منذ خطاب تنصيبه رئيسا للجمهورية التونسية في أواسط شهر أكتوبر من العام الماضي الذي أ كد فيه أنه سيكون "صوت وضمير" القضية الفلسطينية، ، والرئيس التونسي قيس سعيد يواصل هذاياناته من دون أن يسعى أحد من المقربين منه سواء من المستشارين، أم من الوزراء أن يقنعه بالكف عن القاء خطب جوفاء، بلغة ركيكة يعاقب عليها حتى تلاميذ الاعداديات الثانوية. ويبدو أن هذا الرئيس لا رغب في سماع أي نصيحة، أو رأي آخر سوى رأيه، مُعتقدا أنه حامل لرسالة "مقدسة لا يأتمن عليها أحد سواه. فهو "العليم" بكل شيء. وعلى الآخرين الاستماع إلى هذياناته المقرفة والمملة. وهذه عيّنة منها...

ففي السابع عشر من شهر ديسمبر من العام الماضي، ، ذهب الرئيس التونسي إلى مدينة سيدي بوزيد التي شهدت أول انتفاضة مهّدت لسقوط نظام بن علي. وأمام الجماهير التي جاءت للاحتفاء بزيارته، ألقى خطابا متشنجا جاء فيه ما يلي :" أنتم تعرفون مطلبكم وحينما قلت ان الشعب يريد يعرف ماذا يريد مكنه فقط من الآليات القانونية التي يحقق بها إرادته وسوف يحقق بها إرادته لأنكم أحرار ومن يزيغ عن مطالب ابناء هذا الشعب سيدفع الثمن غاليا لأن الشعب يعرف ماذا يريد لأن الشعب يريد أن تتحقق الحرية وقد تحققت، يريد الكرامة الوطنية يريد أن يكون هناك شغل أيضا في السلطة يفترض أن تكون في خدمتكم وليس في خدمة أي جهة أخرى سوى من وراء الستار أو من وراء الصحاري أو من وراء البحار"؟؟؟؟
ولعل أهالي بوزيد فهموا من خلال ذلك الخطاب أنه يتوجب عليهم التمرد على السلطة. لذا سارعوا بالهجوم على مقر الولاية لطرد الوالي ، مطالبين ب"فرض السلطة الشعبية" على طريقة القذافي في السبعينات من القرن الماضي.

وفي مدينة بنقردان الواقعة على الحدود الفاصلة بين تونس وليبيا، والتي زارها في السابع من شهر مارس الحالي للاحتفاء بذكرى بمرور أربع سنوات على القضاء على هجوم إرهابي دَبّرَته "الدجولة الإسلامية"، ألقى الرئيس التونسي خطابا أشد تشنجا وغموضا من خطابه في سيدي بوزيد قائلا:" كيف يستعيد الشعب السلطة بيده ويضع القرارات التي يريد والتي تعبر عن مطالبه ... أنتم الذين يجب أن تضعوا هذه المشاريع لا أن تنتظروا المشاريع التي تأتي من المركز ... يفترض أن تكون الإدارة في المركز في باردو أو في قرطاج أو في القصبة تعبيرا عن إرادتكم أنتم وليس تعبيرا عن إرادة أي كان لذلك رفعت شعار الشعب يريد اقلبوا الساعة الرملية أنتم اليوم تريدون منطقة صناعية أنتم تريدون منطقة حرة انتم تريدون مؤسسة استشفائية أنتم تريدون مركزا للتكوين المهني أنتم الذين تريدون ولا تتركوا أحدا غيركم يريد مكانكم". ومثل أهالي سيدي بوزيد فهم أهالي بن قردان أنه يتحتم عليهم التمرد على القوانين، وعلى السلطة المركزية. لذا هجموا على حقول النفط في أقصى الجنوب التونسي مطالبين بنصيبهم من عائداته؟
ومن بنقردان، انتقل الرئيس التونسي إلى جزيرة جربة لحضور افتتاح المعرض الدولي للطيران والدفاع. وأمام الجماهير المذهولة ّبفصاحته القرآنية"، قال الرئيس التونسي وهو في أقصى درجات الهيجان والتشنج :"كم أتنمى أن يأتي اليوم ونحن هنا في جربة أن تكون لنا طائرات أيضا تونسية الصنع خالصة الصنع من تونس فقط لا ينقصنا أي شيء لا تنقصنا المعرفة حينما تكون هناك إرادة من نفس الفولاذ التي صُنعت منه الطائرات والآليات العسكرية سنتجاوز كل الصعاب وسنتجاوز كل العقبات لدينا كل الإمكانيات لنكون من بين المصنعين للطائرات في العالم وسنسيطر على السماء ولكن نحن سنسيطر على الأرض وعلى البحر وعلى الفضاء"؟؟؟ ولعل جهل الرئيس التونسي بواقع بلاده التي ترزح تحت الديون، وتعاني من بنية تحتية بائسة، وتفتقر إلى وسائل نقل مريحة، وإلى الخبز والدواء، هو الذي جعله يهذي بكلام لا معنى له ولا مدلول.

ولمجابهة وباء الكورونا الذي أصبح يهدد البلاد بشكل مرعب ، وأيضا للتطرق الى العملية الإرهابية الأخيرة التي استهدفت السفارة الأمريكية، اجتمع بداية الأسبوع الثاني من شهر مارس الحالي مجلس الأمن القومي بهدف اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة لمواجهة وباء الكورونا، ووباء الإرهاب. وفي بداية الاجتماع، تكلم الرئيس التونسي ليقول كلاما غامضا بنفس اللغة الركيكة المحشوة بالأخطاء، وبالتعابير الدالة على أن هذا الرجل لا يمتلك رؤية سياسية واضحة لبلاده المنكوبة:

الإرهاب بطبيعة الحال هو الإرهاب غادر وجبان ... ولكن ليتأكد التونسيون.. كما أننا سنتصدى... لكل انواع الجراثيم أو الفيروسات... سنتصدى أيضا بنفس القوة إلى هذه الجراثيم وإلى هذه الفيروسات.. مهما كانت... ومهما كان مصدرها ... ومن رتب لها ..ومن اختار التوقيت.. ومن اختار المكان .. هؤلاء ليسوا خطرا على الدولة التونسية.. وليطمئن التونسيون والتونسيات كلهم. بل ليطمئن العالم ... وأن في تونس رجال ونساء قادرون لا على مواجهة الأوبئة التي تظهر بين الحين والآخر ...ولكن قادرون أيضا على الرد على هؤلاء الذين يرفعون السلاح..."؟