في لحظة اعلان الرئيس الامريكي دونالد ترامب عما سمي صفقة القرن، لحل القضية الفلسطينية وقضية الجولان السورية، حيث ترك فلسطين لإسرائيل كليا تتصرف بها كما تشاء مع الجولان السوري المباع اسديا. كنت اشتغل على كتابة مادة مطولة بعنوان" الدولة والسلطة في بلداننا". نحن منذ اتفاقية سايكس- بيكو 1916 ثم تبعه وعد بلفور 1917 القاضي بمنح فلسطين لليهود الاوروبيين نتيجة كره المجتمع الاوروبي المسيحي لمكونه اليهودي!! لم تكن الشعوب العالم ثالثية عموما والعربية خصوصا محكومة بالأمل كما يقول الراحل سعد الله ونوس. بل كانت محكومة بقوة الاستعمار الغربي. حيث حط رحاله الانكليزي الفرنسي عندنا على اثر الحرب العالمية الاولى وانتصاره فيها. منذ تلك اللحظة الاستعمارية التقليدية والمنطقة عموما محكومة بهذا الاستعمار. ربما لا يعجب بعضنا ما نقول هنا. لكنها حقيقة يتجاهلها الجميع رغم ان الجميع مقتنع بها. لماذا لم نكن محكومين بالأمل؟ لأنه ببساطة هذا الاستعمار الغربي لم يبني دولا، بل بنى مستوطنات سلطوية لها مفعول براني على مجتمعاتنا من حيث التنمية المستدامة. ومفعول جواني من حيث تمتعها باستيطان سلطوي مستدام يعتمد الجيش والشرطة والمخابرات للتعامل مع مجتمعاتنا. السلطات العربية بوصفها مزارع استيطانية. تشبه الى حد كبير المستوطنة المستحدثة اسرائيل. اما المستوطنات الصغيرة الاسرائيلية المنتشرة في الضفة الغربية فهي صورة مصغرة تماما عن الاحتلال الغربي للمنطقة العربية.

قبل ان يخرج الاستعمار التقليدي القديم من المنطقة ليتحول الى استعمار جديد. حيث بقيت المستوطنات السلطوية التي بناها حاكمة فعلية لمجتمعاتنا. نهبا وتنكيلا وقمعا وابادة ان اقتضى الامر مع شرعة غربية مباشرة وغير مباشرة عبر اعتبار هذه السلطات دول، وممثلة في هيئة الامم المتحدة. كحال الاسدية الابادية منذ خمسين عاما واكثر. من يقرأ التحولات التي طرأت على المجتمعات العربية منذ هذه المئة عام، يجد بشكل عام ان التطوير طال فقط الجوانب التي تمكن هذه المستوطنات السلطوية من الاستمرار في قهرها ونهبها لمجتمعاتنا. من اجل ان تدور الثروة في النهاية وتصب في البنوك الغربية. نعم هي المعادلة بسيطة جدا. لكن قوى الاستعمار الجديد خاصة بعدما تصدرت امريكا بعظمتها" الحضارية" تمنع هذه الرؤيا بوسائلها المتعددة. نعم هذا الشكل الاستعماري المتجدد هو من القوة بمكان، انه مسيطر على كل مستويات السياسة والعنف في المنطقة العربية. يديرها بطريقة كما تدير اسرائيل مستوطناتها في الضفة الغربية.

يعطي شرعية لذاك الحاكم ويسحبها من غيره مثلا. يفتح في ليبيا بؤرة عنف، ويغلقها في الجزائر. يدعم طرفي الحرب في اليمن. ويشارك ايران في العراق ولبنان. يعطي سماح لبوتين بقتل السوريين وتجريب كل اسلحته. ويدعمون جبهة النصرة. المستوى السياسي العربي بمعزل عن تفاصيله وصراعاته، من الاسلاميين الى اليساريين مرورا بالليبراليين هو صناعة غربية. هنا مكمن قوة الواجهة الامريكية. خاصة بعدما صار العالم انترنيتيا ومعلوماتيا، كالصحن امام الآلة الامريكية هذه. صناعة الغرب لإسرائيل، جعل لها في هذا الغرب تيار عريض من النخب ومراكز القوى التي تحتفي بها وتدعمها بالسراء والضراء. لكم ان تتخيلوا مثلا: ان الامة الايرانية العظيمة تمنع عنها سلطة الملالي الخامنئية الانترنت احيانا كثيرة. هذه السلطة قتلت شعبنا في سورية والعراق ولبنان، ولا تزال مستمرة بفعل الدعم الغربي نفسه. أنها بالنهاية ادارة المستوطنات السلطوية في المنطقة، هي التي اسست لصفقة القرن هذه. من هنا الصفقة تمت في القرن العشرين. تطورت في بطء الابادة لهذه الشعوب.
- الاسلاميون كأحزاب وتجمعات مسلحة جهادية او غير جهادية وبكل فروعهم، هم نتاج هذا الغرب وفضائه وقوته.
- الفلسطينيون مع الشهيد ياسر عرفات كانوا دعاة سلام. ماذا فعلت اسرائيل معهم؟

- شعوبنا منكوبة جميعها بهذا التأسيس الذي تم منذبدايات القرن العشرين. ما نعيشه هو نتائجه فقط.
- لاتزال المستوطنات السلطوية العربية محمية من هذا الغرب. واضيف له المعسكر الشرقي بقيادة بوتين لتستمر المجزرة المزمنة. بوتين الذي يمثل حذاء جديدا للسياسة الاسرائيلية في سورية.


- سورية محتلة من قبل جيوش امريكا وروسيا وايران وتركيا والاسد. وهنالك قواعد انكليزية وفرنسية وغيرها في اطار ما يسمى التحالف لمحاربة داعش.


- الشعب الفلسطيني كبقية شعوب المنطقة هو شعب محتل. هو في هذه المعمعة منقسم ايضا مثل هذه الشعوب، لكن علينا ان نرى في النهاية. ان صفقة القرن هي صفقة القرن العشرين وليس صفقة القرن الحادي والعشرين. في هذا القرن تم الاعلان عنها فقط.


أنا فلسطيني ومع حل الدولة الواحدة وتكنيس سلطتي عباس وحماس والفصائل. وكسوري ايضا هل انا بحاجة كي اضيف: أن اسرائيل سبب رئيسيا في استمرار الاسدية كنظام ابادي؟ من هذين الانتماءين ارى في النخب الاسرائيلية و لوبياتها العالمية الحاكمة وحشا. الاسدية وجهها السوري واداتها في النهاية.
اسرائيل ليست حومة تل ابيب فقط، بل هي ايضا تيار عالمي يخترق السياسة الدولية برمتها.
نعم انها صفقة القرن العشرين.