أتمنى أن لا يقدم السيد رئيس الوزراء المكلف مشروع قانون موازنة ٢٠٢٠ إلى مجلس النواب قبل معرفة بعض الحقائق عن مقدار الهدر في المال العالم وكيفية حصره وتوجيهه وجهة صحيحة ومؤثرة ايجابا في التخفيف من أعباء الحكومة والمواطن ومنها:

أولا: رواتب ومخصصات الدرجات الخاصة من مدير عام فما فوق وصولا الي الرئاسات الثلاث كبيرة ولا تتناسب مع الظرف الذي يمر به العراق، لذلك سيكون تخفيضها بنسبة ٥٠٪ أمر مهم لإظهار جدية الحكومة في تقليص نفقاتها التشغيلية، وكذلك تقليص اعداد الحمايات للنواب والوزراء إلى أربع أشخاص - مثلا- لإنعدام المبررات الأمنية كما كانت سابقا.

ثانيا: يكثر الحديث عن إن نسبة الموازنة التشغيلية تساوي ٨٠٪الى ٨٥٪ من تخصيصات الموازنة العامة في كل سنة، وهذا غير صحيح لعدة أسباب منها وجود آلاف الرواتب لما يسمى ب"الفضائيين" في أغلب الوزارات بما في ذلك التي يستلم موظفوها رواتبهم عن طريق شركة ومنافذ الكي كارد فهناك أشخاص يستلمون من ٢٠ إلى ٢٥ راتب بأسماء مختلفة، وعلى سبيل المثال ما أوردته إحدى القنوات الفضائية بالأوراق والصور والمستندات إن ٨٥٥٠ شخصاً يستلمون رواتب ل ٧١٢٤٠ شخص بأسماء وهمية (ذات البصمة ولكن الأسماء مختلفة)، وهذا مثال واحد، علمآ إن موازنات العراق منذ ٢٠٠٥ لم تتضمن فرص عمل يتناسب عددها مع الزيادة في عدد الموظفين بالأرقام المهولة التي نسمع بها.

ثالثا: من المهم تعديل قانون التقاعد بما يشمل الدرجات الخاصة، وأن يكون أعلى راتب تقاعدي لأي موظف او مسؤول سابق لا يتعدى خمسة ملايين دينار عراقي، وكذلك تعديل قانون رفحاء الذي خلق انقساما مجتمعيا حادا، و بما يساوي بينهم وبين أقرانهم من العراقيين من المتقاعدين و المهاجرين في الداخل والخارج.

رابعا: هناك أوامر ديوانية من الحكومات السابقة تم فيها منح بعض موظفي الدولة والدرجات الخاصة مخصصات تتجاوز نسبة ٥٠٠٪ من الراتب الاسمي ما يشكل عبئا إضافيا على الموازنة.

خامسا: من المهم أن يكون للحكومة ووزارة المالية بيانات واضحة عن عدد موظفي كل محافظة وكل وزارة التي تتحمل المحافظة أو الوزارة صرف رواتبهم، وكذلك بيانات واضحة عن مواردها، سواءا من المنافذ الحكومية أو الضريبة او مشاريع الإستثمار والجباية فيها، وأن يؤخذ ذلك بنظر الإعتبار عند تخصيص موازنة كل منها، بعد إحتساب الواردات من حصتها في الموازنة وبما يكفي لتمويل موازنتها التشغيلية ومشاريع البنى التحتية فيها حسب الأولوية.

سادسا: إن اشتراط أن يسلم الإقليم كميات النفط المصدر من قبله او تسديد مبالغها لخزينة الدولة قبل إعطاء حصته من الموازنة يبدو أنه غير قابل للتنفيذ، ما هو قابل للتنفيذ هو أن تحتسب مبالغ كمية النفط المصدر من الإقليم من نسبته من الموازنة بالسعر الذي تبيع به شركة سومو، وبالتالي يكون الدفع شهريا لحكومة الاقليم ما يساوي النسبة المخصصة بالموازنة للإقليم مطروح منها ما صدره الإقليم في ذلك الشهر بالسعر المعتمد من قبل سومو في ذلك الشهر.

سابعا: هناك نزوع غير مبرر. لاستيراد منتجات يمكن للشركات والمصانع العراقية إنتاجها، مثل محولات الطاقة الكهربائية، والأسمنت، وطبع الكتب والمناهج الدراسية وغيرها مما يجب وقفه بأسرع وقت.

ثامنا: من المهم للسيد المكلف أن يقوم بإنشاء دائرة ملحقة برئيس مجلس الوزراء وتعمل تحت إشرافه المباشر، وتتكون من ذوي الخبرة والاختصاص من المستقلين حصرا، بإسم (دائرة المتابعة والتحقق) لمتابعة المشاريع وأسباب تلكؤها الحقيقية، وأسباب تأخير منح إجازات الاستثمار ووضع الحلول المناسبة لها وتكون لقراراتها صفة الإلزام بما يتعلق بالمشاريع الحكومية سواء منها قيد التنفيذ او المتلكئة او المشاريع الاستثمارية المعطلة، ولها صلاحية إحالة الموظف المختلس او المعرقل إلى القضاء.

تاسعا: الموازنات السابقة جميعها تنظم بطريقة المحاصصة بين الكتل والأحزاب ولا تخضع لما تفرضه المرحلة من أولويات تتعلق بمدى حاجة المواطن لكل مشروع تخصص له أية أموال، ولذلك أقترح-على سبيل المثال- إقتصار مخصصات الأوقاف كافة ووزارة الشباب والرياضة في قانون موازنة ٢٠٢٠ على موازناتها التشغيلية بعد استقطاع نسبة مواردها منها.

عاشرا: أقترح كذلك، لتقليل الإنفاق، أن تبادر الحكومة إلى إشراك الجيش في إنجاز بعض المشاريع وهي تجربة تكررت في أكثر من بلد وهي تجربة تندرج ضمن كيفية إدارة ( قوة العمل)،فقد كان يمكن للجيش - على سبيل المثال-رفع أنقاض المدن المحررة من داعش بدل إنفاق مليارات الدولارات على هذا الموضوع والتي ذهبت اغلبها إلى جيوب الفاسدين، ولازالت هناك آلاف الأطنان من الأنقاض في الموصل وغيرها.

أحد عشر: لازالت وزارة المالية تمنح سلفا لدفع رواتب منتسبي عدد من موظفي وعمال بعض معامل القطاع العام،العاطلين فعليا عن العمل، وكان يمكن تخصيص مبالغ زهيدة لتأهيل هذه الشركات والمعامل وتحويلها إلى شركات رابحة او على الأقل قادرة على صرف رواتب منتسبيها.

هذه بعض أوجه هدر المال العام التي أرى إمكانية الحكومة القادمة على تقليلها أو تصفيرها قبل تقديم مشروع قانون الموازنة إلى مجلس النواب.