كان خبر انتحار المذيعة البريطانية كارولين فلاك في ١٥ من شهر فبراير الفارط صادما في الوسط الإعلامي والرأي العام البريطاني، ففلاك التي بلغت من أربعين سنة، تتمتع بشخصية مؤثرة على الوسط التلفزيوني والاجتماعي، فقد عملت لأكثر من ١٥ سنة في تقديم العديد من البرامج، صنعت شهرة كبيرة وواسعة، لكن ظروفها الاجتماعية الأخيرة كما نشر في المواقع البريطانية، أثرت على حياتها بشكل كبير، انتهى بانتحارها.

عقب هذه الحادثة المؤلمة، التي لم تكن الأولى بل ثالث حالة انتحار في ثلاث سنوات على مستوى التلفزيون البريطاني، ما دفع بالمسؤولين إلى وضع شروط جديدة لتلافي تكرر هذه الحالات.

*إلزام المذيعين باختبارات سنوية نفسية وعقلية*

تحدث مصدر لصحيفة " the sun " البريطانية عن القرار الذي صدر بخصوص الشروط الجديدة التي يجب أن يخضع لها المذيعون في التلفزيون، والتي تشمل حتى من له خبرة ٣٠ سنة، عقب حادثة انتحار المذيعة كارولين فلاك ، الذي رفع من مستوى التفكير في الطرق الفعالة لتلافي تكرار هذه الحوادث، وخلص القرار إلى ضرورة إلزام مقدمي البرامج التلفزيونية إلى الخضوع لاختبارات التقييم النفسي ومتابعة مؤهلاتهم العقلية، للتأكد من سلامتها والمضي لتقديم العروض التلفزيونية دون أي عوائق.

كما أن هذه الاختبارات تجرى بشكل سنوي لمتابعة ومراقبة الوضع الصحي النفسي والعقلي لمقدمي البرامج التلفزيونية لما لها من أهمية في الكشف المبكر والوقائي لأي حالة نفسية أو عقلية تطرأ على المذيع ومحاولة تدارك أي خلل والوقوع في حالات مرضية مأساوية تنتهي إلى الانتحار كما حدث مؤخرا مع فلاك.

*وبال الشهرة على المذيع*

إن القرار الذي اتخذه مسؤولون في النظر للحالة النفسية والعقلية للمذيع يعود إلى أهمية هذا الأخير وشهرته وتأثيره على طبقات مختلفة من المجتمع، وفعلا كان انتحار فلاك قد تسبب في زلزال ضرب المجتمع الإعلامي والاجتماعي البريطاني، كما تسبب في حالة من الذعر والحزن، ونقدر تماما هذه الحالة لأنها فعلا محزنة ومؤسفة، لكن ما كانت تمر به فلاك كان ربما وبال الشهرة التي وسعت من دائرة مشاكل حياتها الخاصة لتزداد الضغوطات النفسية إلى حد الانتحار، لذلك فقد ركزت الاختبارات النفسية في التلفزيون على فحص المتسابقين في برامج الواقع لتحديد مدى قدرتهم على التعامل مع الشهرة ، وكان ذلك منذ عام ٢٠٠٠ إثر بث "Big Brother" على القناة البريطانية الرابعة، لكنها لم تعمم ذلك الإجراء، إلا أن وقع الحادثة الأخيرة استدعى إقرارها على الجميع دون استثناء.

*العلامة الحمراء هل هي الحل؟*

التعامل بصرامة كبيرة مع المذيعين ربما هو أشبه بنظام عسكري، صحيح أن الاختبارات النفسية والعقلية مهمة جدا، لكن أعتقد أنها لن تعالج المشكلة ولن تساعد المذيع للخروج من حالات نفسية التي تتسبب في إيذائه، بمعنى أن الحل هو السعي لإيجاد حلول لذلك الوضع، أما الإجراء الذي سيتم اتباعه سيكون قاسيا جدا، إذ سيكون المذيع تحت اختبار نفسي وجلسة مع مستشار قد تؤهله أو تقصيه من وظيفة "مذيع"، على أن يتم التقييم بإعطاء علامة حمراء لمن يفشل في الامتحان والخضراء لمن يجتازه.

ولكن السؤال الموجه: إلى أي مدى ستحقق هذه الشروط الأهداف المرجوة على رأسها عدم الوقوع في حالات انتحار المذيعين ، خاصة أن ظاهرة الانتحار باتت تشكل مخاوف كبيرة، لحصدها مذيعين لهم وزنهم الإعلامي.

من وجهة نظرنا، نرى أن الخطوة التي أقدم عليها مسؤولون بريطانيون بفرض هذه الشروط على المذيعين هي خطوة موفقة، لكنها يجب أن تكون مدعومة باهتمام كبير بالمذيعين والبحث عن حلول لمساعدتهم للخروج من مشاكلهم وضغوطاتهم النفسية التي يواجهونها، وبدلا من إقصائهم، تأجيل عودتهم إلى أن يصبحوا في حال أفضل ومؤهلين من جميع النواحي لمواصلة مهامهم بشكل طبيعي.

*كاتبة وإعلامية جزائرية