في آخر زياراتي للوطن الأم, وفي حديث مع إحدى الناشطات في حقوق المرأة أبدت قلقها وخوفها من حدوث إنتخابات تشريعية..وحين سألتها عن السبب.. أجابت بأن وجود حماس أصبح ملموسا في التخبط في الفهم الديني الذي تراه؟ وعليه تأكدها من نجاحها في الإنتخابات وتأثيره على تقاعس حقوق المرأة.. بما يعني إنتهاء أي أمل في أي تعديلات لقوانين الأحوال الشخصية.. التي تتعارض مع العدالة والمساواة المفروض بها في القوانين. وتتعارض مع الإتفاقيات الدولية لحقوق المرأة.. وحين سألتها ماذا ستفعلين إن حصل هذا؟؟ أجابت بثقه سأرحل إلى أي مكان آخر في العالم.. وبالتاكيد هذا ما ستفعلة شريحة مجتمعية كبيرة.. والنتيجة إفراغ المجتمع الفلسطيني من ثروتة السكانية المحدودة نظرا للتفاوت المادي والمجتمعي.. من العقول المثقفة التي تسعى للتغيير المجتمعي بما يفيد كل شرائح المجتمع الفلسطيني... من خلال إحقاق حقوق المرأة في العدل والمساواة ودحض التصريحات الإسرائيلية حول الخوف من المجتمع الفلسطيني.
الجدل الدائر الآن حول حقوق المرأة كما أقرتها الإتفاقية العالمية لإنهاء كل أشكال العنف والتمييز في قانون العقوبات والقانون الجنائي. بعد إصدار الرئيس الفلسطيني "محمود عباس " في أوائل نوفمبر 2019 قانونا يحدد سن الزواج للجنسين بثمانية عشر عاما.. قد يكون لذر الرماد في العيون - وقد يكون بالون إختبار للتقبل المجتمعي لشيء من التغيير خاصة وبعد توقيع الإتفاقية الدولية بدون أي تحفظات. في الأول من نيسان 2014. هذا التوقيع الذي إعتُبر الضوء الأخضر للبدء بتطبيق الإتفاقية الدولية "سيداو".
إنبرت بعض عشائر الخليل لتعلن رفض هذا القانون.. ورفض كل ما يتعلق بإحقاق أي حقوق للمرأة.. وبالتأكيد تبرع زعماء حلف التحرير الإسلامي بصياغة بيان الرفض في لغة خطابية تعمدت إستغلال الدين لإلهاب المشاعر العاطفية..مُطالبة السلطة بالتبرؤ من المعاهدة.. وإقفال جميع المؤسسات النسوية.. تمهيدا لمحوها كليا. ونادت بإنهاء عقود إيجارها ووووو. وأن هذه اللإتفاقية نذير شؤم على المجتمع الفلسطيني, ناسيين بأن التخلف والجهل هو نذير الشؤم الذي تستغله السلطات المحتله. في عملية إستقواء على المرأة وعلى القانون الفلسطيني الذي أعطاها الرخصة والحق في العمل المجتمعي المدني.. أضف لذلك إنتهاز حزب التحرير الإسلامي للفرصة وصياغة البيان بلغة لا تخلو من التكفير والترهيب.بما يمكن إعتبار هذا البيان بإعلان حرب ضد السلطة والمجتمع المدني؟؟
المحزن والمؤسف تضامن شريحة من المثقفين الفلسطينيين في إدانة قرار السلطة برفع السن القانونية للزواج.. من بعض المهندسين والأدهى نقابة المحامين الفلسطينيين المفروض بها إستيعاب أن الأصل في أي قانون العدالة والمساواة.. وأن تزويج القاصرات ينتهك كل المبادىء الإنسانية ويضر بالمجتمعات على المدى القصير والبعيد.. ولكنها (نقابة المحامين) رفضت طلب المنظمات النسوية نشر هذه الإتفاقية لإعطائها الشرعية القانونية اللازمة للبدء بالتطبيق لتغيير شيئا من الثقافة المجتمعية لصالح الإنسانية والرحمة والعدالة للمرأة؟؟ بمعني رفض قرار رفع السن القانونية؟؟؟؟
في المقابل..وفي تحدي للسلطة طالبت بعض المؤسسات النسوية السلطة بإحترام توقيعها والتطبيق الحرفي للإتفاقية؟؟ بعدما كانت تطالب برفع سن الزواج إلى 18 لحماية المرأة من تبعات الزواج المُبكر التي تؤثر على الصجة الجسدية والنفسية.. وحماية أطفال مثل هذه المرأة من تبعات تربيتهم من طفلة أخرى لا تعي مسؤليتة حماية المجتمع.. وطلبها الآخر أن يتم الطلاق بالمحكمة وأمام القاضي لإلغاء حق الرجل السيادي في الطلاق الشفهي ...؟ مرة أخرى المؤسف والمحزن تستُر منظمات نسوية أخرى بالسكوت.. نظرا لتمويلها من فصائل إسلامية ؟؟؟
سيدي القارىء.. إسمح لي أن أُبيّن ما سيترتب على هذا الإنقسام المجتمعي بعد الإنقسام السياسي وعلى عدم إحترام التوقيع على الإتفاقيات الدولية.. على الأجندة السياسية المحلية والدولية.
1- نظرة عالمية مُشككة بشرعية الدولة الفلسطينية التي إعترف البعض بوجودها.
2- قدرة السلطة في فرض القوانين الضرورية للتماشي مع المجتمع الدولي وحفظ الأمن العالمي
3- التأكيد على وجود أجندة حماس.. والتي تسعى للدولة الدينية التي يخشاها كل العالم وليس إسرائيل فقط...
4- البدء بتطبيق البعض من بنود "سيداو" سيؤكد الطابع المدني للمجتمع الفلسطيني وسيُدحض مقولات إسرائيل بإستحالة التعايش سواء في دولة واحدة أن في دولتين متجاوتين.. كما في القرارات الدولية..
5- الإعتراف بأن المرأة الفلسطينية لم تكن أقل نضالآ من الرجل وبرغم العنف الأسرى والمجتمعي الذي تعرضت ولا زالت تتعرض له لم تتقاعس في حماية أخيها وزوجها وإبنها من همجية الإحتلال .
6- إن ما يُنادي به زمرة المتشددين من القضاء على جميع المنظمات النسوية ومحاولة نزع شرعيتها.. ما هو إلا عدم إعتراف بالقانون الفلسطيني الذي إعطاها الرخصة.. وإعادة عقارب الساعة بالعودة إلى مستنقع الجهل بمصلحة فلسطين كدولة وكشعب.. وهو ما ستحتفل به الدولة المحتلة لتقدمه للعالم كبرهان للخوف من مُجاورة الفلسطينيين وإستحالة التعايش معهم..ومن يدري بألاعيبها.. فقد تتخذه ذريعة لإجبارهم على النزوح؟
سيدي القارىء
إن شرعية الوجود الفلسطيني ترتبط إرتباطا وثيقا بتواقيعه على الإتفاقيات الإنسانية الدولية.. وتماشي قوانينة الداخلية وعدم تعارضها الصارخ مع هذه الإتفاقيات.. بما يؤكد إلتزام حكومته بالأمن العالمي.. بما يدحض تبريرات إسرائيل بالخوف على أمنها من مجتمعات العنف؟
الطريق الوحيد لحل جميع هذه الإشكاليات.. فرض السلطة للقانونين التي تطالب بهما الجمعيات النسوية (رفع سن الزواج – إلغاء حق الرجل بالطلاق الشفهي ) وأضيف وأتمنى تشريع قانون الزواج المدني العادل لأنه يُساوي بين الرجل والمرأة في جميع الحقوق والواجبات. على أن يتم قبل الزواج الديني.. لإعطاء المرأة ومن يدّعون الحرص على مصلحتها المقارنة أي منهما أجدى لحماية كرامتها الإنسانية..
نعم قانون مدني لكل الفلسطينيون.. المسلم والمسيحي.. القانون المدني هو الحل للخروج من تهديد عباءة الدولة الدينية.. وسيُعطي إشارة الأمان لبناء مجتمع حضاري يحترم التعددية ويعمل لتأسيس قيمة المساواة بين كل مواطنيه وسيوقف خوف المواطن الإنسان المسيحي وهجرته المتزايدة...
التعليقات