على مدى الأربعين سنة الماضية، وتحديدا منذ بروز الحركات الأصولية في الجزائر، استفحلت ظاهرة مؤلمة ومرعبة في آن واحد. وتتمثل هذه الظاهرة في اذلال المرأة، والتحقير من شأنها، ووصفها بأبشع النعوت من أعلى منابر المساجد. وخلال سنوات التسعينات السوداء، حصد العنف الأصولي أرواح آلاف النساء من أعمار مختلفة باعتبارهن "عورة" المجتمع الجزائري. كما تعرضت مئات منهن إلى الاغتصاب وفقدن أزواجهن، وشاهدن أبناءهن يذبحون أمام أعينهم مثل خرفان العيد. ومن أفظع الجرائم التي ارتكبت في حق المرأة الجزائرية تلك التي حدثت في "حاسي مسعود" البترولية. فقد أرسلت إلى هناك ثلاثين امرأة للعمل إلاّ أن فقهاء الظلام أصدروا فتوى تتهمهن بسوء الأخلاق. وفي النهاية تم اغتصابهن والاعتداء عليهن بالضرب وبالسكاكين. وواحدة منهن دفنت وهي حية. ولا ذنب لهن سوى أنهن كنّ رافضات للأكياس السوداء التي كان فقهاء الظلام يطالبون بحشرهن داخلها.

والحقيقة أنه لا أحد يمكنه أن ينكر على النساء الجزائريات الأدوار الهامة والرائعة التي لعبنها خلال الكفاح التحريري. فقد كن يلقين بأنفسهن في لهيب المعارك من دون أيّ تردد أو خوف. والبعض منهن فضلن الانتحار ليتقين عمليات التعذيب الوحشية التي تخضعن لها في سجون الاحتلال الرهيبة، أو تجنبا للاغتصاب من قبل جلاديهن. أما نصيب الأخريات فكان الترمل، واليتم. وكانت جميلة بوحيرد الشاهدة الكبيرة على الملحمة البطولية للمرأة الجزائرية.

ورغم أن المرأة ساهمت في صنع الاستقلال بقسط كبير، فإن رجال جبهة التحرير تنكروا لها حال تسلمهم السلطة، ومارسوا ضدها سياسة التهميش، والتبخيس، والقمع بأشكاله المختلفة، رافضين سنّ قوانين لحماية حقوقها المدنية والسياسية مثلما حدث في تونس، والمغرب تاركة إيّاها تواجه لوحدها من دون عون ولا سند مجتمعا خشنا، مسلحا بثقافة رجولية بغيضة، وعنيفة. وفي حوار أجريته معه، ذكر لي المفكر الجزائري المرموق، الراحل جمال بالشيخ، أنه كتب في بداية استقلال الجزائر مقالا طالب فيه جبهة التحرير بتحرير المرأة الجزائرية من قيودها.

وكان قد بادر بذلك إثر انتحار شابة جزائرية في السادسة عشرة من عمرها بعد أن اجبرها أهلها على الزواج من عجوز يكبرها بأكثر من خمسين عاما.

وحال صدور المقال، جاء الرد سريعا من الرئيس أحمد بن بله إذ دعا جمال الدين بالشيخ إلى مكتبه، وغاضبا صاح فيه:" لا تخلق لي مشكلة بسبب النساء نحن لسنا بحاجة إليها". وفي حواره معي، علق جمال الدين بالشيخ على ردة فعل بن بله قائلا :"لم يفهم المسؤولون الكبار في جبهة التحرير أن الاستقلال لا يعني فقط خروج الفرنسيين من البلاد، وإنما لا بد أن يكون مُقْتَرَنا أيضا بتحرير المجتمع من تقاليد الماضي الثقيلة وذلك بجعل المرأة عنصرا فاعلا في معركة البناء الكبرى. وبسبب هذا الخطأ الفادح، دفع الشعب الجزائري الثمن غاليا فيما بعد".

ورغم القمع المسلط عليهن، لم تتردد مثقفات ومحاميات وأساتذة وصحفيّات في تكوين جمعيات بهدف دفع السلطات إلى اتخاذ إجراءات شجاعة وجريئة تحمي المرأة الجزائرية من ثقافة العنف والتطرف الأعمى، وتدفع عنها المخاطر التي تهدد وجودها، ودورها في مجتمع لا يزال يرزح تحت وطأة ماض مظلم وثقيل.