في القمة المقبلة لدول مجموعة العشرين بالرياض في نوفمبر 2020، المطلوب من السعودية المبادرة إلى رسم صورة جديدة لهيكلية التجارة العالمية، لا تتأثر بالحرب التجارية الأميركية – الصينية التي تضع الاقتصاد العالمي في خطر.
هل يتجه الاقتصاد العالمي نحو الانهيار؟ إنه السؤال الذي يجول في خاطر كثيرين في هذه الأيام، إذ تلوح في الأفق إشارات اقتصادية مشؤومة. ربما تكون ألمانيا آخر بلد يثير القلق. أما القوة الاقتصادية الأوروبية فقد شهدت انكماشًا اقتصاديًا في الربع الثاني من العام الحالي، ويمكن أن تشهد ربعًا آخر من النمو السلبي، وأن تميل بالتالي إلى الركود. وتشهد سنغافورة أيضًا، وهي درة تاج الاقتصاد العالمي، تباطؤًا دراميًا، إذ خفضت توقعاتها لعام 2019 إلى الصفر تقريبًا. وفي الوقت نفسه، شهد القطاع الصناعي الصيني أبطأ نمو له منذ 17 عامًا.
آثار ملموسة
ثمة قاسم مشترك بين سنغافورة وألمانيا والصين: إنها تعتمد كلها بدرجة كبيرة على التجارة العالمية. ومع تصاعد التوتر التجاري بفعل المواجهة التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وبسبب صعود سياسيين شعبويين مشككين في التجارة الحرة في العالم الغربي، ربما تهب رياح اقتصادية شديدة على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال العامين المقبلين. في الواقع، سيكون أثر الصراع بين عمالقة الاقتصاد ملموسًا في جميع أنحاء العالم النامي.
أمام المملكة العربية السعودية اليوم فرصة نادرة لتؤدي دورًا رئيسًا في هذه اللحظة المضطربة. في العام المقبل، ستستضيف الرياض قمة مجموعة العشرين السنوية للاقتصاديات الرائدة في العالم. وبصفتها الدولة المضيفة، ستؤدي السعودية دورًا أساسيًا في تحديد جدول أعمال القمة. وبحلول موعد انعقاد القمة في أواخر نوفمبر 2020، سيكون الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد دخل ولايته الرئاسية الثانية، أو يودع البيت الأبيض.
ليس وحده
يعتمد معظم النشاط الاقتصادي العالمي اليوم على السياسات التي يرسمها ترمب. فمن خلال خفض الضرائب على الشركات، وخفض عدد القوانين الناظمة التي على الشركات التوافق معها، حفّز ترمب الاقتصاد الأميركي الذي يواجه حاليًا معدل تضخم منخفض ونسبة بطالة قياسية. من ناحية أخرى، أنتجت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين تباطؤًا في بيئة عمل الشركات وفي ثقة المستثمرين، كما أدت سياسة ترمب الحمائية إلى تقليص الاقتصادين الأميركي والعالمي.
لكن ترمب ليس وحده في هذا الأمر، فالعديد من منافسيه الديمقراطيين يتحدون فكرة أساسية مفادها أن التجارة الحرة كانت جيدة للولايات المتحدة، وأنها تحدّت في الوقت عينه الهيكلية الدولية لاتفاقيات التجارة التي رسمتها الولايات المتحدة. وفي أثناء تولي السعودية قيادة مجموعة العشرين، لا قضية أهم من مصير التجارة العالمية.
جولة جديدة
انتهت مفاعيل المحادثات التجارية التي بدأت في الدوحة في عام 2001. فهل آن أوان جولة جديدة؟ هل آن أوان جولة الرياض للمحادثات التجارية؟ الجواب هو "نعم"، لكن في هذه المرة، على صانعي السياسة اعتماد نهج أكثر تواضعًا بدلًا من نهج "كل شيء أو لا شيء" الذي اعتمد في محادثات الدوحة. يجب أن يكون رسم هيكلية جديدة للتجارة ضمن أولويات جدول أعمال اجتماع مجموعة العشرين بالرياض.&
كي ينجح هذا الأمر، يجب البدء برسم الخطط فورًا. وبالنظر إلى علاقات السعودية الجيدة مع الولايات المتحدة ومع الصين، يمكن الرياض أن تكون وسيطًا في نزاعهما المستمر، وبذلك تقدم السعودية خدمة جليلة للاقتصاد العالمي ولمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
لنأخذ في حسباننا المسألة الآتية: على الرغم من كل الحديث عن "التراجع" الأميركي، مهم جدًا أن نتذكر أن الاقتصاد الأميركي لا يزال يمثل نحو 25 في المئة من حجم الاقتصاد العالمي المُدَوْلَر. وإذا أخذنا الناتج المحلي الإجمالي بالدولار لكل دولة عضو في جامعة الدول العربية ودمجناها في اقتصاد واحد، سيعادل ذلك إجمالي الناتج المحلي لولاية كاليفورنيا فحسب. إلى ذلك، تتمتع شركة "آبل" برسملة سوقية أكبر من الناتج المحلي الإجمالي السنوي للسعودية، أقوى اقتصاد في العالم العربي.&
مساعدات الخليج
من جانب آخر، يمثل الاقتصاد الصيني نحو 20 في المئة من الاقتصاد العالمي (إذا ضبطنا الناتج المحلي الإجمالي لحساب الاختلاف في العملة والقوة الشرائية، فإن اقتصاد الصين فعليًا أكبر من اقتصاد الولايات المتحدة).
بغض النظر عن طريقة الحساب، عندما تتواجه الولايات المتحدة والصين، فإن نسبة كبيرة من الاقتصاد العالمي في خطر. وعندما يتذبذب الاقتصاد الألماني، أهم اقتصادات الاتحاد الأوروبي، فثمة نقطة ضعيفة أخرى في الاقتصاد العالمي تجعله في وضع مقلق.
في هذا العالم الذي يزداد ترابطًا، عندما يبدأ ثلاثة من عمالقة العرض والطلب بالتعثر، تظهر تداعيات ذلك في جميع أنحاء العالم، ولن تكون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا محصنة ضد هذه التداعيات. فاقتصادات شمال أفريقيا تعتمد اعتمادًا كبيرًا على صادراتها إلى أوروبا، وعلى المساعدات التي تقدمها دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى واردات السياحة الأوروبية.
لكن، مع تباطؤ أوروبا، يتباطأ الطلب على الواردات من شمال أفريقيا وتتراجع السياحة إلى تونس أو القاهرة، ما يجعل دول هذه المنطقة أشد اعتمادًا على المساعدات الخليجية.
خبر سار
في هذه الأثناء،& يبقى نمو الطلب على النفط - مدفوعًا بالطلب الآسيوي - ثابتًا، إلا إنّ تراجعًا كبيرًا في الصين يمكن أن يشلّ السوق النفطية، ما يؤدي إلى انخفاض كبير في الأسعار، وإلى اتسنزاف فوائض مصدري النفط والغاز في دول مجلس التعاون الخليجي. من شأن هذا أن يقلل من قدرة دول مجلس التعاون على دعم دول شمال أفريقيا من طريق تدفق المساعدات ورؤوس الأموال.
الخبر السار هو أن الخوف من الركود الحالي مدفوع إلى حد كبير بخيارات سياسية، وليس بأساسيات اقتصادية. فقد أدت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين إلى تباطؤ الأعمال وتراجع الاستثمار في المستقبل. لا شك في أن ارتفاع نسبة الحمائية في أوروبا يؤدي إلى النتيجة نفسها.
إذا توصلت الصين والولايات المتحدة إلى اتفاق، متوقع أن تنتعش أسواق الأسهم، وأن تنتعش معها بيئة الأعمال مرة أخرى. وهنا يأتي دور السعودية ومجموعة العشرين.
فبغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات الأميركية المقبلة، من المهم أن يبدأ الآن التأسيس لبنية تجارية جديدة، تكون مقبولة من جميع الأطراف. لدى السعودية فرصة فريدة لبناء أساس بنية تجارية عالمية جديدة، فمستقبل عالمنا يعتمد على ذلك.
لقراءة المقال باللغة الانكليزية:
&———-
*&أفشين مولافي هو كبير زملاء معهد السياسة الخارجية في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز، ورئيس تحرير صحيفة "طريق الحرير الجديد". هذه المقالة مكتوبة خصيصًا لـ"إيلاف".
التعليقات