومجتمعاتها ونخبها، وتحقيق التواصل الذي يحافظ على استقرار المجتمع، ويجنبه النزاعات والصراعات المدمرة والقاتلة. وهذا كان حال النظام الملكي في بريطانيا، وفي هولندا، وفي بلجيكا، وفي السويد، وفي اسبانيا... وسيكون حال النظام الملكي في السعودية إن& أنجزت الإصلاحات المنتظرة رغم كل المصاعب والعراقيل، ورغم الدسائس والمؤامرات التي يحيكها المعترضون عليها، والرافضون لها...

ثالث هذه المعاني هو أن الإصلاحات في المملكة العربية السعودية سوف تكون حاسمة في التصدي للحركات الأصولية المتشددة التي تستغل الإسلام لنشر ثقافة العنف، والتزمت، والانغلاق، ورفض الآخر، ونبذ حضارة العصر، والدعوة إلى تقويض أسسها. كما أن هذه الإصلاحات ستبطل مفعول تلك الفكرة الشائعة التي& شوهت صورة المملكة العربية السعودية بدعوى أنها& المصدر الأساسي للإرهاب، والعنف الأصولي الذي عانى منه العالم على مدى العقود الأربعة الأخيرة، ولا يزال يعاني منه إلى حد هذه الساعة، ليشكل تهديدا دائما على السلم والتآزر بين الشعوب والأمم، مفجرا نزاعات خطيرة بين الأديان والمعتقدات...ثم إن الإصلاحات في المملكة العربية السعودية تثبت بالحجج القاطعة أن الإسلام &قابل للاجتهاد والإصلاح، وللانسجام مع العصر عكس ما يرد في الأطروحات الأصولية المتطرفة التي يكون فيها الماضي البعيد هو المرجع& والحكم في شؤون الدنيا والناس.

رابع هذه المعاني هو أن هذه الإصلاحات ستكون لها تأثيرات إيجابية في البلدان العربية والإسلامية عموما لما تتمتع بها المملكة العربية السعودية من وزن ثقيل على المستوى السياسي والاقتصادي والديني. ومن المؤكد أن هذه الإصلاحات ستلعب دورا حاسما في المصالحة بين المسلمين، وتجنيبهم& مخاطر الفتن المذهبية. وبذلك يستعيدون مكانهم على الأرض كشعوب خلاقة، وحرة، ومتصالحة مع نفسها ومع العالم.